الفيضانات وموجات الجفاف ..تدمر خصوبة التربة ..!!
تطرف الطقس يضر النظام الحيوي ويستنزف قدرته على إنتاج الغذاء
التشكيك في جهود مجموعة العشرين ومنتدى دافوس ومنظمات الأمم المتحدة
التحالفات المالية الضخمة تسيطر على المشهد .. ولا يهمها غير الربح
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
أصبح الكثير من الأراضي الزراعية حول العالم عرضة “للموت” وفقدان القدرة على إنماء المحاصيل الزراعية، وذلك بسبب الفيضانات المدمرة وموجات الجفاف التي تدمر خصوبة التربة، وهي ناتجة عن الطقس السيء وتغيرات المناخ التي تضر بالنظام الحيوي وتستنزف قدرته على إنتاج الغذاء. ورغم كل ما يتردد عن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى، مثل مجموعة العشرين ومنتدى دافوس فإن هناك من يشكك في جهودها ويتهمها بأنها تعمل لصالح تحالفات مالية ضخمة لا هدف لها سوى تحقيق الربح بأي ثمن، حتى لو مات العالم من الجوع!!
في حزام الذُرة بأمريكا هذا الربيع، غرقت الأرض في مياه الفيضانات. وفي حوض نهر اليانجتسي بالصين، تتعرض الأراضي للجفاف الشديد. ويخوض المزارعون في كلا البلدين معركة خاسرة لإنقاذ التربة التي تنتج الطعام للبشرية.
ويفعل المزارعون كل ما في وسعهم لحماية أراضيهم ومحاصيلهم، حيث يزرعون شرائط عازلة من العشب يبلغ ارتفاعها ثلاثة أقدام حول الحقول لحماية التربة وفي الشتاء تزرع المحاصيل لتوفير غطاء أرضي.
لكن الفيضانات الكاسحة الناجمة عن العواصف المطيرة بالولايات المتحدة تجرف الكثير من التربة خلال موسم الزراعة لدرجة أن المحصول يعاني من انعدام الخصوبة.
على النقيض من ذلك، لا توجد مياه كافية في حوض نهر اليانجتسي الشاسع، الذي ينتج ثلث محاصيل الصين. ويلجأ العلماء لإطلاق الصواريخ على السحب “لبذرها” بالمطر بشكل مصطنع، على أمل تجديد التربة التي استنزفت عناصرها الغذائية بسبب درجات الحرارة العالية.
ومن الولايات المتحدة والصين إلى كينيا، حيث أثبتت الجهود البشرية للحفاظ على التربة أنها لا تتناسب مع الطقس المتطرف، والذي يضر بالنظام الحيوي ويستنزف قدرته على إنتاج الغذاء، وفقًا لمقابلات رويترز مع عشرات المزارعين وعلماء التربة ومتخصصين آخرين.
ويشير تقرير مطول لوكالة رويترز إلى أن تآكل التربة يمكن أن يؤدي إلى خسارة 10٪ في الإنتاج العالمي من المحاصيل بحلول عام 2050، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). ومع توقع ارتفاع عدد سكان العالم إلى ما يقرب من 10 مليارات بحلول ذلك الوقت، فمن المؤكد أن يؤثر سوء التغذية والمجاعة على المزيد والمزيد من الناس.
وتعاني مناطق قليلة من أزمة أعمق في المراعي شمال كينيا، حيث أدى الجفاف المتزايد باستمرار إلى تعرية الأرض من الغطاء النباتي، وتعريض التربة للضرر وارتباك الجهود المبذولة للتكيف مع أساليب الزراعة.
يقول علماء الأمم المتحدة إن عوامل الطبيعة قد تستغرق حوالي 1000 عام لإنتاج طبقة سمكها 2-3 سم من التربة، مما يجعل الحفاظ عليها أمرًا بالغ الأهمية.
ووفقًا للمتخصصين، فإن الطقس القاسي، الذي نتج بعضه بسبب التغيرات المناخية، لا يضر فقط بالمحاصيل ولكنه يؤدي أيضًا إلى تآكل التربة واستنزاف العناصر الغذائية مثل الكربون والنيتروجين والفوسفور من النظام البيئي المعقد.
هذا يؤدي إلى تدهور الأراضي، أي انخفاض قدرتها على استدامة الحياة النباتية، وبالتالي يمتد أثر ذلك إلى الحياة الحيوانية والبشرية.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن ثلث إجمالي مساحة الأرض في العالم قد تدهور بالفعل بسبب التعرية أو استنفاد المغذيات أو بطرق أخرى.
الغرب الأوسط الأمريكي، الذي غرق بسبب الأمطار هذا الصيف، أصبح أكثر رطوبة بمرور الوقت.
العواصف الممطرة على مدى ثلاثة أيام في منتصف شهر مايو جرفت ما يصل إلى ثلاثة أطنان من الطمي لكل فدان في عشرين مقاطعة بولاية مينيسوتا، وفقًا لبيانات مشروع التعرية اليوميةDaily Erosion ، وهو مبادرة من جامعة ولاية أيوا لتقدير فقدان التربة.
في حوض نهر اليانجتسي، نجد الطقس الرطب موضع ترحيب، فأحزمة الزراعة في المنطقة، الممتدة من سيتشوان في الجنوب الغربي إلى شنغهاي على الساحل الشرقي، تلقت أمطارًا أقل بنسبة 40٪ عن المعتاد خلال الصيف وشهدت ارتفاعًا قياسيًا في درجات الحرارة.
قال ليو تشي يو، المسؤول بوزارة المياه الصينية، إن ثلث التربة في ست مقاطعات زراعية رئيسية على طول روافد اليانجتسي “عانت في الصيف من جفاف شديد في حوالي عشر مناطق ريفية بتلك المقاطعات “.
تم إطلاق 211 عملية للاستمطار الصناعي، في شهر أغسطس وحده، على مساحة 1.45 مليون كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية الجافة، لكن الخبراء يقولون إنه ليس حلاً طويل الأجل.
وفي منطقة هوكو الزراعية في جيانجشي، جفت مزارع السمسم والذرة والبطاطا الحلوة والقطن، حسبما نقلت رويترز عن أحد السكان بينما كان يلتقط بعض حبوب الأرز من حقل شديد الجفاف ليطعم الدجاج في المنزل.
قالت كريستين مورجان، كبير المسؤولين العلميين بمعهد صحة التربة في نورث كارولينا، إن التربة يمكن أن تتجدد إذا طبق المزارعون أساليب أفضل.
تشمل الخيارات عدم حرث التربة لتقليل التعرية، وزراعة محاصيل التغطية التي تزرع خارج الموسم لمنع التآكل وفقدان المغذيات.
ماليان ليكوبير، 50 عامًا، من مربي الماشية والماعز بمنطقة سامبورو، في كينيا، قال وهو ينثر الأتربة في الهواء: “لم تكن التربة بهذه الطبيعة الرملية أبدًا عندما كنت صغيرًا“.
حاليًا أصبحت الأرض جافة، موجات الجفاف الطويلة صارت أكثر شيوعًا منذ عام 2000، والجفاف الحالي هو الأسوأ منذ أربعة عقود.
تعتبر أكثر من 60٪ من إجمالي الأراضي في البلاد متدهورة للغاية، وأكثر من 27٪ متدهورة للغاية جدًا، وفقًا لوزارة البيئة الكينية، مع مراعاة عوامل مثل التغطية النباتية وقدرتها على مقاومة التعرية.
قال ليكوبير إن الجفاف جعل مصادر المياه راكدة، مما زاد من إصابة الأطفال بالأمراض. وللحفاظ على حياة ما تبقى من الماشية والماعز، يضطر الرعاة للمشي مئات الأميال بحثًا عن الماء أو المراعي.
أكد عالم التربة وينوفيكي Winowiecki بمركز أبحاث سيفور إكراف CIFOR-ICRAF بالهند، إن العشب اختفى من معظم المراعي الشاسعة في كينيا، وأصبحت الأرض عرضة للضغط أو التآكل.
وقال تور-جونار فاجن، كبير علماء المركز: إن الكثير من التربة تآكلت في كينيا والهند والعديد من الأماكن الأخرى حول العالم.
أمام كل ما سبق، وخلال الأسابيع الماضية، شهد العالم الاجتماع الحكومي الأخير لمجموعة العشرين في بالي، واجتماع كوب 27 لأجندة الأمم المتحدة 2030 في مصر، ومنتدى دافوس الاقتصادي العالمي ومؤسسة بيل جيتس.
في 13 نوفمبر، اتفق ممثلو مجموعة العشرين على بيان ختامي، حيث يمثلون 20 دولة هي الأكثر، نفوذاً، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (على الرغم من أنه ليس دولة) وألمانيا وإيطاليا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية والعديد من الدول النامية ومنها الصين والهند، اندونيسيا والبرازيل.
العنصر الرئيسي الأول للبيان هو “دعوة إلى تحول سريع نحو أنظمة غذائية وسلاسل إمداد مستدامة ومرنة.”
علاوة على ذلك، “العمل معًا لإنتاج الغذاء وتوزيعه بشكل مستدام، وضمان مساهمة النظم الغذائية بشكل أفضل في التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته، ووقف فقدان التنوع البيولوجي وعكس مساره، وتنويع مصادر الغذاء “
“نعيد تأكيد التزامنا بتحقيق صافي انبعاثات غازات الدفيئة / حياد الكربون بحلول منتصف القرن أو بالقرب منه.
لكن إف وليام إنجدال –وهو محاضر ومستشار في مجال المخاطر الاستراتيجية وباحث مشارك بمركز أبحاث العولمة ((CRG-يشكك في جهود كل تلك الجهات وما تعقده من مؤتمرات واجتماعات بدعوى حل المشكلات الناجمة عن التغيرات المناخية. في تحليل على موقع جلوبال ريسيرش يقول: لقد بدأ الهجوم الشامل والمنسق على زراعتنا، وهي القدرة على إنتاج الغذاء من أجل الوجود البشري. إن الدعوة “للزراعة المستدامة” مع “صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري صفر” هي لغة مزدوجة. وبالنسبة لغير المتخصص في علم اللغة بالأمم المتحدة، تبدو الكلمات جيدة جدًا. لكن ما يتم الترويج له في الواقع هو أكبر تدمير جذري للفلاحة والزراعة على مستوى العالم تحت مسمى “الزراعة المستدامة“.
ويضيف: إنهم يقومون بتطوير أجندة من شأنها أن تؤدي إلى المجاعة والموت لمئات الملايين وليس المليارات إذا سُمح لهم بالمضي قدمًا. إنها أجندة مدفوعة بتحالف المال.
بعد مؤتمر بالي G20بإندونيسيا، كان الاجتماع السنوي للأمم المتحدة COP27 حول المناخ. هناك، قام المشاركون من معظم دول الأمم المتحدة بالإضافة لمنظمات غير حكومية مثل منظمة السلام الأخضر Greenpeace ومئات المنظمات غير الحكومية الخضراء الأخرى بصياغة دعوة ثانية أطلقوا عليها اسم مبادرة الأمم المتحدة الجديدة للأغذية والزراعة من أجل التحول المستدام”فاست” FAST .
وفقًا لـمجلة فوربسForbes ، ستشجع مبادرة فاست “التحول نحو أنظمة غذائية صحية مستدامة ومقاومة للمناخ، من شأنها أن تساعد في تقليل تكاليف الصحة وتغير المناخ بما يصل إلى 1.3 تريليون دولار أمريكي مع دعم الأمن الغذائي في مواجهة تغير المناخ“.
ويقول إنجدال: نحن نتحدث عن توفير مبالغ كبيرة. 1.3 تريليون دولار من خلال الانتقال إلى “أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للمناخ وصحية”. ويتساءل: ماذا يحدث بالفعل وراء كل هذه الكلمات؟
يجيب: الدافع وراء هذه الحرب على الزراعة ليس مفاجئًا من قبل المؤسسات المالية الضخمة، (مبادرة منظمة فيررFAIRR وهي منظمة بريطانية تضم مديري الاستثمار الدوليين في المملكة المتحدة وتركز على “المخاطر والفرص المادية للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية الناتجة عن الإنتاج الحيواني المكثف“.)
ويوضح إنجدال: تضم هذه المنظمة أعضاء من اللاعبين الأكثر نفوذاً في التمويل العالمي بما في ذلك البنوك والمؤسسات المالية الدولية الكبرى والعديد من الشركات الأخرى. البنوك وصناديق التقاعد التي يبلغ إجمالي أصولها الخاضعة للإدارة 25 تريليون دولار. إنهم يفتحون نيران الحرب على الزراعة كما هو الحال مع الطاقة.
تقول فيرر: “يمثل إنتاج الغذاء حوالي ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية ويشكل التهديد الرئيسي لـ 86٪ من الأنواع المعرضة لخطر الانقراض في العالم، في حين أن تربية الماشية مسؤولة عن ثلاثة أرباع الدمار في غابات الأمازون المطيرة.”
تخطط منظمة الأغذية والزراعة لاقتراح خفض كبير في الإنتاج الحيواني العالمي، وخاصة الماشية، والتي تقول منظمة FAIRR أنها مسؤولة عن هذه الغازات. “حوالي ثلث انبعاثات الميثان العالمية مرتبطة بالنشاط البشري، في شكل تجشؤ الماشية والسماد الطبيعي وزراعة محاصيل الأعلاف.”
بالنسبة لهم، فإن أفضل طريقة لوقف تجشؤ الأبقار وروث البقر هي القضاء على الماشية.
يقول إنجدال: “إن منظمة الأغذية والزراعة على وشك إصدار خارطة طريق للحد بشكل كبير مما يسمى بغازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الزراعة العالمية، وذلك تحت الادعاء الكاذب “الزراعة المستدامة” التي يقودها أكبر مديري الثروات في العالم بما في ذلك BlackRock و JP Morgan و AXA وهذه بعض من أكثر المؤسسات المالية فسادًا على هذا الكوكب. إنهم لا ينفقون بنسًا واحدًا أبدًا إلا إذا ضمنوا أرباحًا ضخمة. الحرب على الزراعة هي هدفهم التالي.”
تعاونت الأمم المتحدة ومنتدى دافوس الاقتصادي العالمي في عام 2019 للنهوض بشكل مشترك بأجندة أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030. وعلى موقع المنتدى، يأتي الاعتراف بذلك علنًا على أنه يعني التخلص من مصادر بروتين اللحوم، والدعوة إلى البروتين البديل مثل النمل المملح أو صراصير الأرض أو الديدان لتحل محل الدجاج أو اللحم البقري أو الضأن.