عانت مصر لسنوات طويلة من غياب العدالة في توزيع الثروة واتساع الفجوات بين الأغنياء والفقراء وهو ما ألقى على الدولة عبء إعادة التوازن لتحقيق العدالة الاجتماعية وبالفعل أولى السيسي، عقب توليه السلطة، اهتماما خاصا بملف العشوائيات، الذي أهملته الحكومات السابقة على مدار 30 عاما.
وتعد مؤشرات التنمية البشرية من المؤشرات الأساسية التي تستخدم في قياس وضعية العدالة الاجتماعية وعلى رأسها مخرجات النظم الصحية هي المؤشرات الأهم (مثل معدلات وفيات الأمهات والحوامل، معدلات وفيات الرضع والأطفال ومعدلات سنوات العمر المعاشة) في مؤشرات التنمية البشرية إلى جانب مؤشرات إتاحة مياه الشرب وغيرها مما يجعل الصحة مقياسًا حيويًّا لضمان الحق في التنمية والعدالة الاجتماعية.
ويعد الضمان الاجتماعي، أحد الأركان الأساسية للعدالة الاجتماعية، ويشمل “الحق في الحصول على استحقاقات أو ضمانات” مادية وغير ذلك، وفلسفة ذلك هو محاولة ربط نسيج الشعب وتقليل الفجوات بينهم دون تمييز، كما يتضمن عدة أمور من أمثلة، تقديم مساعدات مالية إلى الأفراد الأكثر احتياجاً في المجتمع، وتقديم رعاية صحية جيدة لكل طبقات المجتمع، كفالة الأفراد الذين وُلدوا في طبقات فقيرة بتقديم لهم تعليم فعال وعمل لائق .
وأطلق السيسي عدة مبادرات لتطبيق مفاهيم الضمان الاجتماعي وبرامج الحماية الصحية المختلفة، وكانت البداية بمشروع تكافل وكرامة و هـو برنامـج للتحويـلات النقديــة المشروطـة تحـت مظـلة تطويــر شــبكات الأمـان الاجتماعي،
ثم أطلق مبادرة حياة كريمة التي تتعاون فيها الدولة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والتي جاءت لتحقق ما جاء في نصوص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كحق الإنسان في المسكن الملائم وحقه في الحصول على خدمات جيدة وتعامل ناجز مع “الفقر والبطالة”.
ومع ظهور مشروع التظامين الصحي الشامل بدأت الدولة في مد المظلة الصحية إلى كافة مواطنيها على حد سواء، وسبقها عده مبادرات أطلقها الرئيس السيسي مثل مبادرة 100 مليون صحة وعلاج فيروس “سي” مجانا وإنهاء قوائم الانتظار في المستشفيات ثم التعامل بجدية مع جائحة كورونا وفق الإمكانيات المتاحة.
وفق هذه الرؤية يمكن أن نرصد تقدما كبيرا استجابت فيه الدولة المصرية لمطالبات الشعب بالعدالة الاجتماعية وبدأت تطبيقها وفق مفهومها الحديث الذي رسخته الأمم المتحدة وحددته المعايير الحقوقية الدولية لجودة الحياة للمواطن.
وساهمت تلك المبادرات في توطين مفهوم العدالة الاجتماعية وحولته من “شعار مطلبي” إلى واقع معاش تمثل في مبادرات “تكافل وكرامة” ، “حياة كريمة” و”100 مليون صحة” وإنهاء قوائم الجراحات الحرجة في المستشفيات والاقتراب الرئاسي من المواطنين في الجولات الميدانية واستجابة الرئيس لطلباتهم المباشرة.
ويمكن اعتبار الاهتمام الرئاسي بقضية العدالة الاجتماعية إشارات إلى “شكل الجمهورية الجديدة” وانطلاقها من نقطة تحويل الدولة لمنظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في العهد الدولي الصادر عام 1966 إلى برامج تصل بتلك الحقوق إلى كل المواطنين دون تمييز.
وانعكس ذلك الفكر أيضا في مجموعة من التشريعات الصادرة عن مجلس النواب والتي تحقق مفهوم العدالة الاجتماعية ، كان من بينها قانون رقم 104 لسنة 2015 الخاص بتحقيق العدالة الضريبية، وقانون رقم 242 لسنة 2011 بشأن الحد الأقصى للدخول وربطه بالحد الأدنى، وقوانين 67 لسنة 2016 وصدور قانون الضريبة على القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، وقانون 60 الصادر في العام ذاته،
والخاص بزيادة المعاشات وتعديل بعض أحكام قوانين التأمين الاجتماعي بالإضافة إلى قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018 والذي جاء في نصوصه أنه نظام إلزامي، يقوم على التكافل الاجتماعي وتغطي مظلته جميع المواطنين المشتركين به وتتحمل الدولة أعباءه عن غير القادرين بناء على قرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء بتحديد ضوابط الإعفاء .
يغيّر الاقتصاد الرقمي عالم العمل. فعلى مدى العقد الماضي، أدى التوسع في استخدام الإنترنت والحوسبة السحابية والبيانات إلى انتشار المنصات الرقمية، التي اخترقت بدورها عديد القطاعات في الاقتصادات والمجتمعات. ومنذ أوائل عام 2020، أدت عواقب جائحة كوفيد – 19 إلى اعتماد ترتيبات العمل عن بُعد، مما سمح بمواصلة عديد الأنشطة التجارية، وهو ما عزز بدوره نمو الاقتصاد الرقمي وتأثيره. كما كشفت الأزمة الفجوة الرقمية المتزايدة داخل البلدان المتقدمة والنامية وفيما بينها وفاقمت من تلك الأزمة، ولا سيما فيما يتعلق بإتاحة المعلومات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقدرة على تحمل كلفتها والحصول على خدمة الوصول إلى الإنترنت، مما أدى إلى تعميق أوجه التفاوت القائمة.
وبينما تتيح منصات العمل الرقمية للعمال — بما في ذلك النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب والعمال المهاجرين — فرصًا مدرة للدخل والاستفادة من ترتيبات العمل المرنة، فإنها تمثل كذلك بعض التحديات. فمن منظور العمال، تتعلق هذه الأمور بانتظام العمل والدخل، وحقوقهم في ظروف عمل عادلة، والحماية الاجتماعية ومستوى معيشي لائق، واستخدام المهارات، والحق في تشكيل النقابات أو الانضمام إليها.
ولذا فخوارزميات المراقبة تزيد في بعض الحالات عن ممارسات المراقبة الشخصية في مكان العمل، وهو ما يمثل كذلك مصدر قلق متزايد. وتكشف عواقب جائحة كوفيد – 19 عن مخاطر وأوجه تفاوت في ما يتصل العمال في المنصات التي ترتكز على الموقع الجغرافي لمكان العمل. فالشركات التقليدية، تواجه تحديات أحدها المنافسة غير العادلة من المنصات الإلكترونية، التي لا تخضع بعضها للضرائب التقليدية وغيرها من الالتزامات التي تُفرض غالبا على الأعمال التجارية، بما في ذلك ما يتعلق بالقوى العاملة لديها. والتحدي الآخر الذي تواجهه الشركات التقليدية هو مقدار التمويل المطلوب للتكيف باستمرار مع التحولات الرقمية، وبخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وغياب الهياكل الأساسية الرقمية الموثوقة بشكل كاف، وبخاصة في جنوب الكرة الأرضية.
وبدأت الاستجابات التنظيمية من عديد البلدان في معالجة بعض القضايا المتعلقة بظروف العمل على منصات العمل الرقمية. ومع ذلك، فهناك حاجة إلى حوار وتنسيق دولي بشأن السياسات لأن منصات العمل الرقمية تعمل عبر ولايات قضائية متعددة. ولذا فإن تعزيز الحوار والتنسيق بين أصحاب المصلحة المتعددين على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية أمرًا حيويًا كذلك لضمان اليقين التنظيمي وإمكانية تطبيق معايير العمل العالمية، نظرًا لتنوع استجابات الدول والمنصة.
ويدعم احتفال هذا العام الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للبحث عن حلول لتحقيق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر، وتعزيز العمالة الكاملة والعمل اللائق، وإتاحة الحماية الاجتماعية الشاملة، والمساواة بين الجنسين، والوصول إلى الرفاه الاجتماعي والعدالة للجميع. وبالتالي، فإن هذه المناسبة تهدف إلى تعزيز الحوار مع الدول الأعضاء ومؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة وأصحاب المصلحة الآخرين بشأن الإجراءات اللازمة للتغلب على الفجوة الرقمية، وإتاحة فرص العمل اللائق، وحماية العمل وحقوق الإنسان في العصر الحديث للتقنيات الرقمية.
لذلك نجحت المبادرات الرئاسية المتتالية التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتحسين جودة الحياة وبناء الإنسان في إحداث تغييرات كبيرة في الواقع المصري، كما عملت على توطين مفهوم العدالة الاجتماعية وحولته من “شعار مطلبي” إلى واقع معاش تمثل في مبادرات “تكافل وكرامة”، “حياة كريمة” و”100 مليون صحة”، وإنهاء قوائم الجراحات الحرجة في المستشفيات والاقتراب الرئاسي من المواطنين في الجولات الميدانية واستجابة الرئيس لطلباتهم المباشرة.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
Virus-free. www.avast.com