اختارت الأمم المتحدّة اليوم التاسع والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام للتأكيد على دعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وذلك في ذكرى اليوم الذي أعلنت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين؛ متجاهلةً به حق الفلسطينيين/ات في تقرير المصير، الذي صادف التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني لعام 1947. إذ مهّد قرار التقسيم هذا الطريق للطرد الجماعي للاجئين/ات الفلسطينيين/ات، وللاحتلال الوحشي المستمر إلى يومنا هذا منذ 54 عاماً للضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة، ولعقود طويلة عاشها الشعب الفلسطيني في ظل نظام الفصل العنصري القائم على الاستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري. كما لا تفتأ إسرائيل الاستمرار بانتهاك القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، بصورة ممنهجة ومستمرة.
في الآونة الأخيرة، طوّرت دولة الاحتلال من مشروع توسيع مستوطناتها في المنطقة (E1)، من خلال بنائها لأكثر من 3000 وحدة استيطانية، كما تابعت عملية التهجير والطرد القسريين للفلسطينين/ات في حي الشيخ جرّاح. إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في حرمان اللاجئين/ات الفلسطينيين/ات من حقهم/ن في العودة، والتهجير القسري للشعب الفلسطيني، وانتزاع ملكيته للأراضي والموارد الطبيعية وحرمانه من حقه في تقرير المصير، كلها ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يمكن مقاضاة دولة الاحتلال عليها أمام محكمة الجنايات الدولية.
استهداف الاحتلال الإسرائيلي المتواصل للشعب الفلسطيني والمجتمع المدني الفلسطيني
استهدفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بصورة متواصلة على مدار السنوات الأخيرة مختلف ركائز المجتمع المدني الفلسطيني، سواء من شخصيات سياسية أو أصوات معارضة أو منظمات مجتمع فلسطيني. وفي عام 2021، حاولت دولة الاحتلال، مرة أخرى، عرقلة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات مجلس وطني حرة ونزيهة، منتهكة بذلك حقيّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحرية التعبير عن الرأي غير القابلين للتصرف. كما استهدفت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عدداً من النشطاء السياسيين الفلسطينيين، إذ هددتهم بالاعتقال في حال ترشحهم للانتخابات أو المشاركة في أي نشاطات مماثلة. كما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي، بمساعدة أجهزة الاستخبارات ومن خلال استخدامها لمختلف أساليب التهديد، بمداهمة منازل الفلسطينيين وتهديد عدد من المرشحين للانتخابات لدفعهم للعدول عن الترشح أو المشاركة في عملية الانتخابات الفلسطينية.
إن مصر حكومةً وشعباً، من واقع مسئوليتها التاريخية، تقف داعمةً دائماً للقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية، مؤكدةً أن ثوابت الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية لم ولن تتغير، وأن التزامها بمسئوليتها إزاء قضية فلسطين والشعب الفلسطيني والقدس ومسجدها الأقصى التزاماً أصيلاً، تبذل فى سبيله كل غال ونفيس حتى ينال الشعب الفلسطيني الشقيق حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة. وتؤكد جمهورية مصر العربية أن القضية الفلسطينية ستظل دائماً قضية العرب الأولى، التي لا يتصور أن يتحقق استقرار إقليمي حقيقي في منطقة الشرق الأوسط بدون تسويتها تسوية عادلة وشاملة على أساس حل الدولتين ومقررات الشرعية الدولية ذات الصلة.
ومن هنا، تؤكد مصر على ضرورة وضع حد لحلقة العنف القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتوقف عن اتخاذ الإجراءات الأحادية التي تفتأت على التسوية العادلة والنهائية لقضايا الحل النهائي، وفي مقدمتها أنشطة الاستيطان غير الشرعية، وسياسات الطرد والإخلاء للفلسطينيين بمدينة القدس وتغيير الطابع الديموغرافي للمدينة، والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى ومحيطه.
إن مصر من واقع مسئوليتها التاريخية والتزامها بدعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، سوف تستمر في بذل جهودها الدؤوبة والمخلصة لاستئناف عملية السلام، ولتشجيع الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات، بدعم من المجتمع الدولي والشركاء الدوليين. جل تمنياتنا أن تتبوأ فلسطين المكانة التي تستحقها كعضو يتمتع بالسيادة والمساواة مع الأعضاء الآخرين في المجتمع الدولي. وفي هذا الإطار، فإن تركيا التي ترغب بحل الخلاف الإسرائيلي الفلسطيني في إطار قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبالاستناد إلى مبادئ مدريد وخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، ووفقا لرؤية الحل القائمة على أساس إقامة دولتين تعيشان جنبا إلى جنب وبسلام داخل حدودهما المعترف بها، تدعم في هذا السياق الجهود الرامية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسيادية وعاصمتها القدس الشرقية.
فإن الشعب الفلسطيني يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى أن يُسمع ويفهم ويحتاج إلى تضامننا وعملنا؛ لأن فلسطين، أرض الإسراء، كلها تعاني خاصة قطاع غزة حيث تزداد الأزمة الإنسانية المستمرة عمقا. يشار إلى أن معظم سكان غزة تحت سن الثلاثين ونصف السكان من الأطفال. وحياة مليون طفل يشوبها الفقر والصدمات المستمرة والفرص المحدودة. وتواجه غزة أيضًا أزمة بيئية وهي قضية يجب على أي شخص معني بالعدالة البيئية الاهتمام بها. وتشهد غزة حصارًا وعمليات قصف واسعة النطاق باستمرار ولطالما واجهت كذلك هجومًا وحشيًا أضر ببنيتها التحتية بشكل أكبر، وترك الناس بلا منازل وقتل عائلات بأكملها. وهي تتعامل حاليًا مع حالة الركود الاقتصادي والاكتظاظ ونقص المياه والكهرباء ونقص الأدوية.
يوم التضامن العالمي مع فلسطين يجعلنا نتوقف أمام تساؤل كبير عن ماهية التضامن الذي يريده الشعب الفلسطيني في يومه العالمي، بعد أن أقرّته الأمم المتحدة قبل 45 عاماً، وما زال الشعب الفلسطيني يعيش ذكرى أليمة ووجعاً نازفاً يدق به ناقوس الظلم والإرهاب الذي حل به وما زال يعيشه.
لعل من أهم الرسائل التي تسجل في يوم التضامن الدولي مع فلسطين أن فلسطين متجذرة في قلوب أبنائها ومحبيها ومناصريها، وأن “إسرائيل” لا مستقبل لها على أرض فلسطين مهما بلغ حجم الإجرام بحق أهلها، ومهما طالت سنين البطش والإرهاب.
يوم التضامن العالمي يشكل فرصة لرفض قرار تقسيم فلسطين الذي يعد انتقاصاً من الحقوق الفلسطينية، والذي جاء ترسيخاً لوعد بلفور المشؤوم الذي منح “إسرائيل” وطناً قومياً لليهود على أرض فلسطين، ويؤكد في الوقت نفسه فشل “إسرائيل” في الرهان على موت الكبار ونسيان الصغار، ويثبت كذلك أن الجيل الفلسطيني الجديد ما زال يدافع عن أرضه بشراسة وأنه أكثر تمسكاً بفلسطين كاملة من دون تنازل عن أي شبر منها.
يوم التضامن العالمي مع فلسطين يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات كبيرة، تتمثّل في أهمية الانحياز إلى الحق الفلسطيني، وترجمة حال التضامن بتصحيح كل القرارات الظالمة التي صدرت ضد الفلسطينيين ودعم حقوقهم في مقاومتهم الاحتلال الإسرائيلي، بدلاً من تصنيف المقاومة بالإرهاب.
يوم التضامن العالمي فرصة لتصويب المفاهيم المغلوط فيها، وتأكيد أن الإرهاب هو “إسرائيل” وما ارتكبته من جرائم منظمة بحق الفلسطينيين، وأن المقاومة الفلسطينية حق مشروع للشعب الفلسطيني كفلته القوانين والشرائع الدولية كافةً حتى استعادة الأرض والحقوق كاملة من دون نقصان.
يوم التضامن العالمي يأتي هذا العام تزامناً وانطلاق مونديال كأس العالم في قطر، كحدث رياضي ذي طابع سياسي، أكدت فيه جماهير الأمتين العربية والإسلامية حضور القضية الفلسطينية على طريقتها الخاصة، وأن كل مساعي تثبيت “إسرائيل” كدولة طبيعية في المنطقة عبر مسلسل التطبيع أخفقت ولم يكتب لها النجاح، وأن اتفاقيات التطبيع التي وقعت ما هي إلا حبر على ورق لا قيمة لها أمام نبض وتوجهات الشعوب، وأن هوة كبيرة تسجّل بين سلوك الأنظمة العربية والخليجية التي طبّعت مع “إسرائيل”، ونبض الشعوب العربية برفضها ونبذها “إسرائيل” علانية.
عربياً وعالمياً، فإن إعادة الاعتبار إلى حركة التضامن الرسمية مع الشعب الفلسطيني أصبحت مسألة غاية في الأهمية، خصوصاً بعد الاستفتاء الكبير الذي شكله مونديال قطر ورفض الشعوب القبول أو التعايش مع “إسرائيل”، وهو ما يشكل دعوة لكل الأحرار في العالم إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه فلسطين أكثر، بدعم شعبها ومقاومته وتعزيز صموده والتصدي لكل عرّابي التطبيع في المنطقة الذين أرادوا لمونديال قطر أن يكون محطة على طريق استكمال مشروع التطبيع، فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وشكلت الجماهير العربية بمواقفها صفعة على وجه “إسرائيل” وفشلاً ذريعاً لدبلوماسيتها.