كما هو الشأن فى فترات الانتقال وما يسودها من اضطراب وقلق وفوضى ، فقد تواجدت الحركات ، وارتفعت الصيحات المتطرفة : ( وليس يدخل فيها بطبيعة الحال الحركات الوحشية الإجرامية ) . وإنما أعنى بالتطرف : هذا الذى لا يزال يصدر من أشخاص لا شك فى إيمانهم وتدينهم ورغبتهم المؤكدة فى الإصلاح والخير كبعض خطباء المساجد الذين تتسارع الألوف لسماع خطبهم ، وبعض الكتاب المسلمين الذين تتأثر الناس بكتاباتهم ، وملايين الشباب فى العالم الإسلامى الذين أصبحوا متعطشين لرفعة الإسلام . فلهؤلاء وهؤلاء أقول إن أمر الله صريح وواضح لكل من كان يؤمن بالإسلام والقرآن : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) . ويحسب أى أنسان يتصور نفسه أنه داع إلى سبيل الله كى يعطى نفسه الحق فى أن يقول ما يشاء ، ويجرح من يشاء ، ويسب من يشاء ، فضلا عن أن يفعل ما يشاء ، فكل هذا انحراف بل خروج صريح عن أمر الله الذى طلب أن تكون الدعوة إلى سبيله . أولاً : بالحكمة ، ويجب أن نقف طويلا أمام ( بالحكمة ) فهى تعنى أول ما تعنى فهم الظروف والملابسات التى تحيق بالمجتمع ، وما ينفعه ويفيده فى ظرف معين ، أو يضره .. فهذا هو الله سبحانه وتعالى القادر على كل شىء والقادر على أن يصعق فرعون : ( وقد أغرقه فيما بعد ) ، ولكن لأن الله يريد أن يعلمنا ( الحكمة ) فى الدعوة إلى سبيله ، أمر سيدنا موسى بأن يكون قوله ( لينـا ) .. فعندما يتصور كائن من كان أن الإغلاظ فى القول فضلا عن السب والشتم هو فى سبيل الدعوة إلى الله فهو إما جاهل بالإسلام والقرآن ، وإما خارج عن تعاليم الدين لغرض فى نفس يعقوب . واشترط أن يكون الوعظ حسناً تتفتح له القلوب ، وهنا يقع كثير من الدعاة فى الوهم بأن بحسبهم تفتح قلوب المؤيدين ، ولكن هؤلاء ( بداهة ) ليسوا هم المحتاجين للموعظة ، وإنما يحتاجها المخالفون ، فعندما يشترط القرآن الكريم حسن الموعظة فهو يشترطها بالنسبة للمخالفين : ( وجادلهم بالتى هى أحسن ) .. والجدال لا يكون إلا بين المتخالفين فنص القرآن الكريم على وجوب الإحسان فى الجدل . فعلى كل عامل فى حقل الدعوة الإسلامية إذا أراد أن يكون نافعاً حقاً ، أن يقدم بسلوكه الشخصى القدوة لكل من حوله .. فالناس تنقاد لصاحب السير الحميد بأكثر من أى شىء آخر .. وفى هذه الأيام التى اختلط فيها الحابل بالنابل ، واشتدت عوامل السخط العام والتذمر والقلق ، ثمة شعاع من الضوء يسطع وسط هذه الظلمات الحالكة ، ألا وهو تمسك الجماهير بالإسلام ، وإيمانها بأنه حبل النجاة ، فارتفعت الأصوات من أعلى ومن الأجيال الصاعدة بوجوب أن يحكم المجتمع بالشريعة الإسلامية .
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com