ليست المشكلة فى انتشار الأمية فحسب بل إن الأمر يتجاوزها الى هبوط مستوى التعليم مما يحسه المربون وتنطق به تقاريرهم فى كل عام دراسى ؛ ولعل ذلك يعود إلى بواعث كثيرة متشابكة . وأول هذه البواعث عدم الانتظام فى الدراسة طوال العام المدرسى ، ولعل طلاب اليوم لا يزالون تحت تأثير الاضطرابات التى كانت تقع فى المعاهد المصرية بين حين وآخر لأوهى الأسباب ؛ فنرى بعضهم يغادر المعهد ويتسكع فى الطريق العام ولكن وزارة التربية والتعليم قد تنبهت لذلك أخيراً وفرضت على الطلاب نسبة للحضور إذا لم يحصل عليها الطالب تخلف العام بأجمعه وفى العامين الأخرين نجحت وزارة التربية فى إقرار النظام فى مدارسها الثانوية وفى الجامعة أيضاً مما يذكر لها بالخير فقد أسدت جميلا لا يجحد إلى الآباء بل إلى مستقبل الأبناء . على أن الوزارة إذا نجحت فى إقرار النظام العام فإن المربين لم ينجحوا النجاح المنتظر فى إقرار النظام داخل الفصل وقد يعود ذلك إلى العصر . إن العصر الذى يعيش فيه الطلاب ويتنفسون فى جوه عصر قلق واضطراب ، وكذلك ترتفع موجة الغلاء فيضحى رب البيت بأبنائه ضيقاً بحياته عاجزاً عن توفير العيش لأسرته والأبناء يفرون من جحيم البيت حيث تحتضنهم الجماعات اليسارية حيناً وأصدقاء السوء حيناً آخر فيصبح الإبن ثائراً أو نافراً يضيق بالبيت والمدرسة إلى العصابة أو الملهى أو المقهى أو ما إليها . لقد أصبح التلميذ فى هذا العصر جموحاً لا تستطيع فى يسر أن تسلس قياده أو تأخذ بزمامه ولن يجدى فيه علاج إلا غيرنا الجو المدرسى وجعلناه يتمشى وروح العصر وزمن المراهقه . ويتصل بذلك سيادة مبدأ تكافؤ الفرص وتجاوب البلاد بأصدائه ، وقيام دعاة الاصلاح ببث روح الإقبال على التعليم وتوطيد أركان المعرفة واستجابة الشعب لهذه الدعوة الكريمة وتعرض المدارس لموجات زاخرة من الطلاب . وزحمة الفصل أعدى أعداء المعلم إنها ترهقه وتعنيه وقد تدفعه إلى الاستهتار أو الاستهانة بالعمل إذ يجد نفسه كما يقول رجال القانون أمام استحالة مادية يتعذر معها المضى فى النهوض بواجبه . ولو أن وزارة التربية والتعليم تريثت قبل أن تقدم على إذاعة المنهج فنشرت مشروعه بين رجال التربية وفى معاهد التعليم حيث يتناولونه بالنقد والتمحيص ثم يوضع موضع التجربة فى إحدى المدارس النموذجية بعد أن تحتضنه معاهد التعليم وتعرض له بالدراسة الشاملة الدقيقة فى سند من التجربة وعلى هدى آراء كبار المربين المحدثين فى غير إغفال للوسط الذى نعيش فيه والزمن الذى نحياه . لو فعلت ذلك لأحسنت صنعاً ، ولما كان هذا القلق ولما وقعنا فى مشكلات ضخمة من جراء هذا التغيير الدائم المستمر . وعلينا إذن أن نعيد النظر فى تعليمنا المتوسط وأن نغرى أبناءنا بالاقبال على التعليم الفنى بمختلف ألوان الإغراء وأن نضع سياسة مرسومة للاكثار من هذا النوع من التعليم وأن نشرك فى وضع برامجه كبار رجال المال والاقتصاد والصناعة والزراعة وأن نغلق أبواب الوظائف الكتابية أمام متخرجى الزراعة والصناعة وأن نشجعهم ما أمكن على امتهان العمل الحر وفتح الشركات والمصانع ومنحهم قروضاً من البنوك الصناعية والزراعية بعد الوثوق من جدية طلباتهم . وأن نمد هذه المدارس بالفنيين والخبراء حتى يتخرج طلابها على أحدث الوسائل وأقوم الأساليب ويستطيعوا الصمود أمام المنافسات الحادة فى الأسواق المحلية والخارجية . وعلينا أن نفتح السبيل أمام هؤلاء المتخرجين ليتموا دراساتهم إن أرادوا ومكنت لهم مواهبهم القبول فى الكليات الفنية العملية . ولست أدرى كيف يفضل متخرجو المدارس النظرية الثانوية على متخرجى المدارس الفنية فى القبول فى الكليات العملية كالهندسة والتجارة والزراعة ؟ والمنهج المعد لمدارسنا ينبغى ألا نقصره على البيئة المحلية بل أن نرقى به إلى العالم العربى فيقف تلاميذنا فى (مصــر) على أحوال جيرانهم وإخوانهم ويعرفون الكثير عن أقرانهم وما يعترضهم من مشكلات وما يصبون إليه من آمـال .