تعد وظيفة المؤسسة التربوية في مكافحة الفساد من الوظائف الأساسية التي ينبغي أن تأخذ مداها التربوي ابتداءً من التعليم الأساسي حتى التعليم العالي مرسخة في نفوس النشء الجديد القيم التربوية الإيجابية التي تحارب الفساد بعده سلوكاً منافيا للأخلاق وقيم المجتمع العراقي، وكذلك بعده تحدياً صارخا للمنظومة التربوية التي طالما سعت إليها المؤسسة التربوية
خلال تاريخها الطويل، التي عرفت من خلاله رصانتها المعرفية والأخلاقية التي تخرجت منها أجيال تحمل مبادئ الأمانة والأخلاق التي تصون الإنسان وتجعله أكثر حرصا على امن المجتمع وسلامته ومن هنا ينبغي إعطاء هذه المؤسسة دورا قياديا واهتماما كبيرا في بناء جيل يؤمن بالبناء والنزاهة والحرص على المجتمع وتزاد هذه المهمة اليوم أكثر من إي وقت مضى ،
لان الدور الرقابي والتعليمي الذي تلعبه المؤسسات الرقابية والتعليمية في الحد من ظاهرة الفساد المالي والإداري كونها ظاهرة خطرة على المجتمعات، أنواع الفساد المالي والإداري وأسبابه وأثاره وكذلك إلى دور المؤسسات التعليمية في الحد من هذه الظاهرة، وأخيرا بين تجارب بعض الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة للدول العربية والأجنبية في كيفية الحد من ظاهرة الفساد المالي والإداري.
وقد أصبحت آفة الفساد تهدد المجتمع بكامله وتعمل على نخر بنائه الاجتماعي في كل لحظة، وتعطل أي خطوة تجاه تنميته وتقدمه،
فازدادت الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وانتكست القيم الأخلاقية حتى أضحى الفساد حالة معاشه لا يخجل منها من يقوم بممارسته من المسؤولين بمواقعهم المختلفة لذا فان إعطاء المؤسسة دور محاربة الفساد يمثل تطورا مميزا في إنقاذ المجتمع من شروره وتداعياته الخطرة على الفرد والمجتمع، وتزداد الحاجة إلى ذلك مع تزايد وعي المخططين التربويين بحاجة المجتمع العراقي للإصلاح لاسيما انه يعاني بشكل غير مسبوق من آفة الفساد،
التي باتت تقلق المجتمع وتؤرقه ، ونظرا لانتشار الفساد في مؤسسات المجتمع الرسمية كافة، ينبغي التصدي لهذه الظاهرة بوضع آليات إجرائية يمكن أن تنتج عنها منظومة قيم جديدة، تعمل على إيجاد الوسائل الأساسية الناجعة لمكافحة الفساد في المجتمع، ولما كانت المؤسسة التربوية من الناحية الاعتبارية وأهميتها الوطنية تحتل الأولوية في إطار بناء منظومة قيم إيجابية في المجتمع ،
باستحضار القيم الإيجابية وصياغتها وتقديمها إلى المجتمع بطرق فاعلة تكون مقبولة من قبل إفراد المجتمع ويمكن توصيلها للجيل الجديد بمنهجية حديثة ، وهذه المحاولة يمكن أن تقود المؤسسة التربوية إلى وضع استراتيجية تربوية وطنية تفعل فيها القيم الاجتماعية الإيجابية التي ترفض الفساد وتجعله سلوكا معيبا في الوسط الاجتماعي العراقي وعلى نطاق واسع ،ولاسيما بين الأجيال الجديدة التي ينبغي أن تربى على قيم أخلاقية تكون بمثابة مناعة ذاتية ضد كل إشكال الفساد. وتعمل أيضا على تعزيز قيم المواطنة.
آليات محاربة الفساد
عند وضع آليات مكافحة الفساد ينبغي أن تكون العملية التربوية متجددة وتخاطب عقول أجيال الجديدة بلغتها من خلال وضع مناهج تربوية ترسم ملامح المجتمع المدني الذي يقوم على القانون، وهذا الأمر يتطلب وضع سياسة تربوية رصينة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع كافة ، وهذا لا يتم إلا وفق خطة تنموية تنهض بالمجتمع وثقافته، ومع هذا يمكن للمؤسسة التربوية العمل على وضع آليات إجرائية لتأسيس ثقافة تحارب الفساد وتعده امرأ معيبا لا تقبله القيم الوضعية والإلهية، ضرورة أن يتضمن برنامج الإصلاح لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد فى التعليم، حملة قومية كثيفة وممتدة لتصحيح وتنمية وعى المجتمع حول التعليم الجيد النزيه ودوره. ويشمل هذا إحياء دور الأسرة في هذا الخصوص. وهناك ضرورة لحملات قوية وممتدة لتغيير الثقافة والقيم والمفاهيم داخل مؤسسات قطاع التعليم ذاته لتتسق مع أهداف ومضامين الإصلاح.
ويمكن صياغة بعض المقترحات في هذا الاتجاه وكما يلي:
1 – تقوم المؤسسة التربوية بتعزيز قيم الشعور بالمسؤولية لدى الأجيال الجديدة وبناء صورة إيجابية عن دور النزاهة وضرورة مساندتها من قبل المجتمع، أي خلق وعي إيجابي اتجاه دور الرقابة وتعليم التلاميذ ضرورة عدم السكوت عن أي ظاهرة تلحق ضررا بالمجتمع (أي التخلص من مقولة: هذا الأمر لا يخصني).
2 – وضع مواد دراسية تدمج مع التربية الوطنية والدينية تعزز القيم الإيجابية والحضرية في السلوك، وتحارب كل السلوك القائم على التعصب والولاء القرابي الذي يمثل احد الوسائل البارزة الدافعة إلى الفساد في المجتمع .
3 – تعزيز القيم الدينية والأخلاقية، ورسم صورة إيجابية عقلانية لدى الطلبة في المراحل المختلفة عن دورهم الاجتماعي والأخلاقي الذي يفرضه الدين والأخلاق والعرف عليهم في محاربة كل مظاهر الفساد بطريقة أخلاقية وبطريقة حضرية تعيد للشخصية العراقية اعتبارها بعد تعرضها لنكسات خطيرة في أثناء حقبة الحصار والحروب.
4 – بناء منظمة تربوية حديثة وإرساء قواعد منهجية جديدة يتمكن خلالها المعلم والمؤسسة التربوية من فهم لغة الأجيال الجديدة، المتأثرة بوسائل الاتصال المختلفة والخروج من قفص الثقافة المحلية الى أطار الثقافة الوطنية من خلال بناء مفاهيم جديدة ترفض السلوك المنحرف والعمل على توعية الشباب بان أي اعتداء على الممتلكات العامة هو اعتداء شخصي على المواطن العراقي وحقوقه، وهذه القيم والمعايير ينبغي أن يشار لها ضمن خطة تربوية ناجحة تعتمد على معايير أخلاقية يضعها تربويون ذو اختصاص عالي الدقة.
5 – العمل على الإفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال توظيف المؤسسة التربوية في مكافحة الفساد في مجتمعاتها.
6 – العمل على ربط برامج المؤسسة التربوية في مكافحة الفساد بعمل المؤسسات الأخرى بحيث يكون هناك تفاعل وتوازن في العمل بهذا الجانب.
7 – ضرورة قيام وزارة التربية بتأسيس هيئة تربوية على مستوى البلد لوضع مشروع وطني تربوي يكافح ويحارب الفساد بكل أنواعه وربط هذا المشروع ببرامج التنمية.
8 – تأسيس دائرة إعلامية تربوية تكون مهمتها تدعيم القيم الاجتماعية والتربوية على أن توضع سياسة إعلامية من قبل متخصصين بالإعلام والتربية وعلم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا بطريقة تحاكي ثقافة المجتمع وفهم المتغيرات المؤثرة في الشخصية العربية في المرحلة الحالية.
- غياب المساءلة عن الأداء والممارسات التعليمية، وصورية نظم تقييم الأداء والممارسات فى هذا المجال. ولا تتضمن نظم تقييم أداء العاملين فى المهن التعليمية فى كل مراحله، أى معايير للمساءلة عن السلوكيات القويمة الملتزمة أخلاقياً للمعلمين. ومن الطبيعي فى ظل غياب هذه المعايير وفى ظل وجود فجوات فى المساءلة عنها، أن تنتشر سلوكيات الفساد فى هذه الجوانب. فما لا يتم قياسه والمساءلة عنه في أي نظام مؤسسي، لا ينتظر أن يلقى اهتمام العاملين ولا ينتظر تطوره أو تحسين الممارسات فيه. لكى يتم التصدي للفساد الذى تغلغل فى قطاع شديد الحيوية وهو التعليم، ينبغي أن تتمتع كل جهود الإصلاح، التى تستهدف منعه وتقليله وتحجيمه ومكافحته، بدعم سياسي قوى على أعلى مستوى، وكذلك دعم مجتمعي يتضمن استنهاض وعى المجتمع بأهمية جودة التعليم ونزاهته. وضمن الدعم المطلوب من الدولة أن تزاد موازنات وموارد التعليم فى كل مراحله، مع وجود ضمانات ليكون الإنفاق فيه مخططاً وموجهاً توجيهاً صحيحاً، ويتضمن مساءلة عن نتائج هذا الإنفاق وتقييماً دورياً لعوائده.