لا شيء يعوض عدم مشاهدة مباريات كأس العالم الرائعة لكرة القدم فى مكانها الطبيعى الذى تلعب فيه وهى ستادات دولة قطر سوى ذلك الإبداع الذى نشاهده على شاشات التليفزيون من خلال إخراج ولا أروع، يجعلك فعلا تشاهد المباراة وكأنك فى الملعب. بل لعلنى لا أبالغ لو قلت أن من يشاهد المباريات فى ستادات الدوحة يفوته الكثير من تلك اللقطات الرائعة التى تنقلها لنا عدسات هؤلاء المخرجين والذين هم جنود مجهولون بالنسبة لنا يقفون وراء الكاميرات وأمام شاشات المونيتور لينقلوا لنا كل صغيرة وكبيرة تحدث فى الملاعب.
حاولت دون جدوى كمجرد متفرج محب غاوى كرة قدم–وليس لى أى دراية بعلم الإخراج التليفزيونى–أن أحصى عدد تلك الكاميرات التى تنقل لنا كل شاردة وواردة تحدث فى الملعب وبين الجماهير فى المدرجات. من الواضح أن هناك كاميرات عامة هى التى تنقل لنا صورة بانورامية للملعب والصراع الدائر بين الفريقين. ثم هناك غالبًا كاميرات بعدد لاعبى الفريقين إضافة لكاميرات مخصصة للاعبى دكة الاحتياطى والجهاز الفنى بالطبع. يتضح ذلك عند إعادة أى لعبة بالتصوير البطيء، تكتشف أن هناك كاميرا كانت تصاحب مثلًا المهاجم لحظة إحرازه للهدف. تلك الكاميرا لا تجرى وراء الكرة بعد أن يسددها، بل تركز فقط على وجه المهاجم لرصد رد فعله سواء دخلت الكرة المرمى أو غيرت رأيها واتجهت خارج الشبكة.
نفس الشيء هناك كاميرات لكل من حارس المرمى فى الفريقين لترصد لنا انفعالاته مع كل هجمة سواء نجح فى صدها أو اكتفى بالنظر إليها بحسرة وعتاب وهو يراها تهتك عذرية شباكه وتنتهك خصوصيته وتدك عرينه. بالمناسبة كثيرا ما تكون تلك الكاميرات المصاحبة لكبار النجوم فاضحة. تأمل رد فعل كريستيانو رونالدو فى اللقطة التى احتسب له الحكم ضربة جزاء ظالمة فى لقاء البرتغال والسنغال. فضحت الكاميرا رونالدو حيث كانت كل قسمات وجهه تريد التأكد ما إذا كان قد نجح فى خداع الحكم أم أن الحكم سيلجأ للفار ليتأكد من صحة قراره. غريب جدًا أن الحكم احتسب الضربة دون فار ليذبح فريق السنغال بدم بارد. حيث أعطى الحكم أفضلية التسجيل للفريق البرتغالي، وعلى الرغم من عودة الفريق السنغالى للمباراة وتسجيلهم فى مرمى البرتغال إلا أنه فى النهاية خسر بقرار باطل.
اما عن الكاميرات التى تنقل لنا ردود فعل الجماهير فى المدرجات فحدث ولا حرج. تشعر بأن الكاميرات لا تكتفى بنقل الفرحة أو الأحزان الظاهرية على وجوه المتفرجين بل تغوص فى أعماقهم وكأنها تصور ما تحت جلودهم من خلايا وما فى عقولهم من أفكار وحواديت حتى لو لم تكن متعلقة بالمباراة التى يشاهدونها فى الملعب.
العيب الوحيد فى ذلك النقل البديع للمباريات يأتى من قبل اللاعبين أنفسهم ولا يملك مخرجو المباريات حيلة فى منعه. أقصد بذلك ظاهرة البصق على أرضية الملعب من قبل اللاعبين. الغريب أنه من المؤكد أن هؤلاء اللاعبين يشاهدون تسجيلات مبارياتهم ويرون كم مقرفة هذه الظاهرة التى تأتى غالبًا عقب تسديدهم للكرة فهم يعرفون بحكم الخبرة أن الكاميرا مركزة على وجوههم فى تلك اللحظة ومع ذلك يبصقون على الأرض.!
ليت اللاعبون ينتبهون لهذه الظاهرة وإن كان ذلك مستحيلًا فأتمنى ألا يأتى كأس العالم القادم إلا وقد اخترع العلماء كاميرات مزودة بجهاز حساس يستطيع أن يخفى تلك اللقطات فلا تظهر لنا حتى لا تفسد علينا متعة المشاهدة!
Hisham.moubarak.63@gmail.com