الشك في حياة الناس ضروري.. وقصتنا معه بدأت منذ أن وطئ أبونا آدم بقدمه الهائلة هذه الأرض.. وبرغم أن إبليس هو الذي أغواه ألا انه كان يرى أن حواء هي احد العوامل الأساسية والهامة في خروجه من الجنة.. ونما هذا الشك في ذريته الأول.. أن اسباب الشك ترجع الى اهتزاز ثقته بنفسه بسبب تربية الآباء المسيطرة عليه وهو صغير حتى لم يتركوا له فرصة بناء شخصيته المستقلة ، تجربة قاسية فى حياته مثل مروره بعاطفة مع امرأة متزوجة فثبت عنده احساس بعدم الثقة بالأخريات، او ارتباط سابق بإمرأه غدرت به وتركته فتركت اثار نفسية سلبية داخله، قد تكون الزوجة نفسها تختلف عنه ثقافيا وترتدى الملفت للنظر او تتصرف تصرفات مريبة للشك ولا يستطيع مصارحتها او مواجهتها خوفا من حدوث شرخ فى حياتهم الزوجية، قد يكون سبب غير مباشر مثل صديق له اثر فيه نفسيا فى تجربة خيانة فزرعت داخله الشك.
فقتل قابيل هابيل.. وقتل زيد عبيد وتأصلت الجريمة في حياة البشر بفعل الشك وحده ومنذ ذلك الوقت والعالم يقف تحت صخرة ما انفرجت قط أنها صخرة الشك المرير القاتل.. لعل اقتناع الناس بأن الشك هو الطريق الوحيد إلى الحقيقة هو دافعهم إلى الإغراق في كثير من الخطأ والكثير من الذنب والكثير من الانزلاق المحيق والبائس لظلم الناس الأبرياء. لقد تعرضت رسالات الأنبياء للشك
وانبرى الكثير من الزنادقة والملحدين والكفار لمناهضتها.. وقد انتصرت تلك الرسالات السماوية ولكن الشك باق ولم ينته بعد.. ولعل اقتناع الناس بأن الشك هو الطريق الوحيد إلى الحقيقة هو دافعهم إلى الإغراق في كثير من الخطأ والكثير من الذنب والكثير من الانزلاق المحيق والبائس لظلم الناس الأبرياء.. ولست هنا بصدد أن أقرر من هو الظالم والمظلوم في هذا الزمن الصعب الذي اختلط فيه العديد من الأمور والأسود بالأبيض والشك باليقين والخطأ بالصواب.
. ولكني أود أن أقول أن عودة الأنسان إلى نقطة البدء في كل الحالات.. وتأمله في حال الإنسانية عبر كل العصور ربما قد يكون ذلك منفذا صائبا للوصول إلى بعض من أجزاء الحقيقة لا الحقيقة بكاملها التي ما ادركها أنسان قط. اعني أن نقطة البدء التي انطلق منها الأنسان ولا يزال للحصول على بعض مقومات بقائه كانت الشك في كل شيء ومحاولته أن يعرف كل شيء ومن اجل هذا اخطأ وأصاب وعرف أشياء ولم يعرف أشياء أخرى. لقد استطاع أن يعلم أن السم لا يأتي من كل بطون الحشرات وان الخير لا يأتي من كل نبت الأرض.
. وان مذاق الحنظل يختلف عن مذاق العسل.. وان الشر يأتي غالبا من نفوس البشر وعلم أيضا أن الجبال لم تخلق فقط لتبقى رواسي للأرض ففلق الصخر وبنى منزله واخرج منها معادنه وذهبه وخزن مياه الأمطار فأثمر حقله.. وتعلم كيف يزرع ويحصد ويأكل من خيرات الأرض.. واكتشف حاجته لاختراع الزورق والسفينة والسيارة والطائرة.. والراديو والتلفزيون والأنترنت وكل وسائل الاتصال الحديثة.. ولم يتوقف عند هذا الحد فاخترع وسائل الدمار والهلاك وأسلحة الفتك والقنابل الذرية.. والنووية والجرثومية.. والصواريخ العابرة للقارات.
. كل أسلحة الموت والفناء هذه تعلمها الأنسان.. ولكن الأهم والأفضل والأجمل والأبقى لم يتعلمه الكثير من الناس على هذا الكوكب وهو استئصال الشر من نفوس بعض البشر الذين تملكتهم شهوة العدوان واستبداد القوي بالضعيف.. والغني بالفقير والظالم بالمظلوم.. لقد تعلم الأقوياء الأغبياء في هذا الزمن كيف يصنعون الحرب.. ولم يتعلموا كيف يصنعون السلام.. وهذه هي الكارثة ولا أزيد؟!
أن الشك من أهم أسباب الطلاق بين الزوجين، وذلك بنسبة (60%) تقريبًا، مضيفةً: هو سبب لتدمير العلاقات بين الناس وفي المجتمع كله، لذلك فإن الشك أساس خراب البيوت العامرة، والأساس في إفساد حياة أشخاص متميزين في أعمالهم وذلك بتدميرهم من قبل رؤسائهم أو من يعمل معهم بخلق الشك والريبة حوله، وغالبًا ما يقترن الشك بالظلم، لقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ سورة الحجرات آية 12، ويؤدي التجسس على الآخرين للتأكد من فرضية الفكرة التي حيكت في النفس عنها، ثم يؤدي إلى الغيبة،
وكل ذلك يؤدي الإثم. يكون بظلم الإنسان لنفسه وللآخرين، والذي يترتب عليه الندم الشديد بعد معرفة الحقائق المنافية لذلك الشك وتلك الفكرة، كما أن الشك من أحد أسبابه الاجتماعية الإشاعة التي تنتشر مثل النار في المجتمع ويكون سببها شخص مريض عنده غيرة وحقد من ذلك الشخص، ولقوله تعالى: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)﴾ (القلم)، وإن تأملت هذه الصورة القرآنية في مظاهرها، وتعمقت فيما رسمه الله من أشكال هذه الصورة في السلوك مع الناس والمجتمع والأسر.
الشك هو شرخ أو خلل يحدث عدم اتزان داخل صاحبه مما يؤثر في تصرفاته من خلال نفسه أو مع الآخرين، ولاشك أن التنشئة لها الدور الأهم في بناء الصحة النفسية للفرد وتأتي مؤسسات التعليم والمؤسسات الاجتماعية مكملة لهذا الدور في بناء الشخصية المتكاملة للفرد، وبناء الأفراد من الأمور المهمة التي قد تغفل عنها الأسر والمجتمعات
فيتولد عن عدم الاهتمام نفوس ضيقة أو غير مكتملة التركيب فتظهر على السطح منظومات مشاكل للفرد منها الشك حيث تتبلور عندما يكبر الفرد ويكون مسؤولا عن زوجة أو أسرة أو مرتبطا بعمل فتتأزم علاقته بزملائه أو أسرته أو مجتمعه، وهو من الحالات التي قد تؤدي بأصحابها إلى المهالك كقضايا الانتحار والطلاق وربما القتل لا سمح الله، أو حالات الانفصام في الشخصية أو الفشل العام في الحياة بشكل عام،
ولا شك أن التربية المتوازنة القائمة على الدين والفطرة السليمة وتعاون المؤسسات المختلفة ذات العلاقة كالتعليم والمؤسسات الاجتماعية ووجود الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين علاوة على التنشئة السليمة داخل الأسرة، والتثقيف في هذا الإطار يكون شخصا سليما، والشك من المشاكل القديمة الجديدة وليس وليد اليوم أو مجتمع دون غيره فهو قديم قدم الإنسان ومرتبط بعلاقات المجتمع نتيجة عدة مورثات اكتسبها الفرد اكتسحت حياته وهزت حياته في الوقت الذي نطالب فيه بدور مستمر لبناء الإنسان من الصغر بناء سليما متكاملا.
إن مرض الشك هو كالغمامة السوداء الكثيفة صعبة الرؤية والتي بدورها تحجب الشمس، حيث تكون الحياة شديدة المرارة في ظل تواجده كما أنه يعرف بالوسواس القهري، ويتواجد الشك في أعماق الإنسان الداخلية، حيث لا يكتشف بالعين المجردة، لا يمكن رؤيته حتى من قبل صاحب المشكلة، وإنما ينشأ من منطقة مظلمة، مستظلاً بالنفس البشرية والتي تقوم على افتراضات وتوقعات خاطئة وغير منطقية للعقل والواقع، وتتكون صورة من الافتراضات والاعتقادات بأن كل الناس المحيطين سيؤوون ويضمرون الشر لصاحب المرض، وتوقع الشر من كل الناس عامة له، كما أن عقل المريض متطرف لا يستطيع أن يرى التوازن في الأشياء، ولا يملك التقدير للمواقف، ومما يتسبب في زيادة هذا التوقع الخاطئ هي معادلة العلاقات بين البشر والقائمة على أساس عام بأن علاقة الإنسان بالآخر تقوم على التوقع والافتراض.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان