نحن اليوم أمام إطلالة جديدة للعمل الخيري تم تدشينها مع احتفالية أبواب الخير بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي.وتوجه نحو ترسيخ المفاهيم والمقاصد الحقيقية للعمل الخيري واستدامة دوره الفاعل في المجتمع..هذه واحدة من الرسائل المهمة والبشريات التى اكد عليها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء مع اللحظات الاولى لإطلاق أكبر قافلة مساعدات إنسانية تصل محتوياتها لنحو خمسة ملايين مواطن مستحق بتكلفة تبلغ 650 مليون جنيه بالتعاون بين صندوق تحيا مصر ووزارتي الصحة والتضامن و18 مؤسسة مجتمع مدني.
والحقيقة ان العمل الخيري هو اداة من ادوات الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي وكان دائما ركيزة اساسية في البناء الحضاري على مر العصور وكان العون والسند المخلص لكل خطط الارتقاء والتنمية حتى قبل ان يعرف العالم او يبتلى بصندوق النقد الدولي واخوانه وزبانيته بشروطه اياها.
وسيظل العمل الخيري هو الداعم الحقيقي في الاتجاه نحو النهضة واليقظة وانتشال المجتمعات من وهداتها وعثراتها في اي مجال اجتماعي اقتصادي تعليمي طبي صناعي وغير ذلك وهو الضمان او بوليس النجدة ضد الانحرافات والاختلالات الخاصة بالتفاعل الاجتماعي وهوبوصلة الضبط لكثير من المؤشرات فيما يتعلق بقضية الثراء والفقر خاصة في لحظات تطاول الاغنياء وازدياد معاناة الفقراء او عندما نصل الى منحنى الخطر حيث يزداد الفقراء فقراء وألما ويزداد الاغنياء ثراء وفحشا واحسبها لحظات فارقة أرقت كثيرا من المجتمعات في عالمنا المعاصر.
ضغط الحاجة وضرورة الوقت وفوضى العمل وانتكاساته وانعكاساته السلبية وضعف المردود الاجتماعي والاقتصادي يحتم ضرورة البحث عن وسائل للانقاذ والتقييم والتقويم ومن قبل تأسيس وانشاء مؤسسات خاصة ومستقلة للعمل الخيري تعمل عليه وتنمي اصوله وتحدد الاولويات الخاصة بكل مجتمع او منطقة وتكون سباقة ومزاحمة او مشاركة للعمل الرسمي.
ضرورة الخطوة ترجع الى ما اصاب حركة الوقف في المجتمعات عموما فلم يعد هناك اقبال على الوقف – الا قليلا ولاغراض محدودة – وايضا الى ما رسخ في وجدان الناس مؤخرا من ثقافة تستبيح مال الوقف وتلتهمه باي وسيلة ودون مراعاة لحرمة اولاي من القواعد وللامانة فهذا نتيجة لاهمال طويل متراكم وسياسات وقوانين قيدت الاوقاف حينا وسهلت استباحتها احيانا تحت اي مسمي حتى كادت الاوقاف تضيع او تنقرض لولا بعض الخطوات للحماية بعد ان ضاعت كثير من الاصول في الوباء وغير الوباء بفعل فاعل وبالتحايل المقيت وباساليب شيطانية من حواة هضموا لعبة الوقف وعرفوا كيف يتسللون ويستحوذون ويلوذون فرارا.
المؤسسات الجديدة للعمل الخيري مهمة وضرورية وستفتح ابوابا لاحدود لها للمشاركة المجتمعية الحقيقية وستكون لها رؤية اقتصادية في تنمية مال الوقف وتفعيل دورها وتعدد نشاطاتها ومساهماتها في الاحتياجات الفعلية والواقعية للمجتمع والناس.
بعيدا عن اي شبهات اواستغلال وتوظيف سياسي لهذا الطرف او ذاك فالمال مال الله وبمجرد ان دخل المؤسسة لم يعد لاحد ولاية عليه ولا يتحكم فيه الا شرط الواقف والذي يعتبر كنص الشارع .واعتقد ان هذه النقطة هي مربط الفرس كما يقولون..
امامنا تحديات كثيرة ابرزها احياء الوقف واستعادة مكانته الرائعة والفاعلة كما عهدها الجميع في عصور الازدهار الاسلامي وحتى في تراجعها وذلك بتوسيع دائرته وزيادة عدد الواقفين قدر الامكان من خلال المشاركة الاجتماعية وفتح ابواب تسمح بامتلاك اسهم والتبرع باي مبالغ تضاف الى حصيلة الوقف وقيمته ثم الاستثمار والتنمية.
في الاطار لابد من اعادة النظر في الجمعيات الاهلية وطرق عملها ومدى مساهمتها وقدرتها على الحركة خاصة وان الكثير منها توقف عند عملية الاشهار والحصول على منح عينية او نقدية لماذا لا نفكر في تحويلها الى مؤسسات وقفية صغيرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبيئة المحلية التابعة لها ويكون من مهامها المساهمة في العمل العام بها والمشاركة في حل المشكلات الانية وما يتصل بحياة المواطنين اليومية ومتاعبهم سواء مع الصرف الصحي او المدارس او الوحدات الصحية والنظافة وغيرها الى جانب الانشطة الاجتماعية الاخرى في تقديم المساعدات للمحتاجين وتوزيع الهبات وغيرها وتجهيز العرائس وما الى ذلك وهي امور تسير بشكل عشوائي وغير منضبط وتعتمد على الثقة الشخصية في القائم على العمل وايضا قدرته على الاتصال الشخصي وجمع الاموال والتبرعات ومساندة المتطوعين في اعمال كثيرة.
ترى كيف سيكون الحال اذا كان هناك مؤسسة وقفية صغيرة في كل حي بالتوازي مع جهود الاحياء الرسمية وغيرها؟
بالتاكيد المشاركة المجتمعية ستكون مختلفة والقدرة على مواجهة المشكلات الطارئة والسريعة ستكون اكبر الرقابة على المصلحة والعامة والمال العام ستكون اكثر فاعلية وربما احتراما وتقديرا..
والاهم من ذلك تنظيم وتقنين الصدقات الاختيارية والاحسان الفردى وهذه بوابة ونهرلا ينضب من الخيرات المتدفقة خارج اي اطار ولا علاقة لها باي مؤسسة او جهة بل تابعة لنتائج تربية ايمانية صحيحة تحب الخير وتحرص عليه بكل وسيلة وتعتبر العمل الخيري جزءا من تكوينها الايماني ودليل على صحة وسلامة العبادة لذا يسارع دائما الى الخيرات والانفاق في سببيل الله في السراء والضراء سرا وعلانية ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا.
هذه بوابات عظيمة لا نحسن استخدامها جيدا او على الوجه المطلوب اووضعها في الاطار الصحيح.
وكم من اناس وقعوا بحسن نية ضحايا لنصابين ومحتالين حصلوا على اموال خيرية وهم لا يستحقون لسبب بسيط وهو ان المتبرع او المانح لا يعرف الحقيقة وليس على دراية بمن يستحق ومن لايستحق.
ايضا ستكون المساهمة في علاج الفقر اوعلى الاقل التقليل من حدته واثاره اكبر واسرع باعتبار القرب والمعرفة الصادقة بعيدا عن المتاجرين والمحترفين في طلب المساعدات بدون وجه حق. الجدية في العمل والنتائج على الارض ستجذب وتشجع المتطوعين والمتبرعين ويمكنها ان تساهم في بناء ثقافة جديدة وتزرع توجهات حميدة نحو العمل العام والمشاركة المجتمعية والمساهمة في جهود التنمية الحقيقية وبالتالي ستكبر تلك المؤسسات ويمكن ان تتحول الى مؤسسات اقتصادية اذا ما شاركت ودعما المشروعات الصغيرة وتمكنت من خلق فرص عمل للشباب والفتيات خاصة ما تتيحة البيئة المحلية من امكانيات واجب استغلالها باي طريقة.
تجدر الاشارة هنا الى ان كثيرا من الجمعيات المنضبطة لديها سجلات واقعية للمحتاجين والمعوزين في مناطقهم ويتم تقدير وصرف المنح لها على قدر الحاجة ووفقا للمتاح من دخول.
واذا كانت الصدفات الاختيارية واعمال الاحسان على هذا الشكل فما بالك بالفروض الواجبة وهي ايضا لم نستطع توظيفها او توجيهها التوجيه السليم ومتروكة للافراد ووفق ما يرونه ونحن مجتمع متدين بطبعه وحريص بالفعل على اخراج زكواته بكل انواعها وفي اوقاتها الشرعية سواء زكاة اموال او زراعة او تجارة اوغيرها وهذه قيمة لا يستهان بها في اي مجتمع.وهناك الكفارات المختلفة لليمين وغيره والنذور ايضا وكلها اموال واجبة الدفع والاخراج في المصارف المعلومة والمعروفة.
لو كانت لدينا تلك المؤسسات الموثوقة المستقلة لجذبت بقوتها وصدقيتها ودورها كل هؤلاء بلا اي مجهود اوعناء خاصة وانهم يحبون ان يتطهروا والله يحب المتطهرين.
نعم نمتلك من القدرات والامكانيات ولكن كثيرا ومنها لا يزال مهدرا.آن الاوان ان نستفيد منها ونستمتع بما قيضه الله لنا من خيرات ويشد بعضنا ازر بعض.
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com