كلما اعتقدت ان كل ما كتبناه وكتبه غيرنا عن مونديال قطر التاريخى قد غطى كل جوانب هذا الحدث الأهم فى كرة القدم، وجدت أن جعبة المونديال لا يزال بها الكثير. استفزني مؤخرا ما يحدث من تنمر وعنصرية بغيضة ضد نجوم كرة القدم أصحاب الجذور الأفريقية فى بعض الدول الاوروبية، وعلى رأسها المانيا وفرنسا بعد خروج الألمان من منافسات كأس العالم مبكراً وخسارة فرنسا للكأس فى المباراة النهائية. ما يحدث ينطبق عليه المثل الشعبي القائل: «فى الهم مدعية وفي الفرح منسية». نعم لطالما كان هؤلاء النجوم سببا فى سعادة جماهير فرقهم الأوروبية وكذلك لمنتخباتهم الوطنية. وقتها لم يذكر أحد بأن هؤلاء اللاعبين هم من اصول افريقية ويجب توجيه التحية للقارة السمراء التى انجبتهم أو على الأقل انجبت آباءهم وأجدادهم، بل كل الإشادات بهم كانت تأتى على انهم المان او فرنسيون، أما الآن وبعد خروج ألمانيا وخسارة فرنسا للنهائي اجتاحت التعليقات المسيئة لهؤلاء النجوم وسائل التواصل الاجتماعي فى كل من ألمانيا وفرنسا، وشدد بعض المتعصبين من الجمهور حملاتهم التي اتسم بعضها بألفاظ يعاقب عليها القانون. وفضح هؤلاء زيف تحضرهم وضعف ثقافتهم، وبينوا بمنتهى الوضوح أنه أساس العنصرية وعدم الاعتراف بالآخر إلا لو كان يحقق لهم مكاسب مادية.
لقد تابعنا كلنا هؤلاء النجوم اصحاب البشرة السمراء وهم يصولون ويجولون فى ملاعب المونديال رافعين رايات منتخبات بلادهم. لم يتسرب لأى منا أى شك فى اخلاص هؤلاء اللاعبين لبلادهم التى ولدوا وترعرعوا فيها بغض النظر عن جنسيتهم. لم نتوقع ولم نطلب منهم غير ذلك. من حقنا طبعا ان نفتخر بأن جذورهم افريقية، فهي شهادة على صلابة وقوة أبناء القارة السمراء، بل إن نجم وهداف المنتخب الأمريكي «تيموثي وايا» هو ابن النجم منتخب ليبيريا الأسبق جورج وايا وهو الآن رئيس لبلاده. لم يقل أحد ان وايا الصغير كان يجب أن يتهاون فى مباريات فريقه الأمريكي الذي يمثله. هذا شيء أبعد ما يكون عن الشرف وليس له علاقة بالرياضة، لكن هل هذا يمنع أن يكون لهؤلاء اللاعبين فى قلوبنا مكانة خاصة. أنا شخصيا أحببت جدا كليان مبابي نجم فرنسا وحتى قبل أن اعرف عن جذوره أى شيء، لكن كما يقولون ان الدم بيحن. ملامح مبابي الافريقية ولا أبالغ إن قلت قاهرية جعلتنى اتابعه وافرح بتألقه، أضف إلى ذلك اسمه طبعا، كنت على ثقة طبعا أنه ليس من امبابة وكذلك اثق بالطبع ان كيليان لم يسمع فى حياته عن منطقة امبابة ولكن مجرد اشتقاق اسم والده من كلمة امبابة جعلنى أشعر بالتعاطف معه. وحزنت كثيرا لخسارته للكأس فى المباراة النهائية واشاركه الحق فى الحلم بموعد جديد مع البطولة فى 2026، كما كتب هو على صفحته عندما وضع تلك العبارة بجوار صورة كأس العالم الذي سبق أن فاز به مع فرنسا عام 2018 وكان عمره وقتها 19 سنة.
وحتى أكون موضوعيا أنا على ثقة أن كثيرا من هؤلاء النجوم ما كان لهم أن يتألقوا فى سماء كرة القدم لو مثلوا فرق بلادهم الاصلي، أو قل بلاد آبائهم وأجدادهم إن شئت الدقة، ولولا وجودهم فى مناخ صحى يقدر المواهب ويرعاها ربما ما سمع بهم أحد ولا حفظ أسماءهم. قرأت تصريحات لا ادرى مدى دقتها عن محاولة والد مبابى قيده بالاتحاد الكاميرونى، باعتباره كاميروني الأصل، لكنه فشل لأن موظفا فى ذلك الاتحاد طلب منه رشوة مقابل ذلك لم تكن متوافرة لديه. هذه الحكاية حتى لو لم تكن صحيحة تماما إلا أنها غير مستبعدة، وكلنا يعرف المناخ الذي تدار فيه كرة القدم فى البلاد الإفريقية. لكن تقديرنا لاصحاب البشرة السمراء من النجوم لا يعنى أن نتنمر على غيرهم من الألوان الأخرى، غير أننا فقط نريد أن نقول للاوربيين أشياء ربما لن يفهموها بسهولة وعلى رأسها ان الدم بيحن وكذلك اللون.
Hisham.moubarak.63@gmail.com