)
مسمارْ
كنت أظن سأحدث صدعاً في الجدرانْ
إذ أتغلغل فيها
لكني
- حين تغلغلت –
صدئت قدمايْ
فتوارى الجزءُ المشرق فيّْ
وانكسر الجزء الحادْ - يبدو أني لم أُحسن تقدير قوايْ –
وتدلّى رأسي في الطرقاتْ
لكني - أعتقد –
كسرت سكون الحائطْ
وخلقت جمالاً لم أقصده
. . . . يحق لنا القول – ونحن بصدد الحديث عن قصيدة (مسمار) للشاعر الدكتور مشهور فواز – بأننا أمام واحدة من القصائد التي تعبر عن إحدى التكوينات الجمالية المحضة . يحق لنا القول إن صيغة الاعتراف التي اشتقتها تلك القصيدة العظيمة ما هي إلا بادرة تزجي في معرض الحديث عن تداعي الخواطر ، وان كل ما دون بهذا الصدد علي لسان مسمار يتغلغل داخل جدار صلب . لبست هناك قوة دفع موجودة للدق فوق السطح الممثل لرأسه ، ومن ثم علينا ونحن بهذا الصدد أن نستبعد عدة أواصر من أجل تمثل موضوعي لاختراق السن الحاد للمسمار داخل الجدار ، وعلينا أن نهيئ عواطفنا لاستقبال إشارات الاختراق دون الحاجة للبحث عن قوة الدفع .
فالاختراق فيما يبدو ذاتي الحركة ، والأمر جميعه يرتبط ذهنيا بوجود شيء مميز يتحرك داخل جسم الجدار ، وعلي النقيض فهناك شيء صلب بحجم الجدار لا يملك قوة الدفع الذاتية للحركة . ووجود حدين للحركة والثبات ربما يعيد إلينا تلك التصورات الغائية عن وجود منظومة متكاملة تقف علي طرفي النقيض بين الحركة والثبات.
” مسمارْ
كنت أظن سأحدث صدعًا في الجدرانْ
إذ أتغلغل فيها “
والاعتراف بالظن هو في ذاته إقرار بالفشل في الاختراق ، والظن هو في حقيقته إشارة الي اخضاع المنطق لمنظومة من الأفكار تعتمد علي قوة الاختراق الكافية لإحداث الصدع في الجدار ، كما تعتمد بالضرورة علي نتائج هذا الاختراق من وجهة نظر المنطق : قضية صادقة ام كاذبة
” لكني - حين تغلغلتْ –
صدئت قدمايْ
فتوارى الجزء المشرق فيّْ
وانكسر الجزء الحادْ - يبدو أني لم أُحسن تقدير قوايْ –
وتدلّى رأسي في الطرقاتْ “
والحدود بين الصدق والكذب حدود وهمية من وجهة نظر النص، فلا شيء رابح ولا شيء خاسر، ليثور سؤال كيف يمكن لقضية منطقية ألا تكون لها نتائج سواء أكانت نتائج إيجابية أو نتائج سلبية . أقدام المسمار الممثلة لطرفه الحاد المتجه من أعلى الي أسفل قد أصابها الصدأ، إما بفعل عوامل الزمن او بفعل المصادفة البحتة، إنها في واقع الأمر لا تبتعد عن كونها مفارقة درامية، فالبناء الدرامي الذي قامت القصيدة باحتوائه قد شيد بإحكام، أما عن الاعتراف بانكسار الجزء الحاد في المسمار علي سبيل المثال فما زال يتواصل علي هذا النمط مشيدا بقدرات النص الدرامية علي الأداء بحرفية كاملة، وانكسار الجزء الحاد يعادل طبقا لمعجم النص تدلي الرأس في الطرقات مما يرسل علامات هذا الانكسار والفشل والشعور بالذنب كما يشير النص العظيم، ومن ثم الإقرار بواقع الأمر أن هذا الشيء لم يحسن تقدير قواه، لكن ثمة اعتقاد يطرح نفسه إبّان ذلك التدفق الشعوري بالإحباط، إنه الشعور بأن ثمة تغيراتٍ قد حدثت في تلك العلاقة بين الثابت والمتحرك
” لكني - أعتقدُ –
كسرتُ سكونَ الحائطِ
وخلقت جمالاً لم أقصده “
وفي ذلك الاعتراف يذهب النص بالقضية إلى رفض ذلك الانكسار المختزن في الوعي لأنه طبقا لطبيعة المنطق فثمة قضيةٍ صادقة ـ يراها المسمار ـ تتعلق بمشاعر الزهو والانتصار بعدما تمثلت أمام أعيننا حقيقة، وضعها النصُّ ضمنَ الحلول الدرامية للمفارقة الفنية: إذا لم يكن الحائط قد كُسر فإن هناك قضية صادقة تتمثل في قيام المسمار بخلق قيمة جمالية عمادها إحداث تغيير في جدار صامت صلد، إنه جمال غير مقصود علي أية حال.