الحمد لله لايزال عالم الكتاب والكتابة والقراءة بخير وليس الامر كما يحاول البعض ان يروج ويصدر للناس ان زمن الكتاب المطبوع والصحف المطبوعة قد ولى..الوقائع على الارض تؤكد بالفعل انها فرية عظيمة ولعبة شديدة الخطورة تقودها جحافل الشر لأغراض في نفوسهم..مع الاعتراف بحالة من التأثير والتراجع قد حدثت بفعل ظروف واحداث اضطرارية بعضها اقتصادية او اجتماعية او سياسية او وبائية عالمية تضافرت كلها احيانا لأحداث تأثيرات سلبية ليس فقط على الكتب والصحف ولكن على مناحي الحياة المختلفة.وهو ما يطرح علامات الاستفهام حول رغبات ودعوات الاستسلام والدفع نحو الاطاحة بالمطبوعات من صحف وغيرها!
أدهشني الموقف في معرض الكتاب زحام غير عادي لا تجد موطئا لقدم ولا مكان لسيارة رغم المكان الفسيح والمحيط بأرض المعارض ورغم قسوة الاجواء شديدة البرودة وتساقط المطر.. قلت لابني محمد الذي كان يرافقني معقولة كل هذا العدد في هذا البرد لو افترضنا ان نصفهم جاء للتسكع او أكثر فهذا شيء جيد جدا.
وفقا للإحصاءات الرسمية فقد تخطى عدد الزوار حاجز المليون زائر وفي أحد الايام وصل عدد الزوار خاصة اليوم العاشر 326 ألف شخص.وهو عدد كبير جدا اذا كنا نتحدث عن كورونا واخواتها والاجراءات الاحترازية وموجةالبرد الشديدة وغير المسبوقة وايضا مع استمرار الامتحانات للطلبة في الاسبوع الاول للمعرض.
الملاحظة الاهم ان العدد الاكبر هم من الشباب,والعواجيز وكبار السن كانت نسبتهم قليلة حتى في صالات العرض للكتب المختلفة من يقلبون الرفوف ومن يحملون الكتب هم من الشباب فتيانا وفتيات وايضا الحضور في قاعات الندوات الادبية والفكرية هم ايضا من الشباب..والمشاركون والمتفاعلون في الامسيات الشعرية واللقاءات الدينية مع العلماء والمفكرين هم من الشباب.
لفت نظري ان المصليات الكثيرة المنتشرة في الاجنحة والصالات كانت هي الاخرى مزدحمة للغاية سواء للرجال او السيدات بل ان البعض كان ينتظر حتى تخرج مجموعات.. وهذا مؤشر حقيقي لايمكن اغفاله او غض الطرف عنه في مثل هذه الاوقات ويطرح العديد من الاسئلة حول حقيقة ما يقال ويصدر عن الشباب والاهداف من تصدير صور سيئة وسلبية عن الشباب واستهتاره وادمانه وعدم اكتراثه لا بالثقافة ولا بالدين وموجات الخلاعة والسقوط في فخ التغريب.مع عد انكار وجود نماذج سيئة.
واضح ان هناك خللا ما يحدث ومحاولات لتصدير نماذج بعينها لتشويه المجتمع وليس رغبة في الاصلاح كما يدعون والا فلماذا سقطت هذه النماذج الطيبة والمفرحة من الشباب عن خطة العرض والتقديم والتشجيع والتحفيز ولماذا الاستغراق في تقديم النماذج الشاذة والساقطة والمنخلعة والمنحلة والمنفصلة عن مجتمعنا وندعي انها واقعية..ام ان الواقعية لا تعرف النماذج الايجابية والحيوية في مختلف مجالات الفكر والثقافة وصنوف الابداع سواء في داخل البلاد وخارجها فهناك نماذج رائعة وعقليات جبارة قادرة على الابتكار والابداع وتتقدم الصفوف وتناطح الكبار حتى في اصعب ميادين العلم واكثرها دقة.
احزنني اكثر ان تكون معظم وسائل الاعلام من فضائيات ووسائل تواصل اجتماعي ومواقع الكترونية غائبة عن مثل هذه المشاهد الحيوية المعبرة والايجابية وان تشغل نفسها والناس بمعارك وهمية او مصطنعة او تبحث عن حبة لتعمل منها قبة وتنبش في اضابير الكتب الصفراء وتجتر قضايا عفا عليها الزمن او قتلت بحثا او ليس هناك مجال لعرضها الان.
شاركت في لقاء فكري ثري ضمن برنامج المكتبة الأدبية بفعاليات المعرض لمناقشة الاصدار الجديد او التغريبة الجديدة للزميل شريف قنديل بعنوان” الظل والرحيل والنيل” واداره الكاتب الصحفي الكبير محمد الزرقاني وشارك فيه الزميل العزيز علي حسن رئيس تحرير ورئيس مجلس ادارة وكالة انباء الشرق الاوسط والناقدة الادبية د.نهى الرميثي والفنان د.طارق الكومي
قضايا كثيرة مهمة اثارها الكاتب والكتاب خاصة ما يتعلق بقضية الانتماء وحب الوطن والارتباط بالجذور في القرية المصرية والتى نجح الكاتب في ان يقدم من خلال كتاباته نموذجا حيويا وفعالا في ارتباطه بقريته رملة الانجب منوفية وكيف كانت ملهمة بكل عناصرها وشخوصها على اختلاف مشاربهم وانماطهم وتمكن من صياغة هذا التفاعل الوجداني باسلوب بديع وقدم لوحات فنية تعكس جمال الريف والقرية وعلاقات ابنائها.
ولعله هنا يواصل مسيرة كبار الادباء الذين تعلقوا بقراهم وصوروها في كتاباتهم واعمالهم الابداعية وهم في بلاد الغربة من امثال الدكاترة زكي مبارك ابن سنتريس والتى تقع على مرمى حجر من رملة الانجب.
قضية اخرى اثارتها تغريبة شريف قنديل خاصة بالرثاء حيث قدم معزوفة تفيض وجدا وحبا وشوقا وانينا ووجعا في وداع الراحلين من الاصدقاء والاقرباء من ارتبط بهم من ابناء قريته خاصة ورفاقه في الحياة..ولعله بما قدم من مرثيات يعيد بعضا من الحياة والحيوية لهذا الفن والركن الاصيل في الادب العربي في عصر فقدنا فيه القدرة على البكاء وان نرثي أنفسنا ورموزنا بما يليق بمقامهم ومكانتهم ونقدم ما يخلد ذكراهم للاجيال.
وبما أن الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب تحتفي بالاديب الكبير يحيى حقي وعبد التواب يوسف كشخصيتي المعرض تحت شعار “هوية مصر الثقافة وسؤال المستقبل”لم يفت الكاتب الاشارة الى ارتباطه بيحي حقي والحوار الذي اجراه معه ونشر في جريدة الجمهورية في بداية مشواره الصحفي.
وفيما بدا انه تحية للأديب عبد التواب يوسف رائد ادب الاطفال جاء تدشين الكتاب الاخر لشريف قنديل بعنوان لافت:”رسالة الى حفيدي زين: اسمها فلسطين”..في لفتة مهمة للتذكير بالقضية الفلسطينية قضية القضايا وضرورة ن تظل حية في اذهان الاجيال الصاعدة .شارك حفل التدشين ممثل لسفارة فلسطين بالقاهرة..
استوقفنى اثناء الجولة في المعرض الاجنجة الخاصة بوزارة الثقافة والجهات التابعة لها كهيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة والمركز القومي للترجمة على سبيل المثال والزحام الشديد والاقبال على السلاسل الشهيرة مثل الذخائر ومكتبة الاسرة وذاكرة الكتابة وغيرها ورغم تاكيدات الموظفين في ردودهم على اسئلة واستفسارات الجمهور بان الكتب مدعمة وتباع بالاسعار المكتوبة عليها ولا تخفيضات الا ان بعضها بالفعل سعرها مرتفع على القارئ العادي البسيط وبعضها مناسب.. وهو ما يؤكد اهمية هذا الدور الحيوى لنشر الاعمال الجادة والفكرية المهمة والتى تلقى اقبالا كبيرا وضرورة ان يتم طباعتها بأعداد تلبي حاجة القارئ المتعطش للقراءة لا ان يتم طبع بضع نسخ كاثبات حالة كما يقولون ..وبأسعار تناسب القدرة الشرائية للشباب والطلبة عموما وهم اكثر الشرائح المستهدفة في العملية الثقافية . الامر الذي يوجب اعادة النظر في اسعار بعض السلاسل الشعبية المهمة مثل مكتبة الاسرة والحفاظ على استمراريتها وحيويتها.
ما يحدث في المعرض هو استفتاء حقيقي على اهمية الاصدارات الجادة والحاجة اليها بالفعل وهي رسالة مهمة للقائمين على امر الثقافة والنشر عموما اذا كنا بالفعل جادين في اثراء حركة الوعي والمساهمة في عملية التنوير وخلق حالة من الحراك والتفاعل الثقافي على الساحة.
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com