السبت الماضي 2 أكتوبر 2021 كنت على موعد لمقابلة رجل سمعت عنه كثيرا من مصادر متعددة . سمعت عنه من أصدقائي الدبلوماسيين زملاء الدراسة بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية، وسمعت عنه من أصدقاء أكاديميين في مصر والبحرين حيث عمل استاذا غيرمتفرغا في جامعات مصر والبحرين وأمريكا ، وسمعت عنه من باحثين ومفكرين في مراكز بحثية مصرية وعربية . والكل أجمع على أنه صاحب مسيرة ثرية في المجالات الدبلوماسية والبحثية والأكاديمية مصحوبة بتجارب حياتية واسعة ،مما شوقني لرؤيته والتحاور المباشر معه.
قابلت السفير الدكتور محمد نعمان جلال بحضور صديقي الدكتور محمد النجار وتلميذي الدكتور أحمد خميس وابني الكابتن أحمد مدبولي. وبمجرد السلام عليه شعرت أني أعرفه منذ زمن ، وسعدت يأنه خريج نفس الكلية التي درست فيها ولكنه يسبقني بـ 11 دفعة . ولفت نظري تواضعه وبساطته وأيضا إنسانيته التي تجلت بوضوح أثناء الحوار ببعض الدعابات التي صدرت منه بشكل عفوي ، ثم بتمسكه بجذوره الصعيدية وأنه أحد أبناء أسيوط ، والأهم إهتمامه بأسرته وحرصه على رعاية شريكة حياته الفنانة التشكيلية كوثر الشريف وإعتزازه بفنها .
وحدثنا السفير نعمان ببساطة عن بعض معاركه الدبلوماسية وكان أشهرها مع بعض الصحفيين الأمريكيين المؤيدين لاسرائيل والذين كانوا يرفضون إختيار الدكتور بطرس غالي – يرحمه الله – أمينا عاما للأمم المتحدة . فقد كان وقتها يشغل منصب مندوب مصر المناوب في المنظمة الدولية ، فقام بدعوة كل الصحفيين المعارضين والتقى بهم، وقدم إجابات واضحة ومقنعة لكل استفساراتهم . ويشعر بالرضا أنه كان أحد المساهمين في أن يتولى مواطن مصري منصب الدبلوماسي الاول في العالم باختيار الدكتور بطرس غالي سادس أمين عام للمنظمة الدولية في الفترة من 1 يناير 1992 حتى 1 يناير1977.
أما المعركة الاخرى فقد كانت تعامله مع حادث التفجير الإرهابي للسفارة المصرية في باكستان بعد عدة شهور من توليه منصب سفير مصر هناك في ابريل عام 1995. وأشاد بكل أريحية بشجاعة زوجته الفنانة التشكيلية كوثر الشريف في مواجهة الحادث وتداعياته . وقال وهو يبتسم : زوجتى كانت الرجل الوحيد يوم الحادث “.
ثم تحدث السفير نعمان دون أن يخفي سعادته بفترة عمله كسفير لمصر في الصين خلال الفترة من مايو 1998 وحتى سبتمبر 2001 . فرغم أنها فترة قصيرة زمنيا إلا أن جهوده ساهمت كثيرا في تنمية العلاقات المصرية الصينية والعلاقت العربية الصينية والعلاقات الأفريقية الصينية . كما ساهمت في إبراز القواسم المشتركة بين الحضارتين الصينية والعربية والاسلامية .
وساعده على تحقيق هذه الإنجازات الكبيرة، إهتمامه منذ الصغر بالصين . وقد ذكر ذلك في دراسة له بعنوان (الدبلوماسية بين الوظيفة والتخصص: الحالة الصينية نموذجا ) بقوله : “كانت الصين وما تزال مشروع حياتي عبر السنين ، إذ أنه منذ كنت طالبا في المدرسة وفي الدراسة الجامعية تعلمنا الحكمة المنسوبة للنبي محمد صلى الله علية وسلم ( اطلبو العلم ولو في الصين ) ، هذه المقولة ذات البعد الاسلامي دفعتني كمسلم مصري وعربي وكدبلوماسي للتعلم عن ثقافة الصين وحضارتها وحكمتها ، والتخصص في دراسة الصين “.
وتم تأصيل هذا التخصص بأن جعل الصين محور دراساته وأبحاثه لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة من كلية الإقتصاد والعلوم السياسية جامة القاهرة . فحصل على الماجستير عام 1974 في رسالة بعنوان ( الثورة الثقافية والتغيير السياسي في الصين ) . وحصل على الدكتوراة عام 1980 في رسالة بعنوان ( العلاقات الصينية اليابانية ).
واعترف السفير نعمان في نفس الدراسة أنه طلب منذ بداية عمله الدبلوماسي أن يعمل في السفارة المصرية في الصين ، وتكرر طلبه في مراحل مختلفة من عمله الدبلوماسي دون إجابة، حتى فوجئ بتحقيق رغبته بتعيينه سفيرا لمصر في بكين. فعلق على القرار بقوله : ” تحقق الأمل بعد أن طال الانتظار ، ووصل القطار للمحطة الأخيرة بعد أن طال السفر “.
وكانت فترة عمله في الصين فرصة ليدعم دراساته بتجربة واقعية ليصبح لديه فهم عميق للصين وحضارتها. وكشف السفير الدكتور نعمان جلال أن مقابلته للرئيس الصيني في ذلك الوقت جيانج تسي مين لتقديم أوراق اعتماده حفزته على ذلك . فقد قال له الرئيس اثناء المقابلة :” لقد تعلمت الكثير عن الصين في دراساتك ، والأن عليك أن تعيد النظر في تلك الدراسات لأن الصين تغيرت “.
ثم تطرقنا في الحديث عن مؤلفاته التي بلغت حوالي 23 كتابا بالاضافة للعديد من الأبحاث والمقالات التي نشرت في مجلات مصرية وعربية وأجنبية . وتوقفنا عند كتابه ( قواعد البروتوكول بين التقاليد الإسلامية والممارسات الحديثة) اصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1995، وكتاب ( الواقعية الجديدة في الفكر العربي – المشروع الفكري للأنصاري نموذجا ) اصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2004. وبمناسبة الذكرى الـ 48 لإنتصارات حرب اكتوبر 1973 توقفنا عند كتابه (أثر حرب اكتوبر على الحياة العامة وتطور علاقات مصر الدولية ) إصدار الهيئة العامة للكتاب أكتوبر 1994 .مع هذه المؤلفات القيمة ومع التجربة العملية الواسعة ، بمجرد ان تتحدث معه تجد نفسك أمام مفكر كبير صاحب رؤية واضحة للنهوض بمصر والأمة العربية والإسلامية.
وفي ختام اللقاء الثري جدا عرضت على السفير والمفكر والإنسان الدكتور نعمان جلال أن يشاركنا في العمل بمركز الوعي العربي للدراسات الإستراتيجية لاستثمار خبراته وإتصالاته في نشر رسالة المركز في ايقاظ الوعي محليا وعربيا . ورحب دون تردد ، مشيرا إلى ضرورة الوعي لدى شعوب المنطقة لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
aboalaa_n@yahoo.com