كتب عادل ابراهيم
توقع أبوبكر الديب مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في العلاقات الدولية والإقتصاد السياسي، أن يكون شهر ديسمبر المقبل بداية تراجع عاصفة الأسعار بمصر والعالم.
وقال إن الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها جائحة كورونا، مرورا بأكثر من 6 آلاف عقوبة اقتصادية غربية من أمريكا وحلفاءها الأوروبيون علي روسيا، أشعلت أزمة اقتصادية عالمية ساهمت في اشتعال أسعار كل شئ ما بين الطاقة والغذاء والمعادن وأضرت بسلاسل الإمداد وعمليات الشحن وتنذر بمجاعات في بعض الأماكن الفقيرة بالكرة الأرضية وارتفعت مستويات التضخم بشكل غير مسبوق منذ عقود ولم يقتصر الأمر علي دولة بعينها بل شملت كل العالم.
وأضاف أنه في مصر أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أبريل الماضي، أن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية سجل 12.1 % لشهر مارس 2022 مقابل 4.8 % للشهر نفسه من العام السابق وفي بداية مايو الماضي، أعلن الجهاز ارتفاعا جديدا لمعدلات التضخم في أبريل الماضي لتصل إلى 14.9% مقابل 4.4 % لنفس الشهر العام الماضي، مسجلا بذلك ارتفاعا قدره 3.7 % عن شهر مارس 2022.
وأكد أنه وسط توقعات بأن يواصل معدل التضخم العالمي والمحلي الارتفاع خلال الأشهر المقبلة بسبب استمرار الأزمة الأوكرانية وتأثيرها على أسعار الطاقة والسلع والخامات في الأسواق العالمية يتساءل الناس متي تهدأ عاصفة الأسعار التي أحرقت جيوبهم؟.. والإجابة عن هذا السؤال صعبة في ضوء تسارع الأحداث لكن هناك مشؤرات تدعوا الي أن يشهد شهر أغسطس المقبل ذروة الموجة التضخمية ثم يبدأ في الانخفاض بشكل تدريجي خلال الشهور التالية وخاصة في مصر التي يعد التضخم فيها مؤقتا نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والإمدادات عالميا فضلا عن اتباع الدولة سياسة توفير السلع الغذائية والحاصلات الزراعية ضمن برنامج زراعة مليون ونصف المليون فدان ومشروع الصوب الزراعية وزيادة المزارع السمكية والثروة الحيوانية، متوقعا أن تتراجع الأسعار بشكل تدريجي في شهر ديسمبر.
وقال إنه مما يدعو للتفاؤل بانخفاض أسعار الطاقة والنفط أعلان الدول المنتجة للنفط في “أوبك+”، يوم الخميس الماضي، عن زيادة أكبر مما كان متوقعا في إنتاجها هذا الصيف، في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا يوم 24 فبراير، حيث أعلن ممثلوا الدول الثلاث عشرة الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وشركاءهم العشرة (أوبك+) أنهم اتفقوا على تعديل إنتاج يوليو بزيادة 648 ألف برميل يوميا، مقارنة بـ 432 ألف برميل حددت في الأشهر السابقة.
وذكر أنه لا ينعكس ارتفاع الدولار الجمركي في مصر علي المستلزمات المستخدمة في قطاع التشييد والبناء، بشكل كبير أو مؤثر حيث أن سوق مواد البناء يعتمد في الأساس على مواد معظمها محلية فيما عدا الحديد والدهانات التي يتم استيراد خاماتها من الخارج أما باقى المنتجات فمعظمها محلية كالأسمنت والطوب والرمل والزلط، كما أن منتجات مواد البناء المحلية تكفى احتياجات المستهلك خاصة الرخام والسيراميك.
وقال الديب إن قرار رفع الدولار الجمركي جاء لأسباب ثلاث منها احداث نوع من أنواع الاستقرار في الأسواق المحلية، خاصة أسعار السلع المستوردة من الخارج بعد رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة مرتين متتاليتين ما أعطي قوة للعملة الأمريكية وقرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري الاخير برفع أسعار الفائدة وهذا القرار من شأنه توفير بعض السيولة للمستوردين كما أن تحديد سعر للدولار الجمركي يهدف لعدم رفع قيمة الرسوم على البضائع المستوردة من الخارج وبالتالي عدم رفع أسعارها بالسوق المحلي، وانه سيساعد في تقليل الإنفاق من الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي وتقليل الطلب على الدولار خلال الفترة المقبلة، مضيفا أن تحديد سعر الدولار الجمركي هو محاولة لحماية الأسواق المحلية المصرية من التضخم العنيف وإرساء استقرار سعري أكبر، وأن مصلحة الجمارك تراجع أسعار الدولار الجمركي بشكل شهري.
وذكر أن وزارة المالية أعادت في 22 مارس الماضي العمل بنظام الدولار الجمركي من جديد، بعد التوقف عن العمل به لمدة عامين بعد ارتفاع أسعار الدولار مقابل الجنيه عقب تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 قبل أن تتوقف عن التطبيق في سبتمبر 2019 بعد استقرار الأوضاع الاقتصادية في مصر، لكنها قررت العمل به من جديد بعد أن قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في جلسة استثنائية في 21 مارس الماضي، رفع أسعار الفائدة 1%.
وحددت الجمارك سعر الدولار الجمركي بـ 16 جنيها طوال شهر أبريل الماضى بعد خفض سعر الجنيه أمام الدولار في مارس في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وفي هذا الإطار شدد الديب على ضرورة زيادة الإنتاج والصادرات وتقليل عمليات استيراد السلع غير الضرورية وجعل الدولار موجها في المقام الأول إلى السلع الضرورية والأساسية التي تحتاجها البلاد.
ويمثل الدولار الجمركي سعر الدولار أمام الجهات الجمركية والذي تحدد على أساسه قيمة البضائع المستورة من أجل حساب الرسوم الجمركية بناء عليه وهو لا يعبر بالضرورة عن القيمة الحقيقية للبضائع المستوردة وعليه فإن زيادة سعره تنعكس على أسعار تلك السلع وسينعكس رفع سعر الدولار الجمركي علي السلع بنسب متفاوتة فالتأثير الكبير علي السلع تامة الصنع.
وقال إنه توجد أسباب وراء ارتفاع الدولار مقابل الجنيه خلال الايام المقبلة منها ارتفاع الطلب مرة ثانية على العملات الأجنبية وخاصة الدولار الامريكي، بسبب عمليات الاستيراد من الخارج بعد رفع الفائدة من قبل البنك المركزي بواقع ٢٠٠ نقطة أساس بعد اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك لكبح جماح التضخم.
وذكر أنه من الأسباب أيضا، توقع السوق فتح شهادات ادخار بعائد اكبر من ١٨ % وهو مالم يحدث وتم وقفها فعدم طرح شهادات ادخار مرتفعة العائد تجذب السيولة من السوق بعد رفع البنك المركزي سعر الفائدة مرة أخرى بنسبة 2% ادي الي عودة شراء الدولار من جديد إضافة لاستمرار التضخم عالميا وزياد الطلب على الدولار وقوة العملة الأمريكية بعد رفع الفيدرالي للفائدة مؤخرا ما رفع سعره أمام الجنيه.
كما أثر استمرار الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية علي روسيا وتضرر سلاسل الإمداد وارتفاع فاتورة الواردات المصرية واغلاقات كورونا في الصين والإجراءات الحمائية بالهند أيضا علي تراجع الجنيه مقابل الدولار بحسب أبوبكر الديب الذي أكد أنه علينا ترك مساحة من الحرية للجنيه بالانخفاض مقابل الدولار الأمريكي للسيطرة على حركة انسحاب الأموال الساخنة من السوق المصرية وجذب مستثمرين جدد عرب وأجانب للدخول إلى السوق المصري في ظل منافسة كبيرة تشهدها أسواق السندات بعد رفع الفيدرالى الأمريكي سعر الفائدة مرتين متتاليتين والتي من المتوقع أن تتم رفعها أكثر من مرة خلال العام الجاري.
وقال إن المستوردين يعانون منذ فترة كبيرة من تضرر سلاسل الامداد وتوقف حركة النقل والشحن وزيادة أسعار الشحن والخامات بنسب كبيرة مما أثر علي حركة الاستيراد سواء سواء لمستلزمات الانتاج والخامات او السلع تامة الصنع، فيما يشهد سوق مواد البناء تراجعا عن شراء الحديد والأسمنت نتيجة ارتفاع أسعارهم بالفترة الأخيرة، قائلا ان المشروعات القومية العملاقة ومبادرة حياة كريمة حافظت علي استقرار السوق، لكنه من الصعب وضع أي توقعات لأسعار مواد البناء بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي لايعرف تحديدا متي ستتوقف.
وفي هذا الصدد يشيد الديب باجراءات البنك المركزي المصري بقيادة طارق عامر وأنها نجحت في امتصاص جزء من التضخم في السوق المصرية، متوقعا عودة سعر صرف الدولار الي التراجع مجددا خلال الاسابيع المقبلة، خاصة مع تنامي مصادر الدخل الدولارية ومنها تحويلات العاملين بالخارج، وإيرادات قناة السويس، والصادرات.
وسعت الحكومة المصرية – حسب مستشار المركز العربي للدراسات – لتأمين وارداتها من السلع الغذائية لاسيما القمح بعد أن تضررت هذه الواردات بشدة منذ بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث كانت واردات القمح الروسي والأوكراني تمثل نحو 80% من إجمالي واردات مصر والتي تصنف ضمن أكبر مستوردي القمح على مستوى العالم.. ووجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بزيادة مخزون السلع الاستراتيجية.. كما قررت وزارة التجارة والصناعة مؤخرا حظر تصدير مجموعة من السلع الغذائية الاستراتيجية بهدف توفير احتياجات السوق المحلية.
وقال إن مصر بدأت موسم الحصاد للقمح المحلي حيث تستهدف جمع نحو 6 ملايين طن فيما تخطط الحكومة للوصول بالمخزون الاستراتيجي من القمح إلى 9 أشهر إضافة لزيادة المساحة المزروعة بنحو مليون ونصف المليون فدان العام المقبل.
وكثفت الحكومة إجراءاتها لمواجهة ارتفاع التضخم، وكان آخرها قرار البنك المركزى برفع سعر الفائدة على عائد الإيداع والإقراض بواقع 200 نقطة أساس، كما تعمل الحكومة على احتواء أزمة العملة من خلال رفع قيمة الاحتياطي النقدي.
وأصبح اقتصاد مصر ثالث أكبر اقتصاد عربي، بعد السعودية والإمارات، والثاني افريقيا ويمتلك 10 نقاط قوة ما يجعل العام المقبل عام الإزدهار وشعور المواطن بالإصلاحات الإقتصادية.
وأشار إلي أن الإستثمارات الحكومية المستهدفة ضمن خطة العام المالي الجديد ستسرع من معدلات تنفيذ المشروعات القومية الكبرى، التي كلف بها الرئيس عبد الفتاح السيسي ولا سيما المشروع القومي لتطوير القرى المصرية، مشيرا إلى أن هذه الإستثمارات ستنعش قطاعات الصحة والتعليم وتحمي الإقتصاد من التداعيات السلبية لكورونا.
كما أكد أن ضخ استثمارات ضخمة تأتي استكمالا لما حققه برنامج الإصلاح الإقتصادي الذي بدأت فيه الحكومة قبل 5 سنوات، وذلك من خلال الحفاظ على المكتسبات التي تحققت في المؤشرات الإقتصادية وبيئة الأعمال، حيث أطلقت الحكومة البرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية، والذي يركز على إعادة هيكلة وتطوير العديد من القطاعات بما يحقق التنمية المستدامة للإقتصاد المصري إلى التنافسية عالميا دون المساس بالوضع المادي للمواطن المصري، حيث يمكن للخطة توفير ملايين فرص العمل في قطاع الزراعة، في ظل التحديات التي يواجهها العالم سواء ارتفاع النفط وتباطؤ حركة التجارة الدولية.
وذكر أنه لكي نسيطر علي التضخم وتحقيق تراجع في الأسعار علينا تفعيل دور الرقابة علي الأسواق لمنع احتكار السلع وتسهيل دخول منتجين جدد للأسواق التجارية وفتح المنافسة وتحقيق التوازن بين الاستهلاك والإنتاج وترشيد الاستهلاك وزيادة الإنتاجية، والتحول إلى الاستثمارات ودعم الصناعة والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر والقطاعين العام والخاص وزيادة الصادرات وتقليل الاستيراد.
وقد بدأت أزمة التضخم العالمي – حسب أبوبكر الديب – مع اندلاع الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وتعمقت بعد أزمة كورونا التي ألقت بظلالها على كل الأسواق والشركات الكبرى، وتركت آثارا على سلاسل الإمداد والتوريد، وعلى قدرات الأسواق في التوازن بين العرض والطلب، ومع بداية التعافي اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، فضلا عن التغيرات المناخية وحدوث فيضانات وجفاف وحرائق في مناطق عدة من العالم ما جعل الأزمة مركبة.