أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وغريزته، وهو يحتاج للعيش ضمن مجموعات يمارس كل فرد فيها وظيفية معينة بما يلبي حاجات الجماعة بشكل عام، ولكن هذا لا ينفي أسباب الخلاف التي قد تحدث بين بعض أفراد هذه المجموعة مع بعضهم البعض أو بين هذه المجموعة ومجموعات أخرى، ومن هنا بالتحديد وبدافع الدفاع عن النفس والمصلحة الشخصية أو الجماعية تتشكل مشاعر العداوة والعدوان التي قد تتطور في ظروف معينة لتنتج شكلاً من أشكال السلوك الإجرامي،
السلوك الإجرامي مسألة متعددة من حيث تعريفها وشرحها، ففي القانون يهدف التعريف لتحديد هوية المجرم ونوع جرمه لتحديد كيفية محاكمته وعقابه، وفي علم الاجتماع يعرف السلوك الإجرامي بأنه خروج أحد أفراد المجتمع عن السياق العام للعادات والتقاليد والأعراف والقواعد الاجتماعية والقوانين السائدة في هذا المجتمع، وفي علم النفس يعرف السلوك الإجرامي بأنه شكل من أشكال التصرفات العدوانية الناتجة عن خلل نفسي أو رغبة بالدفاع عن النفس بدافع غريزة البقاء.
ويمكن تعريف السلوك الإجرامي بأنه أي انتهاك يعاقب عليه القانون للأنظمة أو القواعد القانونية والاجتماعية والعرفية في أي مجتمع، ينتج عنه ضرر على هذه المجتمع أو أحد أفراده أو مرتكب السلوك الإجرامي نفسه، وهنا تختلف درجات السلوك الإجرامي وتصنيفه من حيث درجة الضرر الذي وقع عنه مثل المخالفات والجنح والجنايات.
في الواقع يعتبر الأساس النفسي للسلوكيات العدوانية والإجرامية حتى الآن موضوع جدل علمي غير متفق عليه بشكل تام بين المذاهب المتعددة في علم النفس، فمن هذه المذاهب من يرى أن الطبيعة النفسية للإنسان قد تدفعه نحو السلوك العدواني مثل المدرسة التحليلية، ومنها ما يرى أن السلوك الإجرامي سلوك مكتسب يتعلمه الشخص خلال حياته، ويوجد أيضاً من يرى أن بعض الأشخاص يولدون مجرمين بطبعهم، ولكن وبشكل عام توجد بعض العوامل الأساسية المتفق عليها بين الجميع التي قد تسبب السلوك الإجرامي ومنها
الدفاع عن النفس: في الحالات التي يتعرض فيها الإنسان لمواقف خطيرة أو تهديدات من أي نوع من قبل المحيط، فغالباً ما يلجأ للدفاع عن نفسه بدافع من غريزة البقاء، وقد يأتي هذا الدفاع على هيئة سلوكيات عدوانية قد تصل لحد السلوك الإجرامي، وتختلف هذه السلوكيات التي تعتبر رد فعل من حيث نوعها وشدتها باختلاف نوع التهديد والأثر النفسي الذي يوقعه لدى الشخص.
دوافع مادية واقتصادية: تعتبر العوامل المادية والاقتصادية من أكثر الأسباب التي تؤدي لسلوكيات إجرامية على اختلاف أنواعها، فالسرقة مثلاً تأتي من دافع الحاجة إلى المال، والقتل في بعض الأحيان قد يكون بهدف تحقيق مصالح اقتصادية، بالإضافة لأشكال أخرى من الجرائم مثل التزوير والرشوة والاحتيال، وجميع هذه الجرائم وغيرها غالباَ ما تنتج عن دافع الرغبة بالحصول على المال سواء لأسباب مرتبطة بالحاجة الفعلية أو أسباب الطمع والجشع والأنانية.
المحاكاة والتقليد: لا يعتبر دافع التقليد من العوامل المباشرة المؤدية للسلوكيات الإجرامية، وإنما المقصود هنا هو تنمية نمط معين من الشخصية لدى الشخص المقلد تتصرف بطريقة عدوانية وتعجب بهذا النوع من السلوكيات، فعلى سبيل المثال الطفل الذي تربى في أسرة يمارس فيها العنف المنزلي يعتبر أكثر عرضة لتعلم السلوكيات العدوانية المتسلطة في التعامل مع أسرته وبالتالي ارتكاب الجرائم المرتبطة بهذه المسألة، وأيضاً الطفل الذي تعرض للتنمر والظلم في مرحلة من حياته قد يجد أن اتصافه بالعدوانية قد يجعله أكثر قدرة على الدفاع عن نفسه حسب ما رآه من أشخاص آخرين أو حتى شخصيات تلفزيونية غير واقعية.
إثبات الذات والتحدي: يحتاج كل إنسان لإثبات ذاته ووجوده وقدراته وقوته، وقد يسعى لهذه الغاية عبر سبل متنوعة كالعلم أو الثروة او الشهرة أو السلطة، وبعض الأشخاص لا يتنسى لهم الحصول على أي من هذه الأمور، فيجد في السلوك العدواني طريقة لتحقيق ذاته من خلال إخافة الآخرين منه ومن تصرفاته العدوانية، وقد تتطور المسألة لدى هذا الشخص للقيام فعلاً بتصرفات إجرامية مثل الاعتداء على الآخرين أو ارتكاب أجرام مثل الاغتصاب أو السلب بالقوة أو القتل أحياناً، بالإضافة لدافع التحدي الذي قد يسبب الاعتداء على شخص معين يجد فيه المجرم نداً له ويرغب بفرض انتصاره عليه.
الخلافات الشخصية: الخلافات الشخصية بين الناس عديدة وأسبابها لا تنتهي، ومن الممكن أن تصل هذه الخلافات لحدود خطيرة تجعل شخص ما يقوم بتصرف إجرامي دون أن يكون بالضرورة لديه صفات عدوانية وإجرامية، وغالباً ما تكون الجرائم المرتبطة بهذا السبب غير مقصودة، مثل الشجارات أو الخلافات العائلة أو الدفاع عن الشرف.
اضطرابات نفيسة أو عقلية: في كثير الأحيان قد يكون السلوك الإجرامي ناتج عن وجود اضطراب نفسي أو عقلي لدى مرتكب هذا الجرم، فقد يعاني مثلاً من أحد أشكال الاضطرابات العصابية أو الذهانية، وهذا النوع من الاضطرابات كثيراً ما يدفع الشخص للقيام بسلوكيات معينة كالإجرام أو التهور أو ارتكاب الأخطاء دون وعي كامل من قبله بنتائج أفعاله.
الشخصية العدوانية: بعض الشخصيات البشرية ولأسباب وظروف معينة يمر بها صاحب هذه الشخصيات يعتبر أكثر ميلاً نحو السلوك الإجرامي نظراً لاضطرابات نفسية وسلوكية يعاني منها أصحاب هذه الشخصيات، فمثلاً الشخصية المعادية للمجتمع أو الشخصية السيكوباتية يعتبر هذا النمط من الشخصية من النماذج التي ترتكب السلوك الإجرامي بشكل إرادي بدافع رغبات مرتبطة بهذه الشخصية خير مثال على هذا العامل، بالإضافة للشخصية الحدية.
وعن أسباب لجوء المريض النفسي إلى ارتكاب الجرائم ضم عائلته وأصدقائه، أوضحت الأبحاث أن المريض النفسي، يكون مصابًا بالعدوانية والتي تجعله يشك في أفراد الأسرة أو المقربين منه، وتتهيأ له العديد من الخيالات عن أنهم يريدون قتله أو إيذائه؛ لذلك فهو يحاول الدفاع عن نفسه من خلال ارتكاب الجرائم ضدهم، وهذا ما يكون السبب في حدوث العديد من الجرائم النفسية المختلة، لافتة إلى أن المريض النفسي يشك حتى في شريك الحياة،
ولذلك يكون الأمر أكثر خطورة عند شك الزوج في الزوجة أو العكس وينتهي بجريمة قتل بسب هذا الأمر، موضحة أن نظرة المجتمع للمريض النفسي تدخله في حالة اكتئاب وتجعله في عدائية شديدة مع المجتمع المصري بكل طوائفه، خاصة أنهم ينظرون لهم بأنهم بسبب الوصمة في المجتمع ويحاولون الابتعاد عنهم، ما يجعلهم أكثر عدوانية في المجتمع وارتكاب الجرائم المختلفة. وحددت الأبحاث أكثر الأمراض النفسية التي يكون فيها المريض أكثر خطرًا، والتي تدفعه إلى ارتكاب الجرائم البشعة، وهي: الفصام البارانوى، والتي تجعل المريض يقدم على القتل أحيانًا، حيث يتخيل أن الشخص الآخر سيقتله، فيكون من منطلق الدفاع عن النفس أن يقتله قبل أن يقدم على إيذائه، بالإضافة إلى مريض الصرع والذي يقتل دون أن يدرك،
حيث إنه لا يشعر بما يفعله أو الهوس الذي يؤدي به إلى القتل في العديد من الأوقات، والوسواس القهري، حيث يتصور مشاهد أنه يقتل هذا الشخص خاصة المقربون منه بشكل متكرر يصل إلى حد الإلحاح، بأن يتصور أنه يلقي بشخص من أعلى الشرفة كل يوم، حتى يفعل ذلك وهو يتخيل أنه حدث قبل ذلك، فضلا عن الاكتئاب السوداوى، الذى يجعل المريض يقتل الأشخاص الذين يحبهم ثم يقتل نفسه في النهاية؛ لأنه يشعر أن الدنيا لا تستحق وجودهم فيها لأنها سيئة جدًا. شهدت الأشهر الثلاثة الماضية وقوع 8 جرائم قتل بشعة، بسبب معاناة المتهمين بارتكاب هذه الوقائع المأساوية من أمراض نفسية. وأسفرت تلك الوقائع عن مقتل 13 ضحية، لفظوا أنفاسهم الأخيرة، في جرائم ارتكبها آباء وأزواج وأشقاء ضد من تربطهم صلة الرحم بهم دون رحمة أو هوادة.
ففي الساعات القليلة الماضية، تلقى قسم شرطة الهرم بالجيزة، بلاغا يفيد العثور على جثة ربة منزل مُسنة داخل شقتها، وتبين من خلال المعاينة والتحريات، أن المجني عليها مصابة بعدة حروق، نتيجة سكب زيت مغلي على جسدها.
وتبين أن ابن الضحية وراء ارتكاب الواقعة، وأنه يعاني من مرض نفسي، واعتاد الاعتداء عليها سابقا، نتيجة الأزمة النفسية التي يعاني منها، حتى جاء يوم الحادث فواصل الاعتداء عليها بالضرب، وسكب “زيت مغلي” على جسدها، ما أسفر عن مصرعها نتيجة الحروق التي لحقت بها.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان