يتزايد استهلاك المياه في مصر بسبب ارتفاع أعداد السكان وتحسّن مستوى المعيشة، فضلاً عن سياسة الحكومة المتمثلة في تشجيع التصنيع وتوسيع قطاع الزراعة.
يبلغ حجم الموارد المائية المتاحة حالياً 55,5 مليار متر مكعب/ السنة من نهر النيل، و1,3 مليار متر مكعب/ السنة من الهطول المطري الفعلي في الأجزاء الشمالية لدلتا النيل، و2 مليار متر مكعب/ السنة من المياه الجوفية غير المتجددة من الصحراء الغربية وسيناء- أي ما مجموعه 58,8 مليار متر مكعب/ السنة- في حين تبلغ احتياجات المياه للقطاعات المختلفة 79,5 مليار متر مكعب/ السنة.
وبالتالي، تبلغ الفجوة بين العرض والطلب حوالي 20 مليار متر مكعب/ السنة. ويتم سد هذه الفجوة من خلال معالجة المياه. تبلغ الكفاءة الكلية لنظام النيل في مصر حوالي 80%.
وتستخدم الكثير من المياه في مصر عدة مرات في رحلتها عبر البلاد. تلوح في الأفق أي علامة لحل النزاع الطويل بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية يجري بناؤه على نهر النيل.
وقد اشتكت كل من الخرطوم والقاهرة من أن أديس أبابا تتصرف من جانب واحد للعام الثاني على التوالي، إذ بدأت ملء الخزان خلف سد النهضة الإثيوبي. ومصر، التي تعتمد تقريباً بشكل كامل على نهر النيل لإمدادها بالمياه، ترى في الأمر مشكلة وجودية. وتعطلت في العام الماضي، إمدادات المياه في السودان بسبب ملء السد، بينما ترى إثيوبيا أنه وسيلة لتوصيل الكهرباء إلى ملايين الإثيوبيين.
إن سحوبات المياه لكل قطاع هي كالآتي:
الزراعة: يستهلك القطاع الزراعي أكبر حصة من المياه، والتي تمثل أكثر من 85% من حصة مصر من مياه النيل. وعلى الرغم من أن البلاد فقدت بعض أراضيها الخصبة بسبب التحضر، إلا أنه تمت موازنة ذلك من خلال التوسع في المناطق الزراعية في الصحراء.
وقد قُدر إجمالي الأراضي المزروعة بـ3,8 مليون هكتار في 2015/2016. تعتبر الزراعة ضرورية للاقتصاد؛ حيث تمثل قيمتها المضافة 14,5% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2016، بلغ الدخل الزراعي 256,9 مليار جنيه مصري. كما يوظف القطاع 29,6% من السكان العاملين، ويمثل ما نسبته 11% من جميع الصادرات. وبسبب نقص المياه، اتخذت الحكومة تدابيراً في يناير 2018 للحد من زراعة المحاصيل كثيفة استهلاك المياه مثل الأرز. احتياجات مياه البلدية: وقد قدرت هذه بـ10 مليار متر مكعب/ السنة في عام 2013. يعتمد حوالي 97% من سكان المناطق الحضرية و 70% من سكان الريف على إمدادات المياه من خطوط الأنابيب. ويتم تلبية احتياجات مياه البلديات من خلال مصدرين: المياه السطحية، والتي توفر حوالي 83% من إجمالي مياه البلدية، والمياه الجوفية، والتي توفر الـ17% المتبقية.
القطاع الصناعي: قدرت وزارة الموارد المائية والري احتياجات القطاع الصناعي من المياه بـ5,4 مليار متر مكعب/ السنة في عام 2017.
السياحة: تعتبر السياحة في مصر من الأنشطة المستهلكة للمياه بسبب الحاجة إلى ري ملاعب الجولف، وملء أحواض السباحة، والنوافير والبحيرات الصناعية، وإمداد الفنادق بالمياه، وما إلى ذلك. وإذا ما تحققت خطط الحكومة لجذب 20 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2020، فسيكون قطاع السياحة أحد المستهلكين الرئيسيين للمياه.
الملاحة: يتم استخدام نهر النيل وجزء من شبكة الري للملاحة. إن السياسة الحالية هي أنه لا يوجد صرف حصري للمياه للملاحة. ومع ذلك، فإن هناك حد أدنى مضمون لصرف المياه (75 مليون متر مكعب/ الساعة) من سد أسوان العالي، وهو مطلوب أيضاً لاستهلاك مياه الشرب على طول نهر النيل.
استهلاك المياه المتوقع
تهدف الخطة الوطنية للموارد المائية التابعة لوزارة الموارد المائية والري لعام 2037 إلى حماية الموارد المائية المتاحة، والتي تشمل حصتها من مياه النيل والمياه الجوفية والموارد غير التقليدية والمياه الزراعية. وتتضمن الخطة الوطنية للموارد المائية هدفاً للحد من استهلاك المياه الزراعية والصناعية والمنزلية إلى 80% من الاستهلاك الحالي.
كما تلخص الخطة إجراءات واضحة للتعامل مع التحديات الحالية والمستقبلية في قطاع المياه من خلال تنفيذ برامج لتحلية المياه في المناطق الساحلية، والري الحديث، وإعادة استخدام المياه، وحصاد المياه في مناطق أخرى غير وادي النيل. وتقوم الخطة على أربع ركائز رئيسية: خلق بيئة مواتية، وتطوير الموارد المائية، وتحسين جودة المياه وترشيد استهلاك المياه.
استخدام المياه في الزراعة وتطوير الري
تعتبر الزراعة مستهلكاً رئيسياً للمياه، وذلك المناخ الجاف يعني أن جميع الأراضي الزراعية تقريباً تعتمد على الري. وعلى الرغم من اعتماد مصر على الواردات لتوفير الغذاء الكافي لسكانها الذين تشهد أعدادهم تزايداً منذ عدة عقود، إلا أن الزراعة تظل واحدةً من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية. فقد ارتبطت الزراعة ونهر النيل بمصر منذ العصور القديمة، ولا تزال العلاقة بينهما قويةً جداً; فوفرة ضوء الشمس على مدار السنة والتربة الخصبة بالقرب وادي النيل والدلتا تدعمان زراعة محاصيل مثل الأرز والقمح والذرة والسكر والبصل والتبغ.
تتكون الأراضي الزراعية من أراضٍ قديمة في وادي ودلتا النيل، والمناطق البعلية، والعديد من الواحات، والأراضي الجديدة المستصلحة من الصحراء منذ عام 1952.وقد بلغ إجمالي المساحة المزروعة 3,8 مليون هكتار في عام 2013، أي حوالي 4% من إجمالي مساحة الأراضي في البلاد. وإن لدى مصر تاريخٌ طويل فيما يتعلق بالري، لا سيما على طول ضفاف نهر النيل. وتتألف البنية التحتية الأولى للري من السدود والقنوات لتحويل مسار مياه النيل إلى أحواض وتوسيع المناطق المروية. وتهدف خطط تطوير الري الحالية إلى زيادة المساحة المروية وتحسين كفاءة استهلاك المياه.
تواجه مصر منذ سنوات مشكلة نقص المياه في أوقات عدة من السنة حتى قبل البدء بملء سد النهضة الإثيوبي. ويزيد من النقص الطلب المتزايد على المياه بشكل أسرع من تعزيز مصادر توفيرها. ويقف وراء هذا الطلب عوامل من أبرزها الزراعة ومشاريع توسيع رقعة الأراضي الزراعية، وزيادة عدد السكان وبناء مدن جديدة الأمر الذي يعني الحاجة للمزيد من مياه الشرب والاستهلاك المنزلي.
ويزيد الطين بلة تراجع كميات المياه المتوفرة في مواسم الجفاف بسبب قلة الأمطار. واليوم ومقابل هذا الوضع تصر أديس أبابا بشكل منفرد على ملء السد قبل الاتفاق مع القاهرة والخرطوم على جدول زمني ينظم القيام بذلك دون إلحاق أضرار كبيرة بالاقتصادين المصري والسوداني. ومع هذا الإصرار الإثيوبي تزداد الخشية من عجز مائي متزايد في السنوات القليلة المقبلة مع ما يجره من عجوزات كثيرة أخطرها العجز الغذائي. وحسب مصادر المؤسسة الألمانية للتجارة والاستثمار تريد أديس أبابا تقليص حصة مصر السنوية من 55.5 إلى 35 مليار متر مكعب من مياه النيل. ويتضح حجم المشكلة من واقع اعتماد المصريين هذه المياه بنسبة تزيد على 90 بالمائة.
غير أن الأخطر من ذلك حقيقة أن مياه النيل الأزرق التي بُني عليه سد النهضة الإثيوبي تشكل 70 بالمائة منها. وهكذا فإن التحكم بمياه النهر بشكل يؤدي إلى حجزها يشكل خطرا وجوديا على مصر التي تدين بوجودها له منذ الأزل.
يشكل نجاح تجربة الأرز الجاف رغم محدودية الأراضي التي شملتها علامة فارقة كونه يفسح المجال ويعزز فرص تحويل مجمل القطاع الزراعي إلى زراعات توفر المياه وتستخدم طرق الري الحديثة الموفرة للمياه. ويكتسب هذه الأمر أهمية خاصة إذا عرفنا أن القطاع الزراعي المصري يستهلك لوحده نحو 80 بالمائة مجمل استهلاك مصر السنوي من المياه حاليا، حسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية/ الفاو.
غير أن النجاح في تعميم الزراعات الموفرة للمياه واستثمار أموال كبيرة في مشاريع مائية جديدة لن يوفر البديل عن الفقدان السنوي لقسم كبير من مياه النيل، لاسيما وأن شبكات المياه لا تغطي سوى 35 بالمائة من الريف المصري حتى الآن.
وما يزال استهلاك الفرد المصري من المياه دون المعدلات العالمية الضرورية. كما أن التوسع العمراني والنمو الاقتصادي يتطلب كميات إضافية من المياه لا يمكن لمشاريع إعادة التدوير والمياه الجوفية سدها على المدى الطويل. وهنا يبقى السؤال الأهم ألا وهو، ما العمل لدفع مفاوضات سد النهضة المتوقفة إلى الأمام؟
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان