كانت في زمني الأوّلِ
حالمةً كالزَّهرِ
ورائعةً كالنُّورِ
ودافقةً كالنَّهر
كانت دُنيا إلهامي
حينَ يصولُ جوادُ الشِّعر …
في زمنِ الطُّوفانِ اندثرَ الزهرُ
النورُ
النهر
في زمن الطوفانِ
تحجَّرَ صوتي
وانتصرَ القهر
كُنَّا قد قُلنا
لا يخلو دربٌ من عثرات
ستؤولُ إلينا البسمات
لكنَّ الفجرَ القادمَ من مُدنِ الأحلام
سحقتهُ الأوهام
لكنَّ الحُبَّ الناشرَ أجنحةَ الإقدام
خنقتهُ الآلام …
٢ – كانَ الشَّاعرُ يبغي
أن يغدوَ طيرًا أسطوريّا
يتغنَّى لحنًا سحريّا
يحتضنُ الأفئدةَ
فتُزهرُ حُبًّا… وجمالاً
ينصهرُ الحقدُ.. القُبحُ.. الوَهَنُ.. الخوفُ… اليأسُ
الكذبُ.. العفنُ… الغثيانُ… الصَّدماتُ…
الظُّلُمات.. اللعنات.. ال …
يبتهجُ الكونُ جميعًا
لا يحيا إلا الفرحُ.. النُّور
لكنَّ الشَّاعرَ حينَ أفاقَ
وكانَ الأُفقُ إناءً عفِنًا
والليلُ كما الجسدِ الميّت
أشعلَ كفّيه الرَّاعشتينِ
افترشَ الأرضَ
وحدَّقَ في أوراقِه
غاصَ وحيدًا في إرهاقِه
حاولَ أن يُعلنَ أمرًا
لم يقدر
في المرآة
ثبُتت عيناه
نامت كفَّاهُ على شعرِه
قرأَ ” المسخَ ” ونام
حينَ بزوغِ الفجر
خافَ من النُّور
وتكوَّمَ في داخلِ جُحرِه
٣ – عفوًا قد يبدو سَفَهًا
أن يُعلنَ : أنَّا حينَ توقَّفنا عن دفعِ عروسٍ للنَّهر
فسدَ الماء
أمسى سُمًّا في الأحشاء
نبت الخشخاشُ مكانَ الجُمّيز
وانغرسَ الصَّبَّارُ بجذعِ التِّين
٤ – يا نهري
يا نهرَ جميعِ الأحياء
يا ذا القادمُ من خلفِ جدارِ المأساة
لن يُقتلَ حُلمي – حُلمُ الإنسان
فعروسُكَ قلبي الدَّافقُ بالحُبِّ وبالإيمان
إنِّي إذ أجلسُ وحدي في هذا الرُّكنِ المعهود
تتراءى في الأُفقِ دماءُ ضحايا
تثقبُ جُدرانَ الليلِ الأبكم
يتحطَّمُ ما يتحطّم
يُصبحُ ذا الشَّاعرُ طيرًا أُسطوريّا
يتغنَّى لحنًا سحريّا
يبتهجُ الكونُ الظّامئُ للنّور
وتعودينَ
تعودينَ مع الفجرِ المسحور
حالمةً كالزّهرِ
ودافقةً كالنّهر
وتؤوبُ إلينا البسمات …