الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فما زلنا مع علاج مشكلة الأمية التربوية، أو ضعف الإعداد التربوي للأبوين، وقد تكلمنا عن بعض الصفات التي ينبغي أن يكون عليها المربي، وفي هذا المقال نستكملها -إن شاء الله تعالى-.
فمن الصفات التي ينبغي على المربي أن يتحلى بها:
4- الليونة والمرونة:
فالمربي الفاضل هو الذي يجمع في تربية ولده بين الحزم في موضعه، وبين الليونة والمرونة في موضعها، والمقصود بها: قدرة فهم الآخرين بشكل متكامل، لا بمنظار ضيق، وليس معناها: الضعف والهوان، وإنما التيسير الذي أباحه الشرع، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا) (متفق عليه).
- فعلى المربي في الأمور المباحة والمشروعة: أن يتخير الأيسر كما كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خُيِّر بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وهذا يكون في الأساليب والألفاظ، والأوقات والتوجيه؛ ليصل بعقولهم إلى الخير بسهولة ويُسر تقبله نفوسهم، وألا يكثر العتاب، فإنه يورث المِلال والجرأة والعناد، ويزيل مهابة الكلام، بَلْه مهابة المربي.
قال الغزالي -رحمه الله- في “الإحياء – باب رياضة الصبيان”: “ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظًـًا هيبة الكلام معه، فلا يوبخه إلا أحيانـًا، والأم تخوِّف بالأب، وتزجره عن القبائح”.
5- الحلم والأناة:
وهما خُلُقان يحبهما الله ورسوله كما قال -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد القيس، والحلم سيد الفضائل، ومنبع الخيرات، ومصدر السكينة والهدوء، فما من نتيجة حميدة إلا وكان الحلم سببها، والموصل إليها؛ لأنه يقتلع الشر من جذوره، ويُرغم الشيطان، قال -تعالى-: (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) (آل عمران:80)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “حلماء علماء”. - والحلم: ترك المعاجلة بالعقوبة، ومنع النفس من ضد ما تحب عند ورود الموجب لذلك، وهو بهذا يشتمل على المعرفة، والصبر، والأناة، والتثبُّت.
والعاقل يلزم الحلم عن الناس كافة، فإن صعب عليه ذلك فليتحالم؛ لأنه يرتقي به إلى درجة الحلم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ؛ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ؛ يُوقَهُ) (رواه الدارقطني والطبراني، وحسنه الألباني). - وأما الأناة فهي التأني، وترك العجلة والتسرع، وهي خير إلا في أمر الآخرة؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ) (رواه أبو داود والحاكم، وصححه الألباني).
- والحلم يشتمل على الصبر الذي هو خير عطاء، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) (متفق عليه).
- والصبر معناه لغة: الحبس.
واصطلاحًا: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن المعصية التي تدل على الجزع، وتسخط المقدور.
والصبر هو: معول المؤمن الذي عليه يعتمد في أمره كله -خاصة- في تربية ولده؛ لأنه يتعامل مع طفل له أخطاؤه -ولابد من خطئه-؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ: التَّوَّابُونَ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني)، ويتعامل مع نفسٍ قال الله -تعالى- عنها: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد:10)، فأنت تنمي الخير الذي فيها، متوجهًا إلى الله -تعالى- بصلاحها، وتُضعف الشر الذي فيها، والموفَّق مَن وفَّقه الله -تعالى-، وهذا يحتاج إلى صبرٍ بالغٍ؛ لأن الوالد يتعجل الثمار، ويريد ابنه ألا يخطئ، وقد يُضَاف إلى ذلك خوف مذمة الناس، فيدفعه ذلك إلى التهور والتسرع الذي لا يحمد عقباه. - فوطـِّن نفسك على الصبر على ولدك توجيهًا ومتابعة، وعدم الملال، أو اليأس منه، واعلم أن ولدك ليس أنت، ولا أنه بمجرد الأمر يأتمر، ويصير بذلك صالحًا، بل اعلم مسبقًا أنه سيخطئ، وقد لا ينفِّذ كالكبير تمامًا إذا وعظته أو نصحته؛ فقد ينتصح أو لا، وإن انتصح فقد يقع، أو يرجع إلى الذنب أو الخطأ؛ لأننا -كما ذكرنا- نفس إنسانية محل اختبار في هذه الدار، (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.