الزوجية سنة من سنن الله في الخلق والتكوين، وهي عامة مطردة لا يشذ عنها عالم الأنسان. وأيضا ولا عالم الحيوان ولا عالم النبات لقوله تعالى:” وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَينْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ “. قوله عز وجل ” سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأْزْوَاجَ كُلَّهَا ممِا تـُنْبِتُ الأْرْضُ وَمِنْ أَنـْفُسِ هِمْ وَممِا لاَ يـَعْلَمُونَ ” وهي الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر واستمرار الحياة بعد أن أعد الله كل زوجين وهيأهما بحيث يقوم كل منهما بدور إيجابي في تحقيق هذه الغاية لقوله تعالى:” يَا أَيـُّهَا النَّاسُ إِنَّا. وقوله جل وعلا ” يَا أَيـُّهَا النَّاسُ اتـَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نـَّفْسٍ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنثى “.
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنـْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنـْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً ” ولم يشأ الله أن يجعل الأنسان كغيره من العوالم فيدع غرائزه تنطلق دون وعي ويترك اتصال الذكر والأنثى فوضى لا ضابط له، بل وضع النظام الملائم لسيادته الذي يحفظ شرفه وكرامته كونه خليفة الله في الأرض، فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالا كريما مبنيا على رضاهما إيجابا وقبو لا كمظهرين لهذا الرضا، وعلى إشهاد على أن كلا منهما قد أصبح للآخر. واذا وضع نواة الأسرة التي تحوطها غريزة الأمومة وترعاها عاطفة الأبوة. الملاحظة الأولى: وجوب المزاوجة بين المقاربتين القانونية والثقافية لظاهرة الزواج المختلط، باعتباره بؤرة توتر لتنازع القوانين الناتج عن اختلاف المرجعيات، و التي تبنى عليها القوانين الخاصة لكل دولة باختلاف الديانات والتوجهات التي تنهجها هذه الدول وكيف يؤدي هذا الاختلاف الى تنازع الاختصاص التشريعي، وتنازع الاختصاص القضائي وأيضا باعتباره بداية لتمزق الهوية وانشطارها على المستوى الأسري، وكيف ان الاتفاقيات الدولية تبقى قاصرة لتجاوز هذه الإشكاليات، ومدى تأثير العلاقات الدولية على الأسرة الناتجة عن زواج مختلط (أزمة الأسر المغربية الناتجة عن زواج مختلط والمطرودة من الجزائر نموذجا ).
فمن آيات الله الكبرى ونعمه العظمى أن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة، وعلى كلمة الله تعالى وشرعه تقوم الأسرة بالميثاق الغليظ الذي رضيه الله لعباده. فالأسرة المثالية في الأصل هي ثمرة الزواج القائم على أساس المودة والرحمة والتعاون بين المؤمنين . الزوجين في ظل الاحترام المتبادل وفي العصر الحديث ونتيجة لتقدم اجتماعات والدول وفي ظل تطور وسائل الاتصال الحديثة وما صاحب الثور ة التكنولوجية من كسر لكل الحدود بين الدول صار العالم كله قرية صغيرة. فتطورت العلاقات الدولية الخاصة واتجه العالم نحو الانفتاح الاقتصادي والتكامل والتعاون. فلم يعد يقتصر نشاط الفرد اليومي على النطاق الذي يعيش فيه أو على الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته، بل امتد إلى دول أخرى لاسيما بعد انتشار ظاهرة الهجرة وكثرة نزوح وانتقال الأفراد من دولهم واستقرارهم في دول أخرى ودخولهم في علاقات عابرة لحدود الدولة الواحدة وفي مجالات متعددة وخاصة الأسرية،
. 1 الأمر الذي أدى إلى نشوء نوع من الروابط القانونية ذات الطبيعة الدولية الخاصة وعليه، صار الزواج المختلط حقيقة لا يمكن تجاهلها ولم يعد من المستغرب زواج جزائري بفرنسية أو زواج جزائرية بسعودي. وإذا كان الحديث في القرن الماضي يدور حول سهولة التنقل في ظل تطور.
2 وسائل المواصلات، فإن الأمر أصبح أيسر من هذا بكثير في ظل عصرنة المعلوماتية والأنترنت كان الزواج رابطة قانونية بين رجل وامرأة تقوم على أسس اجتماعية وأخلاقية ودينية، فإنه يعتبر زواجا مختلطا متى كان طرفاه ذا جنسيتين مختلفتين وقت انعقاد الزواج.
وجوب تعميق النقاش القانوني في موضوع الزواج المختلط وآثار انحلال ميثاقه من خلال مدونة الأسرة وقانون البلد المضيف وذلك بعقد مقارنات بينهما لتتضح أسباب المعاناة المتجددة للأسر الناتجة عن هذا الزواج، ورحلة عنائهم ما بين الإدارة والقضاء، لتذييل هذه الأحكام الصادرة عن محاكم بلد الإقامة بالصيغة التنفيدية ببلدهم الأصلي، أو استصدار احكام جديدة عساها ترد اليهم بعض الحقوق المسلوبة منهم باسم النظام العام ببلد الاقامة، أو بسبب اعطاء الأولوية لقانون بلد الاقامة، أو حسب التوصيات الصادرة عن المواثيق والاتفاقيات الدولية (زيارة المحضون)
ــ الملاحظة الثالثة: وجوب الكشف عن الجهود الدولية المبذولة لاستصلاح بنود القانون الدولي الخاص، قصد تحقيق استقرار أسري أفضل في مجال الزواج المختلط والعمل، على تنزيله لاستبعاد الحيف الذي غالبا ما يلحق الطرف المغربي باستباحة مقتضيات النظام العام وجوب تطوير الاجتهاد القضائي بصيغة تجمع بين المفهوم المرتبط بالوطنية، والمفهوم المرتبط بالعالمية وحقوق الانسان، وذلك بتحيين القوانين والاتفاقيات الدولية والثنائية من أجل المزيد من الانسجام فيما بينها، أو تقريب معايير الاجتهاد والتكييف القانوني لكل ما يرتبط بتنازع القوانين بين الدول خصوصا ما يتعلق منها بقواعد الإسناد أو الإحالة .
ــ الملاحظة الخامسة: لمعالجة مشاكل الجالية المغربية في إطار حلول داخلية مستعجلة للتخفيف من حدتها في انتظار صياغة القواعد القانونية على شكل اتفاقيات دولية وثنائية، يتوجب تأسيس خلية مكونة من أطر ذات تكوين قانوني وشرعي متخصصة في مجال الروابط الأسرية، وذلك للتنسيق بين وزارة الشؤون الخارجية ووزارة الأوقاف ووزارة العدل لمراقبة زواج وطلاق مغاربة الخارج والحيلولة دون الآثار السلبية للزواج المخلتط.
ــ الملاحظة السادسة: ترجمة مدونة الأسرة المغربية إلى لغات الدول التي تتواجد بها الجالية المغربية لإطلاع القضاء الأجنبي ومؤسسات الدولة على نصوصها ومضامينها. ومن يتحدّث عن التماسك، أو الإندماج الإجتماعي، لا يمكن أن يتجاهل هذا النوع من الزواج. فمشاعر الحب والعاطفة الإنسانية كونية بطبعها، ولكن ما الذي يعنيه تقاسم الحياة مع شريك تشرّب ثقافة مختلفة؟ وكيف يمكن تحقيق التواصل، الذي هو اساس الزواج، إذا كانت اللغات الأم متباينة؟ وأيّ تنشئة للأطفال، إذا كانت المرجعيات الثقافية والدينية بين الشريكيْن غير متماهية؟. ورغم اختلاف ظروف نشأة هذه الزيجات، فإن الجميع يؤكّد على أنها تجربة ثرية لأنها تساعد على فهم الثقافات الأخرى، وتحدّ من الأحكام الخاطئة التي تفتقد إلى المعرفة والدليل، كما أنها تعزّز قيم الانفتاح والتعدّد.
“هذا النوع من الزواج فيه اثراء للتجربة الإنسانية، فيه نتعلّم كيف نعيش مع أشخاص يختلفون عنا، وثقافاتهم قد تكون في بعض تجاربها أفضل وأغنى مما لدينا”. تكشف هذه التجارب أيضا عن رغبة من الزوجيْن في تبادل الثقافات والعادات والاستفادة من التنوّع والتعدّد الذي يميّز هذه الشراكة. ففي الوقت الذي يختار فيه المهاجر العربي تعلّم اللغات السويسرية الوطنية كالفرنسية والألمانية من أجل الاندماج في المجتمع وفي سوق العمل، تختار الزوجة السويسرية تعلّم اللغة العربية من أجل التواصل مع عائلة زوجها أثناء الزيارات العائلية، ومن أجل منح ابنائها فرصة تعلّم لغة وثقافة جديدة.
ويظلّ الإختبار الصعب لهذا التجربة هو في إيجاد توافق بين الزوجيْن بشأن هوية الأطفال ونمط تربيتهم. وإذا كان الطفل يلحق في العادة بابيه في الشرق، فإنه وإلى حين بلوغه السادسة عشر من العمر يلحق بأمه في البلدان الغربية، وفي كثير من الأحيان يختار الزوجان الطلاق لصعوبة التوصّل إلى اتفاق بشأن الأبناء. لكن الوعي المسبق بهذه المشكلة، والاطلاع على تجارب الفشل السابقة، جعل البعض يضع حلول استباقية وخلاّقة، كمنح الطفل اسميْن في آن واحد، واعتباره مسلما بالنسبة لأبيه مثلا وغير ذلك بالنسبة لأمه، وتعليمه لغتيْ الأب والأم منذ الصغر، ثم ترك الحرية الكاملة له في اختيار ما يريد عندما يكبر. البعض الأخر يبدي الإستعداد باستمرار للحوار وللتفاوض على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب” من أجل الوصول إلى نمط من التربية متفق عليه. وكيف لا يحدث ذلك إذا كانت مصلحة الابناء هي في النهاية هدف الآباء والامهات.