مبادرات روسية-صينية .. للاستغناء عن العملة الأمريكية..!!
مؤسسات وهياكل مالية .. تتفادى العقوبات .. وتقوض مكانة الدولار..!!
بكين تنوع احتياطي عملاتها الأجنبية .. وتشجع التعامل باليوان
نسخة روسية لنظام سويفت .. وبديل آخر لـ”فيزا” و”ماستركارد”
الاتحاد الاقتصادي الأوراسي .. يعتمد عملة جديدة للتبادل التجاري!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
عشية سفر الرئيس الأمريكي، جو بايدن إلى أوروبا، لحضور ثلاث قمم مع قادة الناتو وقادة الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول السبع G7، وزيارة بولندا، بادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالإعلان عن تحصيل ثمن البترول والغاز بالروبل الروسي وذلك من الدول المعادية لروسيا، الأمر الذي أدى لارتفاع قيمة الروبل بعد أن كانت قد شهدت تدهورًا كبيرًا. ويأتي التحرك الروسي في إطار الحرب الاقتصادية الدائرة بين حلف الناتو والغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وبين الاتحاد الروسي من جهة أخرى.
وكانت روسيا قد وضعت خططًا لتفادي آثار عقوبات بايدن وحلفائه على النخبة والشركات الروسية بهدف شل الاقتصاد الروسي وفرض تغيير المسار. لكن حتى الآن، فشلت هذه الإجراءات في إجبار روسيا على قبول وقف إطلاق النار أو الانسحاب. ومن هنا اضطر قادة الناتو لفرض مزيد من العقوبات، وإن كان معظمها على الشخصيات لكن الأهم هو فرض حظر على التعامل مع الذهب الروسي الذي تسعى موسكو لبيع احتياطاتها الضخمة منه للتغلب على آثار العقوبات.
ويبقى أن نرى ما الذي سيفعله بوتين -إذا، ومتى -أثارت العقوبات استياء شعبيًا أكبر في روسيا. لكن هذه العقوبات قد تأتي بنتائج عكسية، فاستعراض بايدن القوة الاقتصادية الأمريكية لن يؤدي إلا لتشجيع روسيا وخصوم واشنطن الآخرين، ولا سيما الصين، على حرمان الولايات المتحدة من القوة ذاتها التي تجعل العقوبات مدمرة للغاية.
كانت روسيا والصين قد عجلتا بالمبادرات الرامية إلى “إزالة الدولار” من اقتصاداتهما، وبناء مؤسسات وهياكل مالية بديلة تحمي نفسها من العقوبات وتهدد مكانة الدولار الأمريكي كعملة مهيمنة في العالم.
ويشير تقرير كتبه مهايلا بابا وزونجيوان زوي ليو، في دورية فورين أفيرز الأمريكية، إلى أن روسيا قد تكون هي المدافع الأكثر صراحة عن التخلص من نير الدولار، وتحظى أجندتها بقبول كبير بين القوى الكبرى. كما أن التزام الصين بتنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية، وتشجيع المزيد من المعاملات باليوان، وإصلاح نظام العملة العالمي من خلال تغييرات في صندوق النقد الدولي، تعزز استراتيجية روسيا.
كذلك يحفز تدهور العلاقات الأمريكية-الصينية بكين على الانضمام لموسكو في بناء نظام مالي عالمي موثوق به، يستبعد الولايات المتحدة. مثل هذا النظام سيجذب الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية. وقد يجذب حلفاء واشنطن الرئيسيين الذين يأملون في الترويج لعملاتهم على حساب الدولار.
في عام 2012، أعرب نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف عن قلق روسيا بشأن هيمنة الدولار على التجارة الدولية. عقب فرض العقوبات على روسيا التي استهدفت العديد من البنوك الروسية الكبيرة، وكذلك قطاع الطاقة. وبعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وسَّعت إدارة أوباما دائرة العقوبات لتشمل الشركات والشركات الدفاعية والأثرياء من أنصار بوتين.
أمام ذلك أطلقت الحكومة الروسية نظامين مهمين من البنية التحتية المالية لدرء العقوبات والحفاظ على استقلاليتها المالية إذا تم حرمانها من نظام SWIFT والذي يسمح للبنوك بإرسال رسائل إلى بعضها البعض. كان أحدهما نظام دفع وطنيًا مستقلًا، يعمل كبديل روسي لمنصات الدفع مثل فيزاVisa وماستركارد Mastercard. والآخر يسمى نظام تحويل الرسائل المالية، أوSPFS ، وهو النسخة الروسية من SWIFT.
أصبح نظام SPFS يعمل بكامل طاقته في عام 2017. وفي ديسمبر 2021، كان لدى هذا النظام 38 مشاركًا أجنبيًا من تسع دول. وبحلول مارس الحالي، أصبح يضم أكثر من 399 مستخدمًا، بينهم أكثر من 20 مصرفاً في بيلاروسيا، ومصرف Arshidbank الأرميني، وبنك قيرغيزستان الآسيوي. وتتمتع الشركات التابعة للبنوك الروسية الكبيرة في ألمانيا وسويسرا، وهما أهم مركزين للقوة المالية في أوروبا، بإمكانية الوصول إلى نظام SPFS. وتتفاوض روسيا حاليًا مع الصين للانضمام إلى النظام. ورغم العقوبات، تتيح هذه البنية التحتية المالية البديلة للشركات والأفراد الروس الاحتفاظ ببعض الوصول للأسواق العالمية.
ويقول تقرير الفورين أفيرز: منذ عام 2018، خفض بنك روسيا أيضًا بشكل كبير حصة الدولارات في احتياطيات النقد الأجنبي لروسيا وذلك بشراء الذهب واليورو واليوان. كما سحبت موسكو الكثير من احتياطياتها من سندات الخزانة الأمريكية؛ وبين مارس ومايو 2018، خفض بنك روسيا حيازته من سندات الخزانة الأمريكية من 96.1 مليار دولار إلى 14.9 مليار دولار. في أوائل عام 2019، خفض البنك حيازته من الدولارات الأمريكية بمقدار 101 مليار دولار، أي أكثر من نصف أصوله الحالية. في عام 2021، بعد أن فرضت إدارة بايدن عقوبات جديدة على موسكو، أعلنت موسكو قرارها بإزالة الأصول الدولارية بالكامل من صندوق الثروة السيادية الوطني البالغ قيمته 186 مليار دولار.
منذ بداية ولايته الرئاسية الرابعة عام 2018، تعهد بوتين بالدفاع عن السيادة الاقتصادية لروسيا ضد العقوبات الأمريكية. في أكتوبر 2018، دعمت إدارة بوتين خطة للحد من تعرض روسيا للعقوبات الأمريكية المستقبلية وذلك باستخدام عملات بديلة في التجارة الدولية. بذلك توقفت شركات الطاقة الروسية الكبرى عن استخدام الدولار الأمريكي. وفي 2015 باعت شركة غازبروم نفت، جميع صادراتها للصين باليوان. وفي 2019حولت شركة روسنفت، أكبر شركة نفط وغاز روسية، جميع عقود التصدير من الدولار الأمريكي إلى اليورو. وقد حل اليورو بالفعل محل الدولارفي التجارة بين الصين وروسيا. تكشف بيانات بنك روسيا أنه بنهاية عام 2020، تم تسوية أكثر من 83% من الصادرات الروسية للصين باليورو. وفي الشهر الماضي، وقعت روسيا والصين عقدًا مدته 30 عامًا ويقضي باستخدام اليورو في مبيعات الغاز عبر خط أنابيب جديد يربط بين البلدين وسيبدأ العمل خلال عامين إلى ثلاثة أعوام.
وتستعد روسيا حاليًا لإطلاق عملة مشفرة مدعومة من الدولة للالتفاف على الدولار.
قد تكون مبادرات روسيا، للهروب من قبضة الدولار، دفاعية بطبيعتها، لكنها عملت أيضًا مع دول أخرى لتقويض هيمنة الدولار. وتمثل هذه التحالفات تهديدًا طويل الأمد لدور الدولار في التجارة الدولية، وتحديًا للقيادة العالمية للولايات المتحدة.
عززت الرغبة المشتركة لتقليل الاعتماد على الدولار العلاقة بين روسيا والصين. كما أن مقايضات العملات الثنائية بين البنكين المركزيين ساعدت روسيا على تجاوز العقوبات الأمريكية في عام 2014 وتسهيل التجارة الثنائية والاستثمار.
في 2019، رفعت الصين علاقاتها مع روسيا إلى “شراكة تنسيق استراتيجية شاملة لعصر جديد”، وهي أعلى مستوى في العلاقات الثنائية الصينية. بعد ذلك، استثمر البنك المركزي الروسي 44 مليار دولار في اليوان، فزادت حصته في احتياطيات النقد الأجنبي لروسيا من خمسة إلى 15% أوائل عام 2019. تبلغ حيازات اليوان الروسية عشرة أضعاف المتوسط العالمي وتشكل ما يقرب من ربع احتياطيات اليوان العالمية.
وفي عام 2019، وقعت الصين وروسيا اتفاقية تزيد استخدام عملتيهما الوطنيتين في التجارة عبر الحدود إلى 50٪.
سمحت حكومة موسكو لصندوق الثروة السيادية الروسي بالاستثمار في احتياطيات اليوان والسندات الحكومية الصينية. ويأمل صانعو السياسة الصينيون أن تساعد الشراكة مع روسيا في توسيع البنية التحتية المالية القائمة على اليوان، بما في ذلك المنافس الصيني لنظام SWIFT ونظام الدفع بالبطاقات المصرفية المنافسة، وبالتالي تعزيز مكانة اليوان كعملة احتياطية وتعزيز الاستقلال المالي للصين.
ويمضي تقرير الفورين أفيرز: إن بوتين يسعى لتوسيع هذه البنية التحتية المالية البديلة من خلال تعاملات روسيا مع الدول الأخرى. في عام 2019، ربطت إيران وروسيا أنظمة الرسائل المالية الخاصة بهما، وبالتالي تجاوزتا نظام SWIFT من خلال السماح للبنوك في كلا البلدين بإرسال رسائل المعاملات عبر الحدود. وناقشت روسيا وتركيا استخدام الروبل والليرة التركية في التجارة عبر الحدود. قدمت روسيا نسختها من SWIFT للبنوك في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (شراكة بين خمس دول ما بعد الاتحاد السوفيتي) وأعربت عن اهتمامها بتوسيعها إلى دول في العالم العربي وأوروبا.
وذكر تقرير كتبه بيبي اسكوبار على موقع جلوبال ريسيرش، أنه، بعد اجتماع عبر الفيديو، وافق الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) والصين، منتصف هذا الشهر على وضع آلية لنظام نقدي ومالي دولي مستقل. ويضم هذا الاتحاد كلًا من روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وبيلاروسيا وأرمينيا. وهو يؤسس لاتفاقيات تجارة حرة مع دول أخرى من أوراسيا، ويتواصل بشكل تدريجي مع مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI). وستتم مناقشة المسودة الأولى نهاية هذا الشهر(مارس).
سيعتمد النظام الأورواسي على “عملة دولية جديدة”، على الأرجح اليوان كمرجع، محسوبًا كمؤشر للعملات الوطنية للدول المشاركة، بالإضافة إلى أسعار السلع.
لا بد أن يصبح النظام الأورواسي بديلاً جادًا للدولار الأمريكي، حيث أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي قد يجتذب ليس فقط الدول التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق (كازاخستان، على سبيل المثال، عضو في كليهما) ولكن أيضًا اللاعبين الرئيسيين في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) وكذلك الآسيان.
وقد سعت روسيا لحشد المزيد من الدعم لإزالة الدولرة في المنتديات متعددة الأطراف مثل مجموعة البريكس، التي تضم البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، ومنظمة شنغهاي للتعاون. وقام بنك التنمية الجديد التابع لبريكس بجمع الأموال بالعملات المحلية كجزء من هدفه المتمثل في “الابتعاد عن طغيان العملات الصعبة”. وفي عام 2020، شدد أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على أهمية استخدام العملات الوطنية في التجارة بين بعضهم البعض وناقشوا إنشاء بنك تنمية وصندوق تنمية. يمكن لروسيا والصين استخدام هذه المنتديات لإنشاء تحالف واسع لإزالة الدولرة مع وعد بمزيد من الاستقلال المالي للجميع.
لكن إيزابل لوتس، ترى في تحليل على موقع كونفرسيشن، أنه قبل أن يتمكن اليوان من توسيع دوره كعملة احتياطية بارزة، سيتعين على الصين الامتثال لبعض المتطلبات التنظيمية. والأهم من ذلك، سيحتاج بنك الصين الشعبي إلى تخفيف ربط عملته بالدولار الأمريكي والعملات العالمية البارزة الأخرى. وتضيف انه، نظرًا لأن العالم أصبح أكثر انقسامًا بسبب الحرب الحالية، فقد يصبح اليوان الصيني ملاذًا آمنًا لروسيا وغيرها من الدول المماثلة.
ومن المهم قراءة كلام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في القمة الدبلوماسية في أنطاليا، قبل أسبوعين، على أنه اعتراف مستتر بأن موسكو ربما لم تكن مستعدة تمامًا لمواجهة المدفعية المالية الثقيلة التي نشرها الأمريكيون:
“سنحل المشكلة بعدم الاعتماد، من الآن فصاعدًا، على شركائنا الغربيين، سواء أكانوا حكومات أو شركات تعمل كأدوات للعدوان السياسي الغربي ضد روسيا. سوف نتأكد من أننا لن نجد أنفسنا مرة أخرى في وضع مماثل وألَّا أحد من فريق العم سام ولا أي شخص آخر يمكنه اتخاذ قرارات تهدف إلى تدمير اقتصادنا. سنجد طريقة للقضاء على هذا الاعتماد، كان يجب أن نفعل ذلك منذ فترة طويلة “. هذه ليست مشكلة، لن تُجبر روسيا على ممارسة الاكتفاء الذاتي أو الاعتماد على الاقتصاد المغلق، فهي ليست بحاجة إلى ذلك. هناك قائمة ضخمة من الدول لا تفرض عقوبات على روسيا، وهي مستعدة للقيام بأعمال تجارية مع موسكو.
ويلفت إسكوبار، في تحليله، إلى أن إيران أظهرت كيفية القيام بذلك. أكد التجار الإيرانيون لموقع The Cradle أن إيران تبيع ما لا يقل عن 3 ملايين برميل من النفط يوميًا حتى الآن، رغم عدم وجود اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة (قيد التفاوض حاليًا في فيينا). يعاد تصنيف النفط وتهريبه ونقله من الناقلات في جوف الليل.
وهناك مثال آخر: شركة النفط الهندية(IOC) ، اشترت للتو 3 ملايين برميل من الأورال الروسية من التاجر “فيتول” لتسليمها في مايو. لا توجد عقوبات على النفط الروسي -على الأقل حتى الآن.
الصين أيضًا في مرمى النيران، وما حدث لروسيا هو بروفة لما يمكن أن يحدث للصين. من الأفضل أن ينكسر الدولار عاجلاً وليس آجلاً في ظل هذه الظروف. لأن الرافعة المالية هي الأعلى الآن “.
يشير اسكوبار إلى أن الحديث حول “تحطيم الأسواق الروسية”، وإنهاء الاستثمار الأجنبي، وتدمير الروبل، و”الحظر التجاري الكامل”، وطرد روسيا من “المجتمع الدولي”، وما إلى ذلك، كل هذه الثرثرة هدفها دغدغة مشاعر جماهير المتفرجين. لقد ظلت إيران تتعامل مع نفس الشيء منذ أربعة عقود، ومع ذلك نجت.
في الوقت نفسه، تدرس المملكة العربية السعودية قبول اليوان الصيني -وليس الدولار الأمريكي -لبيع النفط للصين. نهاية البترودولار أوشكت وهذا هو المسمار المعتمد في نعش الدولار المهيمن الذي لا غنى عنه.
لكن كارلا نورلوف، تقول في تحليل لهاموقع فورين أفيرز، إن العقوبات المالية كان لها أيضًا تداعيات أوسع على المجتمع الروسي، حيث تدافعت الشركات الأجنبية وشركات الترفيه والخدمات من أجل الخروج. يشمل انسحاب الشركات جنرال موتورز، بوينج، يو بي إس، فيديكس، فيزا، ماستركارد، آبل، نايك، إيكيا، كندا جوس، أسوس، دايملر، أديداس، كوكا كولا، وماكدونالدز، بالإضافة إلى شركات النفط الكبرى بي بي وشل وإكسون. وإكوينور وإيني.