الإسلام هو الحل العالمي: لعلك لمست في هذه الإجابة موضوع المواجهة بين الإسلام وبين متغيرات العصر في العالم؟
-لا.. لقد تناولت إلى الآن شيئاً شكله دين، ولكنه ليس الدين الحقيقي.. أما الإسلام الحقيقي فهو الحل للعالم كله.. لأنك تجد فيه الحلول الاقتصادية الجذرية.. التي تشتمل على أفضل ما في الرأسمالية وأفضل ما في الاشتراكية.. ولكن انطلاقاً من حرية الارادة.. بدون نظم بوليسية ولا قهرية، وإنما كلها مبنية على قناعة الفرد وإيمانه بالحساب في حضرة الله عز وجل.. وخشيته من الله في الغيب..
وفكرة القطاع العام موجودة في الاسلام.. فالثروات التي في باطن الأرض مثل المناجم مثلاً كانت تُعتبر ملكاً للأمة الإسلامية.. واستخراجها عمل من أعمال الدولة وهو “الركاز” والغنائم كانت قطاعاً عاماً يُوزع على الناس.. وأيضاً القطاع الخاص كانت فكرته موجودة لأن الملكية حقيقة.. لم يكن يوجد نزع ملكية في الإسلام.. ولكنها حرية لها ضوابط.. لك أن تتملك ما تشاء.. وأن تتاجر وتكسب، ولكن للفقير حقا في مالك.. ليس فقط الاثنين ونصف بالمائه وهي الزكاة.. وإنما الانفاق أيضاً بكل مستوياته.. والحاكم يقدره للمصلحة العامة.. سواء كانت دفاعاً أو انشاءات أو خدمات.. وهي ما نسميه الآن ضرائب..
والدرجة الأعلى من ذلك هو أن كل ما زاد عن حاجتك لا تحتفظ به “يسألونك ماذا ينفقون قل العفو” أي كل ما زاد عن حاجتك.. إذن هي مستويات متعددة من الانفاق تبدأ من الحد الأدنى وهو الزكاة.. ثم الانفاق الضريبي الذي يحدده الحاكم، ثم انفاق الانسان المسلم باختياره لما هو زائد عن حاجته.. لا تجد هذا في أي نظام.. والناس يتهربون من الضرائب الحديثة.. أما في الاسلام فإن الأساس أن الضمير هو الحارس: هذا من الناحية الاقتصادية..
أما من الناحية العلمية.. فبالإضافة إلى أن الاسلام احترم العلم وحض عليه.. إلا أنه وسع رقعة العلم، فقد اعترف بالعلوم الطبيعية، والانسانية، وحتى علم النفس:
“وفي أنفسكم أفلا تبصرون”
وأضاف لكل هذا العلم بالله عز وجل:
“فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك”
***
•الاسلام في المواجهة العالمية..؟!
-حال المسلمين حالياً دون المواجهة.. لأن الخريطة الاسلامية مفككة والدول الاسلامية مختلفة مع بعضها البعض.. ونظمها تكاد تكون نظماً شخصانية.. والدين الموجود الآن هو شكل الدين فقط!
كما أن الأوضاع الاقتصادية في معظم الدول ضعيفة جداً وتهددها الانفجارات السكانية يكفي أن كل الدول العربية تستورد لقمتها وسلاحها.. أنك تعتمد في سلاحك على العدو.. فكيف تكون كفؤا لمواجهته في المواجهة؟! سيمنع عنك السلاح والقمح.. فتضطر الاعتماد على معسكر آخر.. لو لم تعطك أمريكا ستأخذ من الاتحاد السوفيتي.. وهكذا تفقد عدم انحيازك. إنك مضطر إلى أن تأخذ منهم القمح والسلاح.. فلابد من نهضة واصلاح اقتصادي.. ولابد من هدنة تستعد فيها ،وتصلح بيتك.. وتعمل صناعة سلاح وزراعة.. ولابد من حد أدنى من الاتفاق بين الدول العربية.. ولابد أن تصالح أسرتك العربية كلها، وتتفقوا على كلمة سواء. إلى أن يحين ذلك الوقت فإننا محتاجون إلى هدنة نلتقط فيها أنفاسنا.
**
•المواجهة الحقيقية..؟!
-أما المواجهة الحقيقة التي نحن مطالبون بها الآن فهي نهضة وتوعية بالمعنى الحقيقي للدين.. الدين ليس معناه أبداً أن العلم كفر والمدارس كفر، كما تقول الجماعات المتطرفة الآن، وإنما الدين معناه علم بالدرجة الأولى. تتلقى العلم ولو من الصين. ولو من عدوك.. نريد علماً وعملاً ومكارم أخلاق، ونهضة كاملة، ودُعاة قدوة..
إننا نحتاج إلى إحياء.. إحياء معاني الدين الحقيقية في النفوس..
من كتاب: شاهد على العصر. بين المُحاور الكبير: عمر بطيشة. و د: مصطفى محمود رحمه الله..