الثقة منغرسة ضمن منظومة تفاعلية، وتستمد أهميتها من عمقها التاريخي، حيث كانت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع التقليدي الذي يتسم بالبساطة والتجانس، تقوم أساساً على الثقة، وتنتهي بفقدانها، فقد كانت الثقة هي مفهوم آخر لعادات المجتمع وتقاليده وقيمه الصلبة، ويلتزم بها الأفراد والجماعات إما انسجاماً مع ثقافة المجتمع، وإما خوفاً من النفي الاجتماعي،
كما أنها تمثل المادة الأساسية للتماسك الاجتماعي، وقد كان العائد منها على الفرد والمجتمع كبيراً، إذ أنها تقلل من حدة النزاع، وتمنح الإحساس بالرضا، والناس تمنح الشخص الموثوق فيه مكانة اجتماعية رفيعة، وتنظر إليه بوصفه إنسانًا نبيلًا، يغلب مصالح الآخرين والمصالح العامة على مصالحه الخاصة
بالتأكيد تكون الحياة أجمل وأروع إذا كنت تعيش داخل حالة من الحب والشغف والكثير من العشق مع المرأة التي اختارها قلبك لتكون شريكة لك مدى الحياة، لا يفرق بينكما شيء سوى الموت بعد عمر مديد. لأن الحب دائماً يُبنى على الثقة كما ذكرنا من قبل فإنك من الطبيعي أن لا تثق إلا في الأشخاص الذين تحبهم لهذا دائماً ما نسمع أن الثقة تعد الأساس الذي يتم بناء الحب بين الطرفين فوقه لذلك إذا اختفت الثقة سوف يختفي الحب معها بكل تأكيد .
من المؤكد أن هنا بعض اللحظات التي يسأل فيها الرجل نفسه عن الكيفية التي تصرفت بها شريكته في موقف اختلطت بالرجال سواء داخل العائلة أو في العمل لتبدأ النار في الاشتعال بداخل صدره بعد لحظات من التفكير. ولكن مع بعض الثقة والهدوء لن يلتهب صدر الرجل عند التفكير في تلك المواقف؛ فهو يعلم جيداً أن شريكته تعرف ما يغضبه فلن تقوم به كما يعرف أنها تدرك كيفية التصرف والرد في أي موقف غير لطيف تتعرض له في غيابه.
الثقة هي صورة ذهنية إيجابية، وانطباعات يحملها فرد عن فرد آخر أو عن جماعة أو عن مؤسسة أو حكومة، سواء كانت هذه الصورة الذهنية صحيحة أم خاطئة. ويمكن أن أعرفها بأنها مرادفة للمصداقية. وجوهرها هو مدى أن أثق في الغير ومدى أن أكون مصدر ثقة لديهم. وقد جاء في “معجم التعريفات” للجرجاني أن: “الثقة: هي التي يعتمد عليها في الأقوال والأفعال”
، وهذا التعريف الذي أراه دقيقاً يؤكد على أن المسائل المحسوسة وغير الملموسة هي أساس التعاقد بين المتعاقدين كتابة أو شفوياً، كما يحمل بداخله مضامين اجتماعية على الرغم أنه جاء من معجم لغوي، وتكمن أهميته في أنه يرفع مستوى الثقة بضمانة الأفعال والأقوال،
وذلك لأن من عادة كثير من الناس، وخاصة من ذوي المكانة الاجتماعية العليا، يتحدثون بما يمليه عليهم الموقف، أو بما يرغب المتلقي في سماعه، بما في ذلك من التزامات ووعود، ولو لم ينفذوا أي شيء منه. وجاء في “معجم مقاييس اللغة” لابن فارس: “وثَّقت الشيء: أحكمته”. فأصل الكلمة في اللغة، كما يبدو من تعريف ابن فارس، أنها تشمل كل قول أو فعل يبعث على الاطمئنان، بضمانة أخلاقية أو بضمانة سلوكية تناسب الموقف. تقوم علاقة الفرد بالآخرين، الذين يمثلون الأهل والقرابة والأصدقاء وزملاء العمل، بل والغرباء، على أسس الثقة، ومن الصعب أن تكون مكتوبة أو موثقة، ويشكك باومان في تحقيق التوازن بين الثقة والرغبة في زيادة العلاقات عبر شبكات التواصل،
إذ يقول: “إن حاجتنا ورغبتنا في تكوين روابط راسخة ومحل ثقة في أزمنتنا الحديثة السائلة، أكثر من أية أزمنة أخرى، لا يصدر عنهما إلا مزيد من القلق، فنحن عاجزون عن الحد من شكوكنا، وعن منع إحساسنا بالغدر والخيانة، وعن منع خوفنا من الإحباط، فنبحث، طوعاً أو كرهاً، عن شبكات أوسع من الأصدقاء والصداقات، واقع الأمر أننا نبحث عن شبكة واسعة بما يكفي لضغطها في قائمة اتصالات الهاتف النقال فإننا نجلب على أنفسنا مزيداً من المخاطر، ونمهد الطريق لمزيد من الخيانات
للثقة دورة حياة حددها كولمان في نموذج من أربعة عناصر، يتمثل العنصر الأول في وضع الثقة، ويقصد به أن يضع الواثق ثقته في الموثوق فيه، ويكون أمام الأخير أسلوبان للتعامل، فإما أن يحافظ على الثقة ويفي بمتطلباتها الاجتماعية، وإما ينتهك المعايير الاجتماعية المنظمة للثقة.
العنصر الثاني يختص بتقييم الواثق، فإما أن يستفيد من الثقة إذا حافظ عليها الموثوق فيه، وإما أن يندم على وضع ثقته في شخص غير أهل للثقة. والعنصر الثالث: أن الواثق يضع باختياره وإرادته الموارد التي يمتلكها لدى الموثوق فيه دون ضمانات استرداد. والعنصر الرابع: هناك تباطؤ زمني بين وضع الثقة وفعل الموثوق فيه
تمتاز الثقة بأنها قابلة للقياس على جميع مستوياتها، وهي من المظاهر التي يستطيع أن يشعر بها الإنسان العادي، ولكن تكمن أهمية قياسها في رصد كمية القيم المرتبطة بها، وبنتائجها، وباتجاهاتها، وبوسائلها. في المقابل، يوجد فئة مهمة من النخب الاجتماعية والاقتصادية لديها نظام أخلاقي داخلي وضمير ملتزم بمنظومة القيم النبيلة، وهذه الفئة في رأيي، تعد أعظم من فئة النخب في الأجيال السابقة،
وذلك لأن الأجيال السابقة كانت تتعامل بالثقة بوصفها مصفوفة أخلاقية تسود التعامل بينهم، ومن النادر أن تتعرض الثقة بينهم للزعزعة؛ لأن الثمن سيكون مكلفاً، وهو سقوط سمعة الفرد وعدم التعامل معه، أما الآن فإن النخب الملتزمة فهي تصارع من أجل التزامها الأخلاقي في بيئة تسهِّل من مجالات الفساد وتبرره، وتعادي من يحاربه أو يتجنبه، وهم غالبًا من هذه الفئة.
ويعد الاقتصاد من أهم المؤسسات التي تتطلب الثقة في جميع مراحلها وعلى كافة مستوياتها، وقوة عملات الدول أو انهيارها غالباً ما تكون مرتبطة بالثقة في اقتصاد الدولة وأداء مؤسساتها المالية.
وبرزت أيضاً ظاهرة الالتزام الديني الشكلاني من أجل ضمانة الاستثمار العقاري والاقتصادي. وقد شهد المجتمع أكبر عمليات التعرض للنصب والاحتيال في سلسلة من المساهمات العقارية والتجارية التي انتشرت عام 2006م وما بعد، وكان أهم عوامل التسويق هو ارتباط المساهمات بأشخاص من ذوي التدين الشكلاني، مما أكسبهم الثقة المفرطة وسهل جمع مليارات الريالات في مدد وجيزة، ثم ما لبثوا حتى انفجرت بالونه الفقاعات ودخل المجتمع في شكاوى استمر بعضها أكثر من عشر سنوات.
مع استحضار مقولة عمر بن الخطاب: “من خدعنا لله انخدعنا له”، إلا أن هذه الظاهرة كانت مهيمنة على المجتمع ، وقد نتفهم أنها جاءت في زمن المجتمع في مرحلته التقليدية والتجانس فيه عالٍ، ولكنها بدأت تندثر مع تعقد الحياة وتدفق الأفكار بدخول تطبيقات التواصل، إلا أنها تؤكد على أن المجتمع لا يستفيد كثيراً من خبراته، ولا يراكم معرفته اليومية، لذلك تتكرر عليه وسائل المخادعة، ويتقبلها بحسن ظن.
مجتمع الرداءة لا يبني الثقة: استشعرت مؤسسات الدولة الرقابية والمعنية بالضبط الاجتماعي خطورة مجتمع الرداءة، وهم مشاهير التافهين الذين يروجون لكل من يدفع لهم بأنه موثوق، وليس لديهم الحد الأدنى من التحقق، ولا من الشعور بالذنب من تضليل من يثقون فيهم، ولا يمتلكون خبرات كافية لأخلاقيات الإعلان، وبدأت تنفذ عمليات ضبط اجتماعي وملاحقة.
تعد الثقة في عالم سريع التغير وشديد التعقيد من أهم أدوات التواصل الاجتماعي، وأداة فعالة لبعث التطمينات بالشفافية. ومن المهم أن تبقى الثقة صلبة من خلال ارتباطها بمنظومة أخلاقية، ومنع ربطها بمعايير مادية بحتة.
والواقع المعولم يؤكد على أن الحداثة وعصر التقنية والتواصل المفتوح، ومن ثم زيادة الشعور بالفردانية وتفكيك روابط الأسرة والجماعة، قد أضعف أدوار الدولة والمجتمع والجماعة والأسرة في دعم المنظومة الأخلاقية للثقة، مما زاد من حدة أنانية الفرد، وتوجيه أفعاله بناء على مصالحه الخاصة حتى ولو ألحق الضرر بالمصالح العامة، ولم تعد ثقة المجتمع فيه من ضمن حساباته التي يراعيها.
إذ كانت الثقة مرتبطة بالسمعة والمكانة الاجتماعية، وكانت الأسرة والجماعة والقبيلة تمارس ضغوطها على الفرد لمنعه من القيام بأي فعل ممكن أن يضر سمعتهم أو يفقد الثقة فيهم، بوصفه محسوباً عليهم، بل إن جماعة الإجرام والانحراف لديها نظام أخلاقي وقوة ضغط تمنع أحد أفرادها من ممارسة أفعال تخل بتماسكها، كما أنها تعيش على السمعة المبنية على الثقة.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
1 تعليق
Badenhorst
مرحبا هل انت بحاجة الى تمويل؟ إذا كانت الإجابة بنعم ، فاتصل بنا اليوم للحصول على قرض سريع وبأسعار معقولة الآن ، فنحن نقدم قرضًا لأي جزء من العالم بسعر فائدة 3٪ للأفراد والشركات الذين يحتاجون إلى مساعدة مالية. اتصل بنا الآن على mrslindarobertloanfirm@outlook.com
https://mrslindarobertloan.wixsite.com/website