هل تعلم أن في مصر وحدها خمسة ملايين نسمة من أصول كردية .. منهم أميرة القلوب سعاد حسني، وصوت السماء الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ومابينهما الكثير والكثير من المشاهير والأعلام.
كما أن في الجامع الأزهر الشريف مكان يسمى ” رواق الأكراد” مخصص لطلاب العلم الديني.. وإذا اتجهنا جنوبًا على خريطة مصر والسودان التى كانت دولة واحدة تحت علم واحد أخضر اللون ذات نجمات ثلاث سنرى مدينة كبيرة اسمها ” كردفان”.. أما علم الأكراد الأكبر الذي لايغفل عنه غافل هو مؤسس مصر الحديثة صاحب الإمبراطورية المصرية الشاسعة الأبعاد ، أول من أطلق على نفسه لقب ” خادم الحرمين ” وقد أنشأ التكية المصرية في مكة المكرمة لإطعام زوار البيت الحرام والعاكفين فيه وكل من يريد الطعام والكساء من أهلنا في بلاد نجد والحجاز ، ونفس الحال ينطبق على التكية المصرية التي أنشأها في المدينة المنورة إنه والي مصر محمد على باشا ..ومن منا لايعرف البطل صلاح الدين الأيوبي الكردي محرر القدس الشريف وداحر الصليبيين ..وكذا الطالب الأشهر سليمان الحلبي قاتل المحتل الفرنسي السفاح كليبر الذي كان يرى في التنكيل بالمصريين أوقاتًا للمتعة.. ألا يجعلك هذا الكلام وتلك المعلومات أن تفتش في أصول تاريخ عائلتك ربما كنت كرديًا وأنت لا تعلم ؟
تلك مقدمة للحديث عن كتاب سهل العبارة عظيم الفائدة بعنوان ” دور الكرد في بناء مصر وبلاد الشام ” مؤلفه هو المفكر والباحث والكاتب الصحفي الكردي حسن ظاظا مواليد حي الأكراد السوري.. تجلت فلسفة الكتاب في سطور الإهداء التي لخصها الكاتب في عدة كلمات وكأنها رمية سهم يعرف مقصده وهدفه قائلًا: ” إهداء.. إلى شعوب الشرق الأوسط، للتعرف إلى الدور التاريخي للشعب التركي في تحرير وتأسيس مصر وبلاد الشام “.
بالتجول في صفحات الكتاب يؤكد أننا حيال وثيقة تاريخية مهمة عن دور الأكراد في بناء الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية والمشاركة الفعالة في قيادة النضال الوطني من أجل الحرية والإستقلال لهذه البلدان التى تعرضت عبر التاريخ للغزو الأوروبي والعثماني أيضًا.
ولاينسى المؤلف أن يذكرنا بتعاطف الرئيس المصري جمال عبد الناصر بالقضية الكردية وحرصه الدؤوب على حلها بالطرق السلمية ومنحهم الحكم الذاتي .
خلاصة مايهدف إليه المفكر الكردي حسن ظاظا هو كشف الغطاء وتوضيح دور الكرد مع إخوانهم العرب يد بيد في إعادة بناء سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر .
يقع الكتاب في ستة فصول كلها تبين دور الكرد البطولي في مصر والشام .. يكشف الفصل الأول عن الوجود الكردي في سوريا ولبنان .. وينبه إلى أن تعداد الكرد اليوم يفوق الستين مليون نسمة يعيش معظمهم في كردستان .. وينقلنا الفصل الثاني إلى دور الكرد في بناء سوريا والمشاركة الفعالة في الثورة العربية الكبرى.. أما الفصل الثالث فيذكرنا بشخصيات كردية بارزة وسامقة في عالم السياسة حتى وصلت إلى سدة الحكم السوري .. منها محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية السورية بين عامي 1867 ـــ 1939 .. وينوه الكاتب على نقطة مهمة قائلًا : على الرغم من تكرار اسم شارع ” العابد” في العاصمة السورية دمشق، إلا أن كثيرًا من متداولي اسم الشارع، لايعرفون أن شارع العابد هو اسم أول رئيس للجمهورية السورية .
ربما ماذكره المؤلف من عدم معرفة متداولي اسم الشارع لماهية صاحبه هي ظاهرة واسعة الإنتشار في بلادنا وربما بلاد كثيرة شرقية وغربية .والحق يقال أن الفصل الثالث المخصص للشخصيات التى حكمت سوريا من الكرد كبير جدًا وبه عدد موفور من الرؤساء، ورؤساء الوزارء، والوزراء .. كلها شاهدة على اليد البيضاء الناصعة التى تجلت في تلك المنطقة المتميزة من العالم سوريا أو قل بلاد الشام ومصر .
” الكرد في مصر” .. ذلك هو عنوان الفصل الرابع من كتاب دور الكرد في بناء مصر وبلاد الشام لمؤلفه المفكروالباحث في التاريخ الكردي حسن ظاظا.. ومن اللطيف أن يذكرنا المؤلف بأن تاريخ الكرد في مصر يعود إلى قدماء المصريين وقد بدأ بزواج الأميرة نفرتيتي الميتانية الكردية من فرعون مصر.. وهكذا ظل التزاوج والإندماج ليظهر لنا اسم البطل صلاح الدين الأيوبي في فترة من أهم فترات التحولات السياسية التي قضى فيها على الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي في مصر وأغلق الجامع الأزهر الذي اتخذوه رمزًا لمذهبهم ويؤسس الدولة الأيوبية التي تزهو بها صفحات التاريخ المصري لما فيها من انتصارات . ورغم تلك التباينات ظهلرت شخصيات كردية لها ثقلها في الجيش المصري الفاطمي منها الفارس البطل أحمدبن الضحاك الذي قلب الهزيمة إلى نصر مؤذرعلى الجيش الرومي في قلعة أفاميا ، بالقرب من نهر العاصي في عهد الخليفة الفاطمي القادر بالله، حيث إنقض ابن الضحاك على القائد الرومي فأرداه قتيلًا من فوق حصانه . وبنفس البطولة شارك الكرد في تأسيس الدولة الأيوبية مع البطل الخالد صلاح الدين (1137 ـــ 1193 ) .. ومن كبريات العائلات الكردية في مصر ” تيمور باشا” التي ينسب إليها الكاتب الأديب أحمد تيمورباشا، والشاعرة عائشة التيمورية، والأديب محمود تيمور، وعائلة بدر خان، والأورفلي، وعائلة ظاظا، والكردي ، وانلي ومنها الأخوين أدهم وسيف وانلي أحد علامات الفن التشكيلي المصري .
وهناك من أعلام مصر يعودون إلى أصول كردية منهم أمير الشعراء أحمد شوقي، والإمام المجدد محمد عبده ، والمخرج السينمائي أحمد بدر خان وابنه على بدر خان ،والثائر الأشهر قاسم أمين، والأديب الفذعباس محمود العقاد، والكثيرين ممن يضيق عن ذكرهم المقام .
أكثر من ذلك توغلًا في تاريخ مصر ، تحمل العديد من القرى أسماء كردية منها على سبيل المثال في محافظة الدقهلية ،كفر الأكراد، منية الكردي، قرية الكردي.
وهكذا يستعرض كتاب ” دور الكرد في بناء مصر وبلاد الشام ” في البلاد العربية فينتقل بنا من مصر إلى الأردن وفلسطين .
يمتاز الكتاب بسهولة العرض وعذوبة العبارة وسلاسة الإنتقال من فكرة إلى فكرة مايجعله مرجعًا مهمًا في تاريخ الكرد لايمكن الإستغناء عنه إذا أردنا الحديث عن تاريخ الكرد العظيم والضارب في أعماق التاريخ .