المرأة والحياة، معادلة متكافئة، وثنائية يستحيل فصلها، فما الأنثى سوى الحياة، وما الحياة سوى الأنثى، لأن هذه الأخيرة صبغت كل معاني الأولى بفلسفاتها المنبثقة من طبيعتها، سعادة المرأة ليست بمجد الرجل ولا بكرمه وحلمه، بل بالحب الذي يضم روحها إلى روحه ويجعلها معه عضوا واحدا في جسم الحياة الواحد، وكلمة واحدة على شفتي الإله الواحد
المرأة تنظر بثبات إلى الشمس وترى في الظلمة لان لديها مفتاح الصحة والسعادة والاستلقاء على أهداب المحبة، إنها نبع الأمل الذي لا ينضب تفجر عواطف الزمن وتعيد للرجل بهجة طفولته وترتقي به لتجعله يحيا في كنف الإنسانية. لا يمكن للرجل أن يصل لنفسه إلا عندما يتغلغل في أعماق المرأة ومهما فعل لن يرى لذة الحياة إلا عبر هذا المخلوق الجميل.
والرجل كعادته يرتجف أمام الرغبة والخوف في لقائه المرأة لأنها هي التي ترسم له الطريق ليسلكها إلى نفسه. عندما تزهر المرأة يزدهر العالم بعبقها وعندما تحول محبتها إلى معرفة تصنع العالم. فالطبيعة الحقيقية للمرأة هي (المحبة) الشرع الأساسي للكون بعد العقل. فالمرأة تحب بلا شروط وتهب النور ويولد الكون عندما تتفجر طاقة العطاء فيها. أي لحن يدغدغ مسامعنا أكثر من لحن المرأة وهي تحب؟ وأي رقص عجيب أجمل من جسدها وهي تهزه على أنغام محبتها؟ فهي صانعة الحب لأنها فن الحياة الخالد.
على مدار عمر البشرية على الارض عاش الرجل والمرأة معاً وكانت العلاقة بينهما تقوم بتحريك الكون من حولهما فلولا العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل متوازن وسوي لما استمر الوجود البشري حتى الان فالعلاقة بين الرجل والمرأة اذا كانت بشكل متوازن وشرعي ويرضي رب العالمين فإنها تعتبر الوقود الذي يحرك الحياة فالزواج هو سكن واستقرار ومودة ورحمة
الثقة في العلاقات يتم بناءها عن طريق معرفة الطرف الاخر واكتشاف ما بداخله عن طريق سلوكياته وتصرفاته فالثقة من اهم مكونات العلاقات الناجحة فعندما تشيع الثقة بين الرجل والمرأة يشعر كل منها بالحرية في ان يكون نفسه ويستطيع البوح بمكنونات قلبه في العلاقة مع الاخر
ولكن اذا تحدثنا من منظور علمي فإن المسئول عن شعورنا بالثقة هرمون الاوكسيتوسين الذي يفرزه المخ عندما يلمس كل منهما الاخر في علاقة زواج اسلامي فهذا الهرمون لديه القدرة على زيادة رصيد الثقة بين الرجل والمرأة . حاسة اللمس من الحواس القوية جدا ولذلك فهي متصلة بمشاعر جميلة مثل الثقة والامان والحب والراحة والاستقرار ولذلك فإن استغلال ذلك في العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل شرعي يعمل على زيادة مشاعر الرضا بين الزوجين كما انها تجعل كل طرف يشعر باهتمام الطرف الاخر به مما يعمل على زيادة جودة الحياة الأسرية بين الرجل والمرأة فكلما زاد معدل الرضا في العلاقات كلما زادت المشاعر الجميلة التي تربط العلاقة بين الرجل والمرأة مما يؤدي إلى زيادة الانتاجية في العمل نتيجة التخفف من الضغوط الحياتية اليومية
لأن تراكم الضغوط بدون التخفف منها يعمل على خفض كفاءة الجهاز المناعي مما يزيد من احتمالية الاصابة بالأمراض النفسية والجسدية نتيجة تراكم المشاعر السلبية التي يعاني منها الرجل والمرأة مما يقلل من معدل الرضا عن الحياة ولذلك إذا كانت العلاقة بين الرجل والمرأة متوازنة فإنها تساعد على توازن باقي جوانب حياة كل منهما .
التواصل من أعمدة الاحتياجات الأسرية فبدون تواصل لن يتم اشباع الاحتياجات العاطفية بين الطرفين فالتواصل هو عبارة عن الشريان الذي يضخ الدم للعلاقة بين الزوجين فالتواصل الفعال الآمن الذي يتم فيه التعبير عن المشاعر بدون خوف او قلق من رأي الطرف الاخر او بدون الانشغال بعواقب ما يقوله الشخص او يفعله يعمل على رفع معدل المشاعر الايجابية بين الطرفين فيشعر كل طرف بالأمان التام في العلاقة مما ينعكس بشكل ايجابي على جودة العلاقة بين الطرفين
من ضمن الاحتياجات العاطفية الأسرية ان يتمتع كل طرف بمساحة شخصية
وان يمارس أنشطة وهوايات بعيدة عن تواجد الطرف الاخر فهذا يعمل على قتل الملل في العلاقة لأن هذا يعمل على تجديد العلاقة وزيادة شباب ورونق العلاقة بين الطرفين
فإشباع الاحتياجات العاطفية يعتمد على اساس احترام اختلاف الطرفين واحترام المساحة الشخصية تزيد من احترام الطرفين لبعضهما البعض .
لا يتم اشباع الاحتياجات العاطفية بشكل متوازن داخل الاسرة بدون تواجد ثقة متبادلة فالثقة هي العامود الاساسي الذي يقوم عليه العلاقات فالشك بين الزوجين يعمل على إحداث ثغرة في مسار اشباع الاحتياجات العاطفية مما يزيد من مشاعر الاستياء والغضب والخوف مما يعمل على غياب مشاعر المودة والرحمة بين الطرفين . مما لاشك فيه ان الحب الذي يجمع بين قلبين له طاقة عالية جدا ومشاعر الحب تستطيع تقوية الجهاز المناعي للطرفين ، هذا بالطبع اذا كانت علاقة ناجحة ولكن عندما يكون الحب مؤلم نتيجة الاختيار الخاطئ للشريك
متى يشعر الشخص بألم الحب ؟
1-عند الانفصال :
من اكثر اللحظات المؤلمة في الحب عندما تنتهي العلاقة بالانفصال سواء كان ذلك بالطلاق او بفسخ الخطبة ويشعر كلا الطرفين باهتزاز مفهوم الثقة بالنفس ، كما انهم لديهم صعوبة في مواجهة الاخرين بوضعهم الجديد ، كما انه قد يبقى لديهم شعور بالحنين للشريك السابق ولا يعرفون كيف يتعاملوا مع مشاعر الاشتياق لعلاقة عاطفية مشبعة بالمشاعر الجميلة ، فالأمر حقا مؤلم .
2- الحب من طرف واحد : من اكثر المشاعر ألما حقا هو عندما تحب شخص ولكنه لا يكون بداخله مشاعر حب تجاهك
3- الحب الذي يصل إلى درجة التعلق : عندما يتعلق شخص بشريك حياته فإنه يقوم بالتركيز فقط على ان يجعل الشريك سعيدا مهما تكلف الامر وهذا يجعل العلاقة بينهما متوترة حقا ، لأنها تكون مليئة بمشاعر الخوف وعدم الامان ومن اجل علاقة حب صحية لابد وان يبتعد الطرفان عن الوصول لدرجة الحب التي تصل لحد التعلق لأن التعلق الزائد عن الحد بشخص يجعل هناك فرصة في الانفصال عن هذا الشخص فسيدنا يعقوب قد تعلق بسيدنا يوسف ، وأذاقه الله مرارة هذا التعلق عن طريق ابتعاد يوسف عن المنزل ووجوده في بلد اخر . 4- انعدام الحب : عندما يجتمع الطرفين في علاقة زواج ولكنهما لا يحبان بعضهما وانما فقط ينخرطان في هذه العلاقة ويأخذا القرار بالاستمرار من اجل كسب القبول الاجتماعي ولأن من حولهما يضغط عليهما بشدة من اجل الدخول في حياة زوجية ، فهنا يشعر الطرفين بالألم لأنهما يقومان بتحقيق أهداف اشخاص اخرين ولا يقوما بتحقيق اهدافهما الشخصية .
العدوان السلبي في العلاقات مختلف تماما عن العدوان الصريح الذي يقوم على اساس الصراخ والعويل فالعدوان السلبي يقوم على اساس تجنب الصراعات المنزلية فالشخص الذي يعاني من متلازمة العدوان السلبي يتجنب اي تواصل او اي نقاش بخصوص المشكلات فهو ينكر تماما وجود مشكلة مما يجعل المشكلات تتراكم وتؤدي إلى فجوة عاطفية كبيرة بينه وبين الطرف الاخر فالأسر التي ينتشر بداخلها العدوان السلبي هي اسر مختلة وظيفيا فهي تتبع اسلوب غير صحي تماما في التعامل مع الضغوطات الاسرية .
الابتزاز العاطفي هو عبارة عن سلاح الشخص الذي يستخدم العدوان السلبي في العلاقات من اجل تحقيق مطالبه فالشخص الذي يستخدم العدوان السلبي لا يقوم بالتصريح بما يريد بشكل متوازن وانما هو يستخدم اسلوب ملتوي في العلاقات من اجل تحقيق اهدافه وذلك عن طريق تهديد الطرف الاخر بالانفصال او الطلاق او حرمان الطرف الاخر من المال او الابناء وذلك من اجل الضغط على الطرف الاخر لتنفيذ ما يرغب فالشخص الذي يتخذ من العدوان السلبي وسيلة لتحقيق مطالبه لا يعلم اي وسيلة اخرى لتحقيق اهدافه ولذلك فهو يستخدم الابتزاز العاطفي بشكل زائد عن الحد في العلاقة مع الطرف الاخر ولكن هذه الوسيلة تحقق له مطالبه على المدى القصير ولكنها على المدى الطويل تعمل على شرخ العلاقة التي تجمعه بالطرف الاخر لأنها تقوم على اساس التخويف وليس الحب والامان والتقبل .
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان