فنحن في عصرٍ انتشرت فيه الفِتَن؛ فتنة الشُّبهات والشَّهوات، في البيوت والشوارع، وفي البرِّ والبَحر، وفي السمعيات والمَرئيات. القرين السوء قد يقودُ المرء إلى النار، فالانحرافُ في مرحلة الشّباب خطيرٌ، فمنحرفُ اليوم هو مجرمُ الغدِ، ما لم تتداركه عنايةُ الله، ولذلك حث نبينا صلى الله عليه وسلم على اغتنام مرحلة الشباب قبل المشيب، فقال لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظهُ : ” اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس ، شَبَابك قَبْل هَرَمك ، وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك ، وَغِنَاك قَبْل فَقْرك، وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك ، وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك ” رواه الحاكم ،
أداه النظام الإعلامي العالمي في نشر العنف على نطاق واسع، على غرار نشر مبادئ النظامين العالميين: السياسي والاقتصادي. كما يكشف عن دور الولايات المتحدة الأمريكية في استغلال الإعلام كوسيلة لتكريس النموذج الثقافي الأمريكي على صعيد العالم المصنع وعلى مستوى البلدان السائر في طريق النمو وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وما يعرف عن النموذج الثقافي الأمريكي هو تميزه بالعنف لكونه ينبني على سلوكيات عنيفة وأبرز المؤشرات الدالة على ذلك هي معدلات الجريمة المرتفعة في المجتمع الأمريكي ومستوى حيازة الأسلحة النارية في المنازل. وإضافة إلى هذه الخصائص المميزة للنموذج الثقافي الأمريكي يضاف شكل آخر من أشكال العنف ويتمثل في ممارسة ومساندة إرهاب الدولة على مرأى من العالم، وليس هناك دليل أوضح مما يحدث اليوم على أرض فلسطين المحتلة.
والغنيمة لا تكون إلا لشيء يُخشى فواته وضياعه إن لم يُتدارك ويستغل. وقد خُصت هذه المرحلة بالمسؤولية والسؤال عنها يوم القيامة، فروى الترمذي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ.”
ومما لا شك فيه أن الواجب في هذه المجتمعات مشترك بين المسلمين جميعا شباباً وشيوخاً ، ولكن خُص الشباب بالذكر لأنها مرحلة مهمة جداً في حياة المسلم نفسه ، وفي حياة المجتمع، فهم الذين يقومون بالواجب بعد رحيل الجيل الذي سبقهم .
إن الشباب لو عرفوا قيمة الوقت لما ضيعوا جميع أوقاتهم سُدى بين اللهو والفوضى؛ ففقدان الإيمان بالله والثقة به أدى إلى موت كثير من الشباب الذين يهاجرون عن طريق البحر متجهين إلى الغرب طمعًا في كسب المال، وأدَّى بالشابات إلى بيع شرفهنَّ مِن أجل دريهمات تسقط في أيديهنَّ. فالعلم أساس المعرفة، فلا يُمكن الإصلاح إلا بالمعرفة، وكثير مِن الشباب اعتقدوا أن المال غاية وليس وسيلة؛ لذا قدموا المال على العلم، وقدموا قوة البدن على قوة العقل، فصاروا أمة اللاعبين، ونحن أمة (اقرأ)،
وقد كنا أمة القراء فصرْنَ أمَّة اللاعبين. وهنا يأتي دور الأولياء؛ كالآباء، والحكومة، والمعلِّمين، فيجب مراقبة الشباب قبل أن تَزِلَّ أقدامهم بعد ثبوتِها؛ لأنهم اهتمُّوا بتربية العقول بالعلوم، والأجسام بالطعام والملابس، ونسُوا الأخلاق، متى فسد هؤلاء الشباب – لا قدَّر الله – فهل يُرجى مُستقبل منير للمجتمع أو الأمة أو الأحفاد؟!الجواب: لا، وألف لا.
و تعد ظاهرة الانحراف من الظواهر القديمة والمنتشرة في كل المجتمعات، ولكنها تختلف مع ذلك في الدوافع والأسباب المؤدية إليها، تبعا لاختلاف محددات السلوك والمعايير والقيم السائدة في المجتمع، وكذلك الوضع الاقتصادي والثقافي.
وقد اتفق علماء الاجتماع أن ظاهرة الانحراف تعد من المعوقات الوظيفية للنسق الاجتماعي، حيث تتضح خطورتها وأهمية دراستها، من خلال تعدد الجوانب المرتبطة بها، خاصة إذا تعلق الأمر بالأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الرشد، وتورطوا في قضايا منافية للعرف والمعايير والأخلاق والقانون، حيث أصبحت ظاهرة انحراف هؤلاء الأطفال(الأحداث)، مشكلة اجتماعية خطيرة سواء تعلق الأمر بالحدث نفسه أو بالمجتمع المحيط به، فهو يشكل خطرا على نفسه عندما يتعرض لمقاومة المجتمع والأسرة وعدم تقبل سلوكياته، الشيء الذي يعرضه لمشكلات نفسية خطيرة تزيد من إحباطه وشعوره بعدم التقبل من الآخرين، وهو خطر على المجتمع
لأنه أصبح يشكل مصدرا للقلق والاضطراب لمؤسسات المجتمع ونظمه وأفراده أيضا، كما تتمثل خطورة هذه الظاهرة في عدم قدرة الحدث على إقامة علاقات سليمة مع الغير لإحساسه الدائم بأنه منبوذ و غير مرغوب فيه من طرف جماعته الأولية ( الأسرة) أو في المجتمع الكبير.
و عليه، فإن ظاهرة انحراف الأحداث من الظواهر الاجتماعية التي تهدد استقرار النظم الاجتماعية، وكذلك حياة الأفراد الشخصية، حيث تعكس مجموع الاختلالات التي تحدث على مستوى الأبنية والوظائف الاجتماعية، خاصة داخل الأسرة التي تعد البناء الاجتماعي الأكثر أهمية وحساسية في حياة الفرد، فهي مصدر التربية والتنشئة الاجتماعية، وهي منبع الرعاية والاهتمام، وهي المحدد والموجه لسلوك الأبناء، هذا إلى جانب التأثير الكبير للوسط الاجتماعي.
للتفكك الأسري وغياب دورها آثاراً خطيرة ، لأن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى في التصور الإسلامي ، وفي هذه الوحدة تنشأ الأجيال ويربى الأبناء فإذا كانت تنهض على دعائم راسخة من القيم الصحيحة التي تجعل من أفرادها جسداً واحداً وبنياناً مرصوصاً فإن ذلك يثمر أطيب الثمرات في حياة الأسرة والمجتمع ،
أمَّا إذا كان تلك الوحدة قد انفرط عقدها ، وكان القلق والصراع والنشوز غالبا عليها فإن ذلك يرتد على كل أفراد الأسرة بآثار تطبع حياتهم بطابع الاضطراب والانحراف ، ويكون لهذ أثره السلبي على المجتمع ،
لأن الأسر هي الخلايا الأولى التي يتكون منها جسم المجتمع وبصلاحها يصلح هذا الجسم ، وبفسادها يدب إليه السقم والانحلال ، فالأبناء الذين ينشئون في أسرة مفككة مفرقة ، لا تعرف بين أفرادها إلا النفور والكراهية ، ولا تكون نشأتهم طبيعية بل تترسب في أعماقهم مشاعر الكراهية من الحياة والأحياء ، ويتمثل ذلك في الانحراف والتمرد على القيم والنظم والقوانين وإدمان الموبقات ، وتعاطي المخدرات ، وقد أثبتت الدراسات أن ظواهر الإجرام والعنف وانحلال الأخلاق بل وتوتر العلاقات بين الدول ، وظهور القيادات التي كانت سبباً في نشوب الحروب المدمرة ، وحدوث القلاقل والمجاعات المهلكة مردها إلى أن الروابط النفسية في الأسر ضائعة
وأن أجيالاً تربت وترعرعت بعيداً عن مشاعر الحنان والمودة والرحمة والانسجام ، فانتكست فطرتها ، وانغمست في بؤر الفساد واستحوذ عليها حب الانتقام وإراقة الدماء ، والاستهانة بكرامة الإنسان فكل من ينشأ في أسرة مترابطة لا تعرف غير العواطف النبيلة والمشاعر الطيبة والتوجيه الحكيم والحنان الفطري تكون نشأته سوية تكسبه قوة في الجسم والعقل وتجعل منه في المستقبل طاقة مبدعة ،
ولهذا كان الأبناء الذين لا ينشئون في أسرة ولا يذوقون حنان الأبوين لا يتمتعون بما يتمتع به سواهم ممن شبوا في رعاية الوالدين مهما توفر لهم دور الرعاية الاجتماعية وملاجئ اللقطاء من أسباب الصحة الجسمية ، ومن هنا يبدو جلياً مدي خطورة تفكك الأسرة على مستقبل الأبناء وعطائهم للمجتمع إنَّ الجهل وقلة الفقه في الدين وكذا العجلة وترك الأناة هو الذي أوقع الكثير من الشباب في أخطاء لا تُحصى ولا تُعد اكتوت المجتمعات الإسلامية بنيرانها وأدت إلى قطع الصلات والأرحام بين كثير من الأسر ، واتُّهم الأبرياء بسببه بالكفر والفسق والظلم والعصيان ، من غير مجالسة العلماء المختصين في مجال الفتوى ومجالستهم في دور العلم المختلفة ، فالله نسأل أن يُفقه شبابنا وأن يُعيدهم إلى رشدهم إنَّه خير مسئول وبالإجابة جدير.
هذا العصر يمتاز بأنه عصر الإعلام وتدفق المعلومات وتعدد وسائل الاتصال وتطورها مما يجعل التحكم فيما تبثه من مواد إعلامية وفكرية وثقافية ومعرفية وتقنية ، إلخ أمراً بالغ التعقيد والصعوبة ، والإعلام سلاح ذو حدين إن أحسن استخدامه يكون إيجابياً وإلا فلا ,
فالأمر يتعلق بالقائمين عليه , إن اتقوا ربهم وصلحت نواياهم , واستقامت أهدافهم ، أصبح عاملاً مهماً من عوامل صلاح الفرد والمجتمع , بل والأمة فهو يتحدث عن قضاياها ويبث همومها ,
ويحافظ على ثوابتها , وينشر فكرها السليم ويغرس قيمها وأعرافها الفاضلة , وأخلاقها الحسنة , ويدعم قضاياها المصيرية , ويدافع عن مكتسباتها وثرواتها وخيراتها . . وباختصار فهو في هذه الصورة يحقق مصالح الدين والدنيا .
والعكس بالعكس ، وقد أجريت العديد من التجارب والدراسات عن تأثير الإعلام في سلوك ومعتقدات الأفراد، منها : الدراسة التي أجراها إبراهيم الشيخ وآخرون والتي استهدفت التعرف على نشاط وسائل الاتصال الجماهيري كالصحف والمجلات والإذاعة المسموعة والمرئية من ناحية وعملية التغيير الفكري في مصر