يعتبر الرأي العام قوة ذات أثر كبير في حياة الناس اليومية.. فهو الذي يبني الشهرة ويهدمها. ويؤازر هيئات الخدمة العامة ويضع القوانين ويلغيها، كما هو الذي يرعى التقاليد الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية أو يتنكر لها، وينفخ في الروح المعنوية أو يُثبّطها. وليس غريباً أن يوصف بأنه أكبر قوة عرفها البشر طوال تاريخهم الطويل،
وأنه يمثل الإرادة الواحدة للجماعة الإنسانية. ويمثّل أيضا القوة المعنوية التي تتحقق بها الأهداف المشتركة لكل جماعة منها. وإذا تحولت هذه القوة المعنوية إلى قوةٍ ماديةٍ في ظروف معينة، أصبحت كالطوفان، واكتسحت أمامها كل شيء ولم تبالِ بأي شيء. وكون الرأي العام نتاج جمعي، فهو ييسّر تنسيق العمل الذي لا يشترط أن يقوم على الإجماع، أي أن الرأي العام يتجه دائما نحو اتخاذ قرار رغم أنه لا يتسم بالإجماع. تؤثر عدة عوامل على الموقف الذي يمكن أن يتخذه الجمهور إزاء المسائل العامة. وتلعب القيم والميول دورًا كبيرًا في تشكيل آراء الناس.
لوسائل الإعلام أدوار عديدة في المجتمع منها ما هو اجتماعي وما هو سياسي، ويتمثل دورها الاجتماعي في دورها التربوي حيث تقوم بدور التعليم والتثقيف والتوعية، بما تمثله من قوة هامة وفعالة ومؤثرة في شبكة العلاقات المجتمعية الحديثة. وأما عن دورها في التأثير على صناعة القرار فوسائل الإعلام يمكن إن يكون لها دور في مرحلة ما قبل القرار؛ يتمثل في دفع صانع القرار نحو إصدار قرارات معينة.
أو يكون دورها أثناء صنع القرار واختيار البديل، وهي هنا تقدم بدائل مختلفة وتقوم بشـرح وتفسير ومميزات كل بديل.
وفي ظل هذا التطور الكبير، تحولت الشبكات الاجتماعية من مجرد وسيلة لنقل الخبر أو التعليق عليه إلى وسيلة لها دور في معالجته وإثارة ردود الأفعال حوله وانتشاره، حتى بات في بعض الأحيان نقل الأخبار من مواقع السوشيال ميديا مثل «الفيسبوك» وتويتا» و«إنستغرام» إلى وسائل الإعلام التقليدية لطرحها على طاولة النقاش التلفزيوني أو الإذاعي أو نشرها في الصحف الورقية، وهذا قد زاد من حجم تأثيرها وانتشارها وفتح أبواب جديدة، وأصبح كل فرد في المجتمع قادرا على صناعة رأي عام جديد وتوجه آخر للمجتمع من خلال تحرير أفكاره وآرائه ومعلوماته عبر الشبكات السوشيالية.
وفي السياق نفسه، أصبح للشبكات الرقمية-السوشيالية دور في التعبير عن الاتجاهات والأفكار في المجتمعات العربية والغربية على حد سواء، في ظل حوار وتفاعل إلكتروني تكون ركيزته بين الفرد والجماهير في المجتمع ومع النخبة فيه، حيث لم تعد الأخيرة تمارس دورها التقليدي في صياغة الرأي العام وتشكيله بعد التطور المشهود لمنصات الإعلام الاجتماعي اليوم وقنوات ومواقع السوشيال ميديا المكتظة بالزوار والمدونين والباحثين والمفكرين وغيرهم من شرائح المجتمع، فإن سيطرة الفرد على الشبكات الاجتماعية التي أتاحت له إمكانية صياغة الرأي العام والتعبير عنه بمنطلق الحرية وكفلته له كحق من حقوقه اليوم في عصر الثورة التكنولوجية والعولمة الرقمية، جعلت هذه المنصات الاجتماعية قنوات إعلامية جديدة جاذبة للنشطاء الاجتماعين بالأخص بعد أن زادت أعداد المستخدمين لها وكبر حجم القضايا المطروح على منصاتها؛ فعلى سبيل المثال بعد اندلاع ثورة 25 يناير في جمهورية مصر العربية التي كانت انطلاقتها من صفحات الشباب على موقع «الفيسبوك» وصل عدد مستخدمي الإنترنت في مصر إلى 35 مليون مستخدم و9 ملايين متصل بشبكات الإعلام الاجتماعية «السوشيال ميديا»، فكل ذلك وصفه خبراء الإعلام الاجتماعي اليوم «بمراحل تكوين وتطوير الرأي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي».
يقوم الإعلام بدور جوهري بارز في تكوين الرأي العام من خلال أجهزته العديدة المؤثرة مثل الصحافة والإذاعة والتليفزيون والسينما والمسرح والكتب ومواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر من أهم وسائل الاتصال بالجماهير.
إن هذه الوسائل المؤثرة تعمل متضافرة، وفي اتساق وتكامل على تكوين رأي عام في مختلف الموضوعات والظروف والأوضاع والمشاكل التي تطرح نفسها على الأذهان والتي تتعلق بمختلف النواحي السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية
أحدثت التطورات التكنولوجية الحديثة في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي, نقلة نوعية وثورة حقيقية في عالم الاتصال, حيث انتشرت شبكة الإنترنت في كافة أرجاء المعمورة, وربطت أجزاء هذا العالم المترامية بفضائها الواسع, ومهدت الطريق لكافة المجتمعات للتقارب والتعارف وتبادل الآراء والأفكار والرغبات, واستفاد كل متصفح لهذه الشبكة من الوسائط المتعددة المتاحة فيها, وأصبحت أفضل وسيلة لتحقيق التواصل بين الأفراد والجماعات, ثم ظهرت المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية وشبكات المحادثة, التي غيرت مضمون وشكل الإعلام الحديث, وخلقت نوعاً من التواصل بين أصحابها ومستخدميها من جهة, وبين المستخدمين أنفسهم من جهة أخرى.
وهذه المواقع هي عبارة عن صفحات ويب على شبكة الإنترنت, يخصص بعضها للإعلان عن السلع والخدمات أو لبيع المنتجات, والبعض الآخر عبارة عن صحيفة إلكترونية تتوفر فيها للكتاب إمكانية للنشر, وللزوار كتابة الردود على المواضيع المنشورة فيها, وفرصة للنقاش بين المتصفحين, وكذلك مواقع للمحادثة (الدردشة), وهناك المدونات الشخصية التي يجعلونها أصحابها كمحفظة خاصة يدونون فيها يومياتهم, ويضعون صورهم ويسجلون فيها خواطرهم واهتماماتهم.
ومن هذه المواقع محركات البحث وبوابات ويب ومراجع حرة والمدونات ومواقع الصحف والمجلات ومواقع الصحف الإلكترونية ومواقع القنوات الفضائية ومواقع اليوتوب حتى ظهرت شبكات التواصل الإجتماعية مثل: (الفيس بوك – تويتر – ماي سبيس – لايف بوون – هاي فايف – أوركت – تاجد – ليكند إن – يوتيوب وغيرها), التي أتاح البعض منها مثل: (الفيس بوك) تبادل مقاطع الفيديو والصور ومشاركة الملفات وإجراء المحادثات الفورية, والتواصل والتفاعل المباشر بين جمهور المتلقين. ويسجل لهذه الشبكات كسر احتكار المعلومة, كما إنها شكلت عامل ضغط على الحكومات والمسؤولين, ومن هنا بدأت تتجمع وتتحاور بعض التكتلات والأفراد داخل هذه الشبكات, تحمل أفكاراً ورؤى مختلفة, متقاربة أو موحدة أحياناً, مما أثرت هذه الحوارات على تلك الشبكات وزادتها غنى, وجعلت من الصعب جداً على الرقابة الوصول إليها, أو السيطرة عليها, أو لجمها في حدود معينة.
تعتبر مواقع التواصل الاجتماعية هي الأكثر انتشاراً على شبكة الإنترنت, لما تمتلكه من خصائص تميزها عن المواقع الإلكترونية, مما شجع متصفحي الإنترنت من كافة أنحاء العالم على الإقبال المتزايد عليها, في الوقت الذي تراجع فيه الإقبال على المواقع الإلكترونية, وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي تتعرض لها الشبكات الاجتماعية على الدوام وخصوصاً موقع (الفيس بوك),
والتي تتهمه تلك الانتقادات بالتأثير السلبي والمباشر على المجتمع الأسري, والمساهمة في انفراط عقده وانهياره, فإن هناك من يرى فيه وسيلة مهمة للتنامي والالتحام بين المجتمعات, وتقريب المفاهيم والرؤى مع الآخر, والاطلاع والتعرف على ثقافات الشعوب المختلفة, إضافة لدوره الفاعل والمتميز كوسيلة اتصال ناجعة في الهبات والانتفاضات الجماهيرية.
والرأي العام قد يكون أداة ضغط وتحشيد، له إمكانية رص الصفوف وتوجيهها وجهة معينة. وهو بذلك يفرض شراكته فرضاً في وضع وتوجيه الأنظمة والسياسات والقوانين في المجتمع.
وقد كان للرأي العام في عصور النهضة الإسلامية دور حيوي في مناحي الحياة الإسلامية.
وفي أوروبا شكل الصراع بين سلطتين، هما سلطة الكنيسة وسلطة النظام السياسي في العصور الوسطى، مدخلا رئيسيا لظهور وتبلور الرأي العام، هو الذي ظهر بصفة أكثر خصوصية وتحديداً إبان الثورة الفرنسية، وإن كان له امتدادات في الحضارات الإنسانية الأولى. وللرأي العام في العصر الحديث، وبالأخص مع تطور التكنولوجيا غير المسبوق قوة كبيرة في المجتمع الدولي، لا سيما على خلفية الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها العالم الآن، مع الأخذ في الاعتبار أوضاع العالم العربي والإسلامي. هل ما يدور في وسائل الإعلام الجديد هو الرأي العام؟ ربما كان جزء لا يستهان به من هذه المنابر هو كذلك.
لكن الأهمية الكبرى تكمن في معرفة من هم الموجهون، ومن هم المؤثرون الذين يسعون إلى صرف الجماهير نحو صورة معينة صحيحة كانت أم غائمة، مؤدلجة كانت أم عفوية؟ حينها تتابع النخب السياسية هذه التوجهات، تدرسها، وتأخذها في عين الاعتبار في تقييم الرأي العام والاستجابة له.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان