إن حماية النزاهة ومكافحة الفساد تستلزم برامج إصلاح شاملة تحظى بدعم سياسي قوي وتكتسب مضمونا أسبابها وتعاون الأجهزة الحكومية ومشاركة المجتمع استراتيجيا يقوم على تشخيص المشكلة ومعالجة ومؤسساته و إرساء المبادئ والقيم الأخلاقية للإدارة والمجتمع وتعزيزها والاستفادة من الخبرات الدولية.
وبما أن حماية النزاهة ومكافحة الفساد بجميع أشكاله من المبادئ الثابتة في الشريعة الإسلامية والأنظمة الدولية ، تستمد أنظمتها من مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية عنيت بحماية النزاهة والأمانة والتحذير من الفساد ومحاربته بكل صوره وأشكاله ، ومن هذا المنطلق حرصت المملكة على مشاركة المجتمع الدولي اهتمامه في محاربة الفساد من خلال حرصها على عقد الاتفاقيات وحضور المؤتمرات والندوات وتعزيز التعاون الدولي، إن التعليم حق من حقوق الإنسان، الغنى عنه في تعزيز التنمية والعدالة والقدرة على بث الأمل في النفوس وتشجيع روح المشاركة في المسؤولية ، من خلال السعي إلى مساعدة الطالب على تبني القيم والمبادئ ، ومن قبيل الكرامة والنزاهة والحرية والمساواة وعدم التمييز. ,
أساسيا في جهود محاربة الفساد وتعزيز ودعم حقوق الإنسان، ومن ثم يصبح مهما ،أن التعليم يلعب دور الأقصى درجة ، و أن ينعكس في المناهج الدراسية وكافة الممارسات التعليمية أن دور الهيئات الدينية يتجلى بتركيزها على البعد الروحي، وإيجاد أجيال تؤمن بأن قوة مجتمعها يكمن في العمل الجاد واحترام القوانين والأنظمة ونبذ الفساد بسائر أشكاله، وأنه مخالف للشرائع السماوية كافة؛ الأمر الذي يمكن من بناء منظومة اجتماعية مناهضة للفساد.
تُعْرَفَ النزاهة عند مرشد تيسير التجارة الصادر عن الأمم المتحدة بأنها سلوك الأفراد والمنظمات الذي يتبع حكم القانون. كما يمكن وضع النزاهة في إطار منظومة القيم والمسئولية التي تؤدي إلى الحفاظ على الموارد والممتلكات العامة واستخدامها بكفاءة، وما يتبع ذلك من تأصل لدى الفرد لقواعد الصدق والأمانة وعدم الإضرار بالأخرين.
ويُعد بناء النزاهة ومكافحة الفساد وجهان لعملة واحدة، حيث أن الفساد هو إساءة استخدام السلطة وتعظيم المصلحة الخاصة على العامة، في حين تعمل النزاهة على عدم استخدام السلطة والمصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.
وتعتبر مكافحة الفساد هي الأكثر تعقيداً حيث تتطلب إقامة الحواجز أمام الفساد عددا من الإجراءات تتضمن زيادة المحاسبة والشفافية، والتي تعني المساءلة لشاغلي المناصب العامة والخاصة كل أمام مؤسسته.
وتمثل نظم الحوكمة إحدى أدوات إخضاع المناصب العامة والخاصة لمستوى من التدقيق يتناسب مع المناصب التي يشغلونها، ومن خلال الشفافية التي توفر المعلومات. وإحدى الطرق التي يمكن من خلالها مساءلة المسؤولين هي الشفافية وتوافر المعلومات. فالشفافية والمساءلة تتيحان فرصاً أقل لإساءة استخدام النظم العامة. كذلك يمكن التفريق بين بعض أنوع النزاهة، أو انعدامها، فهنالك نوع يتعلق (بالفرد) وهو الذي يسيء السلوك في منظمة أو بيئة سليمة. ويعزى هذا النوع من الفساد لأسباب تعود للفرد نفسه مثل عوز في الأخلاق أو في المعتقدات الفردية والسلوكية، أو قد تكون حالة اضطرارية مؤقتة مثل حاجة عاجلة لمبلغ مالي كبير، أو أحياناً الخوف الناشئ عن تهديد بالعنف البدني والنفسي من قبل آخرين. أما النوع الثاني فيتعلق بـ (المنظمة) التي تسئ السلوك بشكل كبير، والأفراد الأسوياء فيها هم الاستثناء النادر. وهذا النوع من الفساد يكون عادةً انعكاسا لبيئة ثقافية واجتماعية معينة، أو حتى منظومة سياسية فاسدة. غير أن انعدام النزاهة ممارسة تتشارك فيها أطراف عدةً، وتتطلب مكافحة الفساد معالجة لكافة الأطراف المشاركة،
حيث أن معالجة طرف دون آخر لا يعزز من توافر النزاهة. لذلك يعتبر تعزيز النزاهة والشفافية أحد أدوات النمو الاجتماعي في الدولة، والتي تحتاج بجانب القوانين، إلى دور تؤديه الدولة والمجتمع المدني في تعزيز بما يُسمى “ركائز ثقافة النزاهة”.
وبها تُعد مساهمة القطاع الخاص والمجتمع المدني والأفراد في نظام النزاهة العامة أمرا حتميا يفضي إلى احترام قيم النزاهة العامة في تفاعلاتهم مع القطاع العام، باعتبار أن المحافظة على تلك القيم مسؤولية مشتركة، كما تُعد توعية المجتمع حول فوائد النزاهة العامة للحد من التغاضي عن والتسامح مع الانتهاكات لمعايير النزاهة العامة، والعمل على تنظيم قواعد وحملات لتعزيز التربية المدنية بشأن النزاهة العامة بين الأفراد والتنظيمات.
ويجب استبدال الثقافة التي تميل إلى الكتمان بأخرى تتسم بالشفافية والمساءلة، التي ينبغي تحويلها تدريجيًا إلى ثقافة الشفافية والإبلاغ من أجل ردع ممارسات الفساد والحكم الذي تعوزه الفعالية والكفاءة. ، وذلك بالتوافق مع دور المجتمع المدني في تعزيز الحوكمة وقيم النزاهة والشفافية في قطاع الأعمال للارتقاء بمستوى التنافسية،
وذلك من خلال إطلاق المؤسسات والمنظمات غير الحكومية للمبادرات المتمثلة في الورش والندوات المتخصصة في هذا المجال، وكذلك بالدراسات والأبحاث الأكاديمية التي تستهدف الأفراد في مختلف مؤسسات المجتمع والأنشطة الإعلامية التي تسهم في نشر ثقافة عدم التسامح مع الفساد، هذا فضلاً عن إطلاق برامج توعية عامة تشمل المناهج المدرسية والجامعية لتوضيح وإذكاء وعي المجتمع بجسامة مخاطر الفساد.
وتحتاج الدولة لترسيم مفاهيم الفساد غير المباشر الذي يُسمى بـ “الفساد الإداري”، حيث تسهم شريحة من الأفراد و/ أو الهيئات في منظومة الفساد بطرق مختلفة غير مباشرة، مثل التعامل مع الوظيفة العامة بمفهوم الملكية الخاصة لانعدام أسس الحوكمة الإدارية.
كذلك تقل نسبة الذين تتم محاسبتهم بتهم الفساد لأسباب عديدة منها تأخير اتخاذ القرارات في شأن الذين أضروا بالمصلحة العامة، و الذين يهدرون وقت المواطنين والدولة بالتقاعس في إكمال مشروع يحتاج تنفيذه إلى مدة معينة، وتم تنفيذه في مدة أطول، وغير ذلك من أشكال الفساد التي يصعب أن نحتكم فيها إلى القضاء لأسباب تتعلق بانعدام الشفافية ونقص المعلومات،
ويتطلب هذا الأمر أن يتم تأسيس أنظمة حوكمة تقوم بضبط نظم العمل منذ البداية وتضع شروطاً للخدمة منصوص عليها في قوانين العمل، وعقودا تتضمن شروط جزائية. بات الفساد ظاهرة عالمية تهدد المجتمعات وبقائها ، وبدت الانقسامات المجتمعية تتضاعف في البلدان التي ينتشر فيها الفساد بمختلف أنواعه وتسمياته ، حيث استكشفت الدراسة بأن التشريعات الجنائية حرصت على تقرير نظام عقابي خاص لمواجهة جرائم الفساد مما استوجب بنا بيان المظاهر القانونية للفساد السياسي المتمثل بالرشوة الدولية والرشوة الانتخابية
لان الفساد لم يعد متعلقا بالجانب الاقتصادي فحسب بل امتد إلى الجوانب الأخرى السياسية والاجتماعية ومع ان الاطار التشريعي لجرائم الفساد ومعاقبة مرتكبيه يستلزم وجود نظام إجرائي فعال ومتكامل لملاحقة المتهمين ومحاكمتهم واسترداد عوائد نشاطهم الإجرامي مما تطلب بالدراسة بيان أهمية الملاحقة الإجرائية من خلال بيان دور هيئة النزاهة في التحقيق في تلك الجرائم وكل ما يتعلق بالفساد الإداري والمالي وهذه الجرائم المرتكبة
قد تكون أحيانا ذات طابع دولي ولها صلة بجرائم الجريمة المنظمة غير الوطنية وقد تناولنا بيان معالجة أسباب الفساد والذي لا يكون فقط عن طريق النصوص القانونية لمعاقبة مرتكبي الفساد وإنما في الإجراء الوقائي من خلال تعزيز قيم النزاهة وتحمل المسؤولية بأمانة وإخلاص واحترام القانون وهذا هو الأساس ،
وان لتعزيز تلك المفاهيم دور كبير في مواجهة الفساد في قمة الهرم السياسي وفي قاعدته. وكشفت هذه الدراسة استراتيجية مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة ببيان عمل تلك السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية القضائية والدور الفعال الذي يمارس من قبلها من خلال خلق منظومة قانونية تحكم عملها وتراقب أدائها وتحاسب مفسديها وفق القانون. واختتمت الدراسة ببعض المقترحات لمواجهة الفساد المتنوع والذي استلزم استنهاض الوعي والفعل لمواجهة كل أشكال الفساد من خلال جهد مشترك تتعاضد به كافة مؤسسات المجتمع. إضافة إلى وجوب التعاون الدولي لمواجهته والتنسيق بين الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لوضع استراتيجيات يتم تحديثها باستمرار لضمان مواجهة المشكلات الناجمة عن كل صور الفساد المعاصرة.