وفقنا الله في المقال السابق للكتابة عن عبادة التفكر التي يغفل عنها الكثير من الناس رغم أنها أشرف العبادات لأنها من عبادة القلب والعقل التي قدمها كثير من العلماء على عبادة الجوارح . ولا أخفي عليكم أعزائي القراء أنني شخصيا إستفدت من المقال وبدأت أخصص وقتا للتأمل والقراءة والبحث في مخلوقات الله لأستزيد معرفة بقدرة الخالق.
صحيح أن الله وفقني للكتابة من قبل عن عجائب بعض مخلوقات الله فكتبت مقالا عن الغراب بعنوان (المعلم الأول للبشرية ) لأنه علم قابيل كيف يواري جثة اخيه هابيل بعد ان قتله ظلما وعدوانا ، وكيف أن الغربان يجتمعون حول الغراب القتيل ليس للنواح عليه كما يفعل البشر ، ولكن ليعوفوا سبب موته ليتفادوه. وكتبت مقالا اخر عن النمل بعنوان ( مسئولية نملة ) اتحدث فيه عن حرص النملة عن تحذير قومها من جيش سليمان حتى لا يدوسهم ، وشجاعتها في مواجهة أعظم قائد في عصره ، رغم أنها نملة عادية وليست قائدة ولكنها بروح المسئولية استشعرت الخطر وحذرت قومها . وكتبت مقالا ثالثا عن الهدهد بعنوان ( الهدهد والنبأ اليقين ) أتحدث فيه عن مبادرة الهدهد للحصول على خبر يقين لقائده سليمان مما تسبب في اسلام مملكة بأكملها. واستعرضت كيف انه بادر للقيام بواجبه دون انتظار تكليف .واعترف انني كتبت تلك المقالات بهدف توجيه رسائل للبشر ليتعلموا من مخلوقات الله كيف يقومون بواجباتهم . ولم يكن الهدف للتدبر والتفكر.
ولكن البحث والقراءة التي سبقت كتابة مقالي الأسبوع الماضي عن عبادة التفكر أثرت في طريقة تفكيري ودفعتني للتركيز أكثر في ممارسة عبادة الفكر والكتابة عنها والبحث فيها . وفي طريق البحث عثرت على كنز معرفي وهو كتاب ( آيات الله في الإنسان) لمؤلفه الدكتور محمد راتب النابلسي. فهو كتاب ملئ بدرر عظيمة ومتأكد أن غالبتنا لم يطلع أو يسمع عنها من قبل . وسوف أعرض لكم بعضا من السطور القيمة والتي كتبها تحت عنوان آية الله ومعجزته في ( ثبات خلايا الدماغ) فكتب يقول :
” إن ثبات شخصية الإنسان نعمة لاتقدر بثمن ، وقلَّ من ينتبه إليها وذلك بسبب ثبات خلايا الدماغ على عكس بقية خلايا الجسم التي تتغير . ذلك أن خلايا الجسم ، الخلايا العظمية ، والنسج ، والعضلات ، والأجهزة حتى الشعر ، وأية خلية في الجسم تتبدل من خمس إلى سبع سنوات، فأنت بعد سبع سنوات إنسان آخر ، ليس في جسمك خلية واحدة قديمة ، فعظمك يتبدل ، وشعرك يتبدل ، وأقصر عمر خلية في جسم الإنسان خلية بطانة الأمعاء ، الزغابات تتبدل كل ثمان وأربعين ساعة ، أي كل ثمان وأربعين ساعة هناك زغابات جديدة . وأطول هذه الخلايا تعيش سبع سنوات ، أو خمس سنوات ، معنى ذلك أنك تتبدل تبدلاً جذرياً كل سبع سنين على أرجح الأقوال .فإذا تبدل دماغك نسيت اختصاصك ، ونسيت حرفتك ، ونسيت معارفك ، ونسيت أولادك ، ونسيت خبراتك ، ونسيت ذكرياتك ، ونسيت سبب رزقك ، ولا تعرف من هي زوجتك ، ولا من هم أولادك ، فلحكمة بالغةٍ لا تتبدل خلايا الدماغ ، لأنها لو تبدلت لكانت مصيبة كبرى ، ويقول الإنسان عندها : والله كنت طبيباً ففقدت اختصاصي ، وكنت مهندساً ، وكنت خطيباً، كنت تاجراً ، لو أن هذا التبدّل يقع في الدماغ لذهبت شخصية الإنسان .
وتحت عنوان ( القشرة المخية ) كتب يقول : في الدماغ شيء يسمى القشرة المخية ، سميت كذلك لأنها قشرة فعلاً لا يزيد سمكها على مليمترين ، هذه القشرة المخية فيها 14 مليار خليّة ، مرتبّة في ست طبقات متوالية ، لا يزيد وزنها الكلّي على مئة غرام ، تبدو معرّجة نتيجة ترتيبها على هذا الشكل ، حيث تسمى التلافيف ، من أجل أن تقلَّ المساحات .
ممّا يلفت النظر أن في هذه القشرة أليافاً عصبيّة يزيد طولها على ألف كيلو متر !!! هذه الطبقة الرقيقة جدا ًتتحكم في أخطر الوظائف ، بل تحدد سلوك الفرد وميوله، وتعينه على النطق والبيان ، وتعينه على التعلم ، والحفظ، والتذكر ، والإبداع ، و الاختراع ،والتدبير ، وتعينه على الإحساس ، والتحرك ، والسمع ، والبصر.
هناك نعم لا تعد ولا تحصى ، نحن عنها غافلون ، قال الله تعالى في سورة يوسف : ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾.
Aboalaa_n@yahoo.com