حق الالتجاء إلي القضاء من الحقوق الطبيعية والأساسية للإنسان، فيحظر على الشخص اقتضاء حقه بنفسه ، لذا تنظيم الدولة السبل والضوابط الشرعية للتقاضي، ووسيلتها في ذلك السلطة القضائية يعتبر القضاء هو حامي الحقوق والحريات وهو الذي يعيد الحقوق إلى من انتهكت عليهم ويردع ويعاقب من انتهاك تلك الحقوق ونصت على الحق في التقاضي المواثيق والقوانين الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص صراحة على حق الإنسان في التقاضي وكذلك نصت عليه جميع القوانين الوطنية
. لذلك يعتبر القضاء ملاذ المظلومين وملجأ المحرومين المنتهكة حقوقهم وفي الغالب تكون هذه الفئة ضعيفة و لا تستطيع مواجهة خصومهم الذين يكونوا نافذين وأقوياء لذلك نصت القوانين المنظمة لإجراءات التقاضي على ضمانات وحقوق تضمن للجميع اللجوء للقضاء وفقا لإجراءات شفافة وسهله ومبسطة يستطيع الجميع سلوكها وتضمن عدم اختلال الإجراءات أو انحرافها .
فحق التقاضي حق أصيل لا يجوز المساس به أبدا، تقره الدولة وتحميه لا تمنحه ، ومؤدي هذا الحق أن لكل شخص في الدولة حق اللجوء إلى القضاء والمطالبة أمامه بالحماية القانونية برد الاعتداء علي حقوقه و الانتصاف لنفسه، ولا يقتصر هذا الحق علي تقرير الدولة لحق الشخص في اللجوء إلي القضاء فحسب، وإنما يقتضي الأمر أن يتوافر له مقومات وأدوات الحصول علي الحق،
ومن مقتضيات ذلك كفالة حق المتقاضي في الدفاع، وسرعة وتبسيط إجراءات الفصل في الدعاوي، وتقريب جهات القضاء، وتقرير استعمالة لسبل الحماية بدءا من الدعوي حتي إجراءات تنفيذ الحصول علي الحق بمقتضي الحكم الصادر له وكان حق التقاضي لا تكتمل مقوماته أو يبلغ غايته ما لم توفر الدولة للخصومة في نهاية مطافها حلا منصفا يمثل التسوية التي يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التي يسعى إليها لمواجهة الإخلال بالحقوق التي يدعيها،
فإن هذه الترضية – وبافتراض مشروعيتها واتساقها من أحكام الدستور – تندمج في الحق في التقاضي باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، ولارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة. ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، وإنما غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها وحكم القانون بشأنها. واندماج هذه الترضية في الحق في التقاضي، مؤداه أنها تعتبر من مكوناته، ولا سبيل إلى فصلها عنه، وإلا فقد هذا الحق مغزاه وآل سرابا.
وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة 68 منه من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته، هو حق للناس كافة لا يتمايزون فيما بينهم في مجال اللجوء إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعا عن مصالحهم الذاتية. وقد حرص الدستور على ضمان إعمال هذا الحق في محتواه المقرر دستوريا بما لا يجوز معه قصر مباشرته على فئة دون أخرى، أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، لضمان أن يكون النفاذ إليه حقا لكل من يلوذ به، غير مقيد في ذلك إلا بالقيود التي يقتضيها تنظيمه، والتي لا يجوز بحال أن تصل في مداها إلى حد مصادرته. وبذلك يكون الدستور قد كفل الحق في الدعوى لكل مواطن، وعزز هذا الحق بضماناته التي تحول دون الانتقاص منه، وأقامه أصلا للدفاع عن مصالحهم الذاتية وصونها من العدوان عليها،
وجعل المواطنين سواء في الارتكان إليه، بما مؤداه أن غلق أبوابه دون أحدهم إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس الإخلال بالحقوق التي يدعيها. وهي بعد حقوق تحركها مصلحته الشخصية المباشرة، ولا تحول دون طلبها الطبيعة العينية للدعوى الدستورية التي تقوم في جوهرها على مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحريا لتطابقها معها إعلاء للشرعية الدستورية، ذلك أن هذه العينية – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – لا تفيد لزوما التحلل في شأنها من شرط المصلحة الشخصية المباشرة، أو أن هذا الشرط يعتبر منفكا عنها غير مرتبط بها.
أكد الدستور المصري 2014 – مثل الدساتير السابقة – في المادتين 97 و 98 علي الحق في التقاضي إذ نصتا على أنه حق مصون ومكفول للكافة وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، وحظر المحاكم الاستثنائية
أن حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور مؤداه أن لكل خصومة، فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقاً لأحكام الدستور وهي لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائداً إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معاً، وذلك أن هاتين الضمانتين وقد فرضهما الدستور على ما تقدم، تعتبران قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقـوق، ومن ثم يلحق البطـلان كل تنظيم تشريعي للخصـومة القضـائية على خلافها
. أن ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات على اختلافها وفق المادة (٦۸) من الدستور على أن : – “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا. … ويكفل القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم”. تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أياً كانت طبيعتها جنائية أم مدنية أم إدارية أم تأديبية إذ أن التحقيق في هذا الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده لجهة أو هيئة قضـــائية منحها القــانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضي التي يندرج تحتها حق كل خصم في عرض دعواه وطرح أدلتها والرد على ما يعارضها في ضوء فرص يتكافأ فيها أطرافها، ويكون تشكليها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، محدداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة
أن الحق في التقاضي مكفول في البلاد للمواطنين أو غيرهم وبذات الضمانات اللازمة لإدارة العدالة إذ أوردت أن الالتزام الملقى على عاتق الدولة وفقاً لنص المادة 68 من الدستور يقتضيها أن توفر لكل فرد وطنياً كان أم أجنبياً نفـاذاً ميسراً إلى محاكمها بالإضافة إلى الحماية الواجبة للحقوق المقررة، بمراعاة الضمانات الأساسية لإدارة العدالة بصورة فعالة وفقاً لمستوياتها في الدول المتقدمة
أن الحق في التقاضي يستوجب تمكين كل متقاضي من النفاذ إلى القضاء نفاذاً ميسراً دون أعباء مالية أو إجرائية وأن تتوافر حيدة المحكمة واستقلالها وحصانة أعضائها والأسس الموضوعية لضماناتها العملية وان تقوم محكمة مستقلة ينشئها القانون بالفصل خلال مدة معقولة في حقوقه والتزاماته المدنية أو التهمة الجنائية الموجهة إليه ويتمكن في كنفها من عرض دعواه وتحقيق دفاعه ومواجهة أدلة خصومه رداً وتعقيباً في إطار من الفرص المتكافئة.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان