تلعب وسائل الإعلام دورا مهماً في الأزمات السياسية والأمنية، لما لها من قدرة على التأثير في أفراد المجتمع كونها المصدر الأول والأساس في إصدار المعلومات وفي ظل الظروف الاستثنائية والطارئة كالأزمات السياسية أو الأمنية يعد الإعلام المصدر الرئيس للمعلومات والحقائق بالنسبة للأفراد، ويشكل أداة للسيطرة على أفراد المجتمع عبر التأثير فيهم بما يتلقونه من معلومات.
إن الإعلام الأمني هو ذلك الإعلام الذي يتضمن معلومات مهمة وكاملة، تغطي الأحداث والحقائق والقوانين المتعلقة بأمن المجتمع واستقراره، والتي يعد إخفاؤها أو التقليل من أهميتها نوعاً من التعتيم الإعلامي، والمبالغة في تقديمها أو إضفاء أهمية أكبر عليها يعد نوعاً من الدعاية لخدمة أهداف معينة، ويشكل الإعلام الأمني الرسائل والمعلومات والأخبار الصادقة والحقيقية التي تصدر عن المؤسسة الإعلامية وتبث عبر وسائلها المختلفة، بهدف التوعية والإرشاد وتحسين صورة المجتمع في أذهان أفراده لتحقيق التفاعل الإيجابي بين المؤسسات الأمنية والجماهير في إطار سياسة الدولة وقوانينها.
لذلك نري أنه يمكن تعريف الإعلام الأمني على أنه الأداة الحكومية التي يتم فيها السيطرة على المجتمع والتأثير عليه بواسطة ما تبثه وسائل الإعلام من رسائل إعلامية موجهة لأفراده في الأزمات السياسية والأمنية.
وبذلك يمكن تحديد أهم ملامح الإعلام الأمني في النقاط التالية:
1. إعلام متخصص يعمل على إحاطة الجمهور بالمعلومات والحقائق التي تمس أمن المجتمع واستقراره .
2. إعلام متعاون مع المؤسسات الحكومية يساهم في تحقيق أهدافها وغاياتها وذلك في إيصال ما تريد إيصاله لأفراد المجتمع .
3. إعلام متوافق مع سياسة الدولة ولا يتعارض معها، يدعم المصالح الوطنية ويحافظ على استقرار المجتمع وأمنه، ويقف بوجه الإعلام المغرض الذي يحاول تهديد المجتمع عبر ما يبثه من معلومات هدامة وأفكار منحرفة.
فالإعلام يكمن دوره في معالجة الأحداث والظواهر السلبية والأزمات الاجتماعية والسياسية وغيرها من الأزمات التي يمر بها المجتمع وهو ما يحتاجه المجتمع العراقي اليوم من بث برامج تدعو إلى المحبة والأخوة والمسامحة والمصالحة بين أبنائه لا تلك التي تدعوا إلى التعصب والمغالاة ورفض الآخرين .
إن وسائل الإعلام تعمل كمرشح لما يتلقاه الجمهور من أخبار وكيفية تفسير الأزمات بتناول الإعلام من عدمه لقضايا يمكن أن تؤثر على السياسة العامة التي تتخذ، وكيفية تنفيذها والمعلومات التي تتم تغطيتها، فيمكن للإعلام أن يحدث تغييرا مباشرا وانقساماً حاداً بين العناصر المسببة للأزمة عبر الرسائل التي يبثها، وبالتالي تفتيتها وتفريقها، مما يترتب عليه ضعف العناصر المسببة للأزمة وضعف الأزمة ذاتها فضلا عن أنه يستطيع تغيير اتجاهات الأفراد نحوها وتغيير مواقفهم كذلك وتوحيد الجماهير وضمان تعاونها في مواجهة الكارثة وتعبئة الجهود كافة لتحقيق ذلك التعاون، مما يترتب عليه توفير أكبر قدر ممكن من فرص النجاح في عملية مواجهة الأزمة.
وتعمل وسائل الإعلام أيضا على التصدي للأكاذيب والشائعات التي تنشر في الأزمات لطمأنه الجمهور وتقوم بمناقشة وتقييم وتحليل ما حدث للكشف عن الإيجابيات والسلبيات والدروس المستقاة من الأزمة وكيفية التعامل معها
. وهذا ما مر به المجتمع العربي ويمر به اليوم من أزمات على اختلاف مظاهرها وضروبها لذلك لابد من التصدي لها والوقوف بوجهها من قبل مؤسسات المجتمع عموما والمؤسسة الإعلامية على وجه الخصوص لما تمتلكه من مؤهلات لتلك المواجهة مما يضفي على الإعلام تمسكه بمفهومه وأيديولوجيته ووظيفته ومصداقيته وحيادتيه وعلى الصُعُد والمستويات كافة .
إن وسائل الإعلام كنظام اجتماعي تعمل على أهمية التماسك الاجتماعي للمجتمع وإيجاد السبل الكفيلة لإعادة بناء الوحدة بين أبنائه، وتوحيد صفوفهم وخلق رأي عام تجاه جميع القضايا التي تواجهه، فوسائل الإعلام سلسلة متكاملة ومترابطة من الجهود الرسمية والمجتمعية تبذل في المحافظة على سلامة المجتمع.
نخلص القول إلى أن ما تلعبه وسائل الإعلام إبان الأزمات وما يواجه المجتمع من ظروف استثنائية هو بمثابة توجيه للرأي العام تجاه الأزمة القائمة، سواء أكانت حقيقية أم مفتعلة فعلى صعيد الأزمات الخارجية يشكل الرأي العام ليكون داعماً ومؤازراً لسياسة الدولة والحكومة،
أما على الصعيد الأزمات الداخلية فيجب أن تتعامل وسائل الإعلام بما يتلاءم وحل الأزمة لا أن تزيد من تفاقمها، لاسيما إذا كانت هذه الأزمة تهدد كيان واستقرار النظام الاجتماعي برمته والذي بدوره قد ينعكس على تماسك المجتمع ووحدته الوطنية .
تلعب وسائل الإعلام دورا بارزا في حياة المجتمع المعاصر نظرا لما تتمتع به من قدرة فائقة في إيصال الخبر والمعلومة، فوسائل الإعلام كثيرا ما يعول عليها في إطار العملية السياسية والاجتماعية والثقافية لاسيما إذا ما أراد المجتمع تبني فكرة معينة ونشرها بين أوساطه إذ يتوقف نجاح تلك العملية على طبيعة المجتمع ذاته، حتى أصبحت المؤسسة الإعلامية إحدى مقومات البناء الاجتماعي للمجتمعات الديمقراطية الحديثة التي تسهم ليس فقط في إعلام الأفراد بكل ما يدور في مجتمعهم المحلي من أخبار وأحداث، وإنما بات لها دورها في نقل مجريات العالم إليهم حيث كانوا.
في خضم التطور البارز في الصناعة والتكنولوجيا ووسائل نقل المعلومات كالتلفاز والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية وشبكة الانترنت إذ أتاحت هذه الوسائل الفرصة للاتصال والتواصل بين أفراد المجتمع على نطاق واسع مما أدى بالنتيجة إلى تنوع أدوات ووسائل المؤسسة الإعلامية في الوقت الحاضر جعلت منها مساهما فاعلا وبقدر كبير في توجيه أفراد المجتمع نحو المادة الإعلامية نظرا لتأثيرها في نفوسهم( ).
ومنذ أن عرفت الإنسانية الصحيفة المطبوعة إذ تطورت هذه الأدوات من مقروءة إلى مسموعة ثم إلى مرئية حتى بات الاستغناء عنها أمراً مستحيلاً، فهي تقدم للمتلقي سواء أكان قارئاً أو مستمعاً أو متفرجاً باقة معلوماتية متكاملة تتنوع مكوناتها من تفاصيل الصراعات الدولية إلى أدق تفاصيل الطقس والمناخ، وتقدم في الوقت ذاته مادة فنية إبداعية وترفيهية ذات تأثير على قيم ومفاهيم أفراد المجتمع .
ونظرا لأهمية دور الإعلام في مواجهة الظواهر السلبية في المجتمع ومشكلاته بمختلف أنواعها فإننا نؤكد على هذا الدور في مواجهة ظاهرة العنف على اختلاف أنماطه ومستوياته، وذلك بإلقاء الضوء على النشأة والأسباب والعوامل والآثار والنتائج والتجارب السابقة محليا وإقليما وعالميا والتي نجحت في مواجهة هذه الظاهرة، فضلا عن ذلك يمكن للإعلام أن يساهم في استثارة الرأي العام وكسب تعاطفه مع القضية التي يعاني منها المجتمع، إلى جانب الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في تقديم المعلومات والحقائق والجوانب الخفية لهذه الظاهرة بما يساعد كل من واضعي السياسات والبرامج والمسؤولين عن تشريع القوانين الخاصة بهذه الظاهرة سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
لقد ساهمت المؤسسة الإعلامية في العديد من البرامج التثقيفية والتوعوية، اجتماعية كانت أم دينية في زيادة وعي أفراد المجتمع تجاه ظاهرة العنف التي استشرت فيه نتيجة عوامل داخلية تكمن في البناء الاجتماعي العام، وأخرى خارجية، مما يزيد من إكسابهم بعض المهارات الوقائية والتدابير الاحترازية بكيفية كف العنف الممارس ضد الأفراد وكذلك تمكينهم من إجراء بعض المعالجات بأساليب التصرف المناسبة ونشر روح التسامح والإخوة بين أفراد المجتمع الواحد وإتاحة الفرصة للحوار وقبول الآخر على أساس المبادئ الإسلامية والإنسانية.
والسؤال الذي يُطرح هنا هو إلى أي مدى تساهم المؤسسة الإعلامية في نشر ثقافة التسامح واللاعنف بين أفراد المجتمع، وإلى أي مدى تخدم وسائل الإعلام المجتمع ومن جهة أخرى إلى أي مدى يؤثر المجتمع في المؤسسة الإعلامية ووسائلها المختلفة ويجعلها أدوات في خدمة المجتمع و للمراقبة والنقد والاستقصاء، وقوى تضمن التوازن داخل الأنظمة الاجتماعية السياسية والاقتصادية في المجتمع.
ومن هنا نتساءل عن ماهية الدور الذي تلعبه المؤسسة الإعلامية في المجتمعات فيما يتعلق بنشر ثقافة التسامح والحوار وثقافة الديمقراطية والوعي السياسي وحقوق الإنسان وثقافة والاختلاف والتعددية والتنوع، إذ يتضح ذلك في العلاقة الجدلية بين المجتمع ووسائل الإعلام إذ أن المجتمع عموما والمجتمع المدني خصوصا يتأثر بوسائل الإعلام ويؤثر فيها والعكس صحيح. في ظل التحديات والظروف الاستثنائية التي تحيط بالمجتمع العراقي والمؤامرات التي تحاك ضده تلقي مسؤولية جسيمة على عاتق وسائل الإعلام العراقية تحديدا من عدة نواح :
1. أن تقدم المضمون الثقافي والفكري الذي يهدف لنشر ثقافة التسامح وترسيخها والوسطية التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف .
2. التقليل من عناصر الاختلاف في هذه الثقافة التي أذكتها عوامل متعددة داخلية وخارجية أحدثت خللا في التركيب الثقافي لدى أبناء المجتمع .
3. التقليل من وجود الثقافات الفرعية ونمها لأننا نجد اليوم أن الثقافة الأم قد فُتِّت إلى عدد لا حصر له من الثقافات وهذا ما يعرف بالتفكك الثقافي الأمر الذي يفقد النظام الاجتماعي أصالته ووحدته .
فكلما كان المجتمع المدني قوياً وفعالاً ومشاركاً في مجريات الأحداث في محيطه كلما فتح المجال واسعا أمام وسائل الإعلام لتغطية هذه الفعاليات والأحداث لتكون المؤسسات الإعلامية في المجتمع منبراً للحوار والنقاش من أجل القرار السليم والحكم الرشيد. ولقد ساهم انتشار العولمة وثورة المعلومات والاتصالات والمجتمع الرقمي وانتشار الانترنت وانتشار التعليم وتوفر المعلومة والوصول إليها بسهولة في بلورة ونضج فكرة المجتمع المدني في الوطن العربي.
وهذا الكيان المسمى بالمجتمع الذي يتكون من مختلف التنظيمات والفعاليات داخل المجتمع يهدف إلى تقاسم السلطة مع الدولة انطلاقا من مبدأ أن عهد الدولة المتسلطة والدكتاتورية والطاغية قد ولى، ومن هنا يتمثل دور المجتمع في خلق توازن بين القوى الاجتماعية، ويعمل المجتمع أيضا على إفراز فضاء مستقل منتج لقيم العدالة والمساواة والحرية. فالمجتمع المدني هو فضاء للحرية، يتكون من شبكة العلاقات التي تقوم على الاختيار والاقتناع والحرية، حيث أنه يمنح الأفراد قدرة على النشاط الطوعي الحر.
فنشر ثقافة التسامح بحاجة إلى مؤسسات إعلامية ووسائل اتصال تؤمن بالمجتمع وتؤمن بالمثقف العضوي وبالقيم المجتمعية الأصيلة، فالمشرف على المؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال يجب أن يؤمنا بفكرة ومفهوم التسامح وبالثقافة المدنية وبرسالة يعملان من أجل تحقيقها لصالح المجتمع بأسره وليس السعي وراء الإعلانات والربح السريع أو العمل لمصلحة أصحاب النفوذ السياسي والمالي في المجتمع .
والمؤسسات الإعلامية هي الأدوات التي تنمي الثقافة المدنية وتعمل على نشرها وتقويتها والتصدي لثقافة العنف والتطرف والإقصاء والفردية والمادية ورفض الآخر. فوسائل الاتصال الجماهيري هي الحليف الاستراتيجي للمجتمع المدني وهي الوسيلة الفعالة والأداة الضرورية لتحقيق مبادئه وقيمه في المجتمع. فمضمون وسائل الاتصال الجماهيري هو الغذاء الروحي والفكري والعقلي للثقافة المدنية المبنية على التعايش السلمي مع الآخر، وأداء هذه المؤسسات في المجتمع يعد سلوكا مدنيا يدعم المجتمع وثقافته. فالمجتمع المدني في نهاية المطاف هو وعي وثقافة وقيم ومبادئ تترجم إلى سلوك وعمل يومي يؤمن بروح الجماعة والمصلحة العامة.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان