كتب عادل احمد
تأتي الزيارة التي بدأها اليوم الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي إلى سلطنة عُمان، لتتوج مسيرة العلاقات الأخوية الراسخة والممتدة على مدار التاريخ بين البلدَيْنِ وتفتح مسارات آمنة نحو المستقبل، وتتميَّز بالاحترام المُتبادل والتعاون البنَّاء، وتكتسب كُلَّ يوم العوامل والأسباب المُعزِّزة لرسوخها وتطوُّرها، وذلك من أجْل تحقيق مصلحة البلدَيْنِ وشعبَيْهما الشَّقيقَيْنِ، ومن أجْل رفعة ورُقي مجلس التعاون الخليجي والدول المنضوية تحت لوائه.
وقد كان لهذا التعاون دور مُهمٌّ في إصدار النِّظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربي السِّت، والذي أصبح له ثقل إقليمي لا تخطئه عَيْن، يعمل وفق قواعد راسخة تسعى للحفاظ على الأمن والسِّلم الدوليَّيْن، ويوثِّق العلاقات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة بَيْنَ أعضائه؛ إيمانًا منهم بوحدة المصير، بالإضافة إلى تطابق الرُّؤى بَيْنَ السَّلطنة والسعوديَّة في القضايا السياسيَّة المحيطة بالإقليم، ودورهما الرَّائد في حلِّها. إنَّها رحلة طويلة من العلاقات الممتدَّة التي يسودها الاحترام المُتبادل طوال العقود الخمسة الأخيرة، والتي تُوِّجت بزيارة “الدولة” التي قام بها السُّلطان هيثم بن طارق بدعوة كريمة من أخيه خادم الحرمَيْنِ الشَّريفَيْنِ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربيَّة السعوديَّة في شهر يوليو الماضي، كأوَّل زيارة خارجيَّة يقوم بها، ما يعكس الدَّوْر الحيَوي الذي تلعبه العلاقات العُمانيَّة السعوديَّة في الفِكْر السَّامي.
وتدرك السعودية المكانة التاريخية التي تتمتع بها سلطنة عمان وجذورها التاريخية في المنطقة ودورها الدولي في نشر ثقافة السلام والوئام بين الجميع، كما تعرف سلطنة عمان مركزية السعودية في قلب العالم الإسلامي ومكانتها المرموقة في السياق العالمي وثقلها الاقتصادي وأدوارها التي لا تنسى في جميع الدول العربية.
وعلى هذه المبادئ الأساسية ظلت العلاقات العمانية السعودية قوية ومتينة على الدوام لا تتزعزع رغم كل التغيرات التي أحاطت بالمنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم. وكانت القيادة السياسية في كلا البلدين تحرص على ألا تتأثر العلاقة بينهما بأي مؤثرات داخلية أو خارجية، وأمام كل تحدٍ تمر به المنطقة تجد القيادتان مبررات جديدة لترسيخ العلاقة وديمومتها أكثر وأكثر.
وإذا كانت العلاقات السياسية بين البلدين بهذه القوة فإن العلاقات الاجتماعية بينهما أكثر قوة وترابطا وتداخلا، وأكثر وضوحا لمتتبع تلك العلاقات ومتأملها. وبقيت تلك الروابط أحد أكبر الدوافع نحو تعزيز العلاقات السياسية بعلاقات وشراكات اقتصادية تعود بالنفع على الجميع. ووجدت الدولتان الشقيقتان في رؤيتيهما المستقبليتين: «عمان 2040» و«السعودية 2030» الكثير من خطوط التلاقي والكثير من الطموحات المشتركة والسعي نحو مستقبل أكثر إشراقا وأكثر ازدهارا بعيدا عن الاعتماد على مصدر واحد للدخل يتمثل في النفط ولكن عبر البحث عن مصادر أكثر ديمومة وقوة.
واستكمالًا لذلك وتعميقاً للعلاقات الراسخة، يحلُّ اليوم الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود وليُّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربيَّة السعوديَّة ضيفًا كريمًا عزيزًا على السَّلطنة، حيث سيتمُّ خلال هذه الزيارة بحث عددٍ من المجالات والجوانب ذات الاهتمام المشترك؛ خدمةً لمصالح البلدَيْنِ الشَّقيقَيْنِ، وبما يحقِّق تطلُّعات وآمال الشعبَيْنِ لمستقبَلٍ أكثر رخاءً، ونماءً، وازدهارًا.
ولا شك أن الزِّيارة تحظى باهتمام دولي وإقليمي واسع؛ نظرًا لِمَا تملكه القيادتان في البلدَيْنِ من طموح سيكون له تأثيره الإيجابي الإقليمي، ثمَّ الدولي، فالزِّيارة تعكس العلاقة المتينة وهناك تطابق في الرؤى والتشاور المشترك المستمرِّ بينهما، خصوصًا وأنَّهما يسعيان إلى تعزيز نهج القِيَم الدَّاعية إلى تعزيز ثقافة السَّلام ونبْذ الإرهاب، وتسعيان إلى دفع الجهود الدوليَّة بما فيها مصلحة الدول كافَّة، لا سيَّما إحلال السَّلام في اليمن.
وتشير التقارير الدولية إلى أن العلاقات الاقتصاديَّة والاستثماريَّة تشكل حجر الزَّاوية في المَرْحلة الراهنة بين الدولتين، وتتطلع القيادتان الحكيمتان إلى نقلها لنطاق أرحب وأوسع، خصوصًا بعد تأسيس مجلس تنسيق عماني ـ سعودي مشترك انبثق منه مجلس أعمال عماني ـ سعودي، ولجنة تنفيذيَّة، وتسعى الحكومتان إلى أنْ يقوم القطاع الخاص في البلدَيْنِ بدَوْرِه المأمول منه لتحقيق غايات رؤيتَيْ ٢٠٣٠ في المملكة و٢٠٤٠ في السَّلطنة، ولإيجاد التنوُّع في الاقتصاد وتوفير أكبر قدر من الوظائف.
وإذا كان الاقتصاد هو القوة الأبرز في عالم اليوم والغد فإن بناء شراكات اقتصادية ضخمة بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية من شأنه أن يعزز قوتهما في المنطقة ويديم الرخاء والاستقرار من أجل مستقبل أكثر إشراقا.