واحد من أهم القرارات التى أصدرها السيد المستشار عمر مروان وزير العدل منذ ايام ..منح الضبطية القضائية لتسعة من المسئولين في مجمع البحوث الإسلامية لضبط جرائم تحريف المصحف الشريف..وهو أمر انتظرته الساحة عامة والازهر خاصة طويلا لوضع حد لفوضى طباعة المصحف ووقف محاولات التلاعب بأشكال والوان طباعة كتابة الله بما لا يتناسب ووقار وجلال وهيبة القرآن الكريم.. خاصة وأن عددا غير محدود من دور النشر انحرفت بالفعل عن جادة الصواب وجنحت إلى أساليب غير مقبولة – سواء عن قصد او مع سبق الاصرار والترصد – للترويج وزيادة المبيعات في الفترة الأخيرة سواء في الكتابة وعدم الالتزام بالضوابط المحكمة للخط والحرف القرآني وحتى نوعية الورق..وفوق هذا وقبله التصدي لاية محاولة للتحريف والتزوير لايات القران الكريم وهي واحدة من احلام القوى المعادية للاسلام والكارهة لكتاب الله والتي اعيتها كل الحيل للنيل منه على مر العصور منذ ان كان وحيا وحتى وصلنا الى عصر السماوات المفتوحة والطبعات الالكترونية والنسخ المدمجة على اقراص وما شابه ذلك من صور واشكال حديثة ومعاصرة..وما صاحب ذلك من انتشار كثيف للنسخ الاليكترونية سواء على مواقع انشئت خصيصا للقران الكريم او على مواقع يشغل الجانب القراني حصة كبيرة من انشطتها يضاف اليها النشاط المرعب على التيك توك واخواتها والتى يلهث وراءها الكثيرون بحثا عن الربح وتحت غواية المكافآت الدولارية لمن يحصل على عدد اكبر من المشاهدات اواللايكات وغيرها.. وتعج مثل هذه المقاطع بالاعلانات التجارية والتى تقطع الايات فجأة دون اعتبار لحرمة او قدسية او ادني مراعاة لصحة الوقف او الابتداء او تمام المعنى و غير ذلك من تصرفات تسيئ وتشوه الايات ومعانيها ومقاصدها.. الاخطر في الموضوع انه يتم التعامل مع الايات والمقاطع المرتلة او المجودة على انها قطعة فنية مثل الاغنية او مشهد تمثيلي من مسلسل او اي عمل درامي اخر.. وبالتالي فلا قواعد لبث الاعلان والمواد الدعائية داخل المقطع ولا يهم مناسبته لمقطع ديني فضلا عن قراني او احاديث نبوية شريفة..
..هذه العوالم المفتوحة بلا ضفاف اغرت القوى المتربصة بالقران الكريم خصوصا ودين الله عموما ووجدت فيها مرتعا خصبا للتسلل وبث السموم وممارسة هوايتها في التحريف والتدليس واثارة الشكوك بكل الطرق الممكنة ..
من الامور التى يمكن ملاحظتها بسهولة وتسجيلها دون عناء تلك العلاقة الطردية بين اهتمام المسلمين بالقران وارتفاع وتيرة الحملة على القران واهله ليس فقط في الدول الاسلامية ولكن بين صفوف الجاليات الاسلامية في الشرق والغرب املا منهم ان ذلك قد يؤثر في حركة المد القوية نحو الاسلام ووقف تيارات انتشاره بقوة بين الغربيين الذي فقدوا الثقة فيما يقدم اليهم وبعد حالة الخواء الروحي الرهيبة التى انعكست اثارها المدمرة على الافراد والمجتمعات الغربية وبعد الضربات القوية التى تتلقاها النظم الاخلاقية والتربوية والانتشار اللامعقول والحماية اللامحدودة لكل حالات الخروج على الفطرة الانسانية من شذوذ وعلاقات مقتوحة مفضوحة وتمرد على كل القيم الدينية والروحية والاجتماعية واطلاق العنان لكل الغرائز بصورة اكثر حيوانية وبوهيمية..
ولعل هذا ما يفسر عمليات الاستهداف للقران الكريم على وجه الخصوص .. فكما هو ثابت ومعروف فان القران هو الوعاء الحقيقي الامثل والاشمل للاخلاق الفاضلة هو الدستور الاعلى للقيم العليا هو القائد والمنظم والموجه لكل توجهات البناء الروحية والدنيوية على السواء دون افراط او تفريط وبميزان حساس يضمن استواء لنفس البشرية على طريق الهدي وبما يحصنها من الوقوع في الرذائل او براثن الضلال والمضلين..
الطريف ان القران الكريم هو من كشف حقيقة المتربصين بالقران والخائفين منه ومن تأثيره وفضح نواياهم المبكرة ورغباتهم المحمومة نحو العبث في اياته وسجل تلك المواقف في ايات صريحة لا تقبل لبسا ولا تاويلا.. يقول تعالى في سورة فصلت الاية 26 :” وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه لعلكم تغلبون”..ورغم فشل كل المحاولات للنيل من القران والمساس باية من اياته منذ ايام كفار قريش ويهود خيبر وغيرهم وصولا الى حركة الاستشراق والاستعمار والاستحمار الثقافي العالمية الحالية وغيرها الا ان القوم لا يعرفون اليأس ويصرون ومستمرون في عنادهم وضلالهم ويمارسون كل الاساليب للتشوية والتحريف ووصل بهم الحال عندما وصلوا الى درجة عالية من اليأس ان يحرقوا نسخا من المصحف او يمزقوا صفحاته على انصاب منصات برلماناتهم البغيضة او بتبني عتاة المتطرفين والارهابيين او بانشاء قنوات فضائية مخصوصة لبث الفتنة واثارة الشكوك على كل شكل ولون وانشاء مواقع على الانترنت وغيرها.. لكن هيهات هيهات .. فالله حافظ لكتابه واكد ذلك بما لايدع مجالا لشك :” انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون”..
الحقيقة التى لايستطيع احد ان ينكرها تلك الجهود المتواصلة لمصر وعلمائها وازهرها على مر التاريخ في مواجهة اي محاولة للمساس بالمصحف فصوتها هو الاقوى وجهدها هو الابرز وهو الذي يقض مضاجع المتربصين ومن والاهم وشايعهم بالقول او بالفعل او باي شيء اخر..
التاريخ يسجل ان اكبر محاولة عملية للرد على تحريف الايات كانت بانشاء اذاعة خاصة للقران الكريم .. تحمل الاسم الكريم .. وجمعت القران الكريم في اول تسجيل صوتي يطلقون عليه الجمع الصوتي للقران بعد الجمع الكتابي الذي تم في عهد كبار الصحابة والاستقرار على مصحف عثمان الشهير.. وهي المحطة التى لها شهرة عالمية تفوق اي اذاعة في العالم وسار على النهج كل الدول الاسلامية بعد ذلك تخصص محطة للقران الكريم والنجوم فيها هم قراء مصر العظام من أمثال الرواد العظام أصحاب الفضيلة المشايخ محمد رفعت والحصري والمنشاوي ومحمد على البنا وباقي السلسلة الذهبية لغباقرة التلاوة القرانية..
وتوالت الجهود بانشاء ادرات خاصة لمراجعة وطباعة المصخف الشريف تابعة للازهر ولجنة شئون القران بمجمع البحوث الاسلامية وهي من اهم واعظم اللجان ليس فقط لعظم دورها ولكن بما تضمه من علماء ثقات في علوم القران والقراءات وغيرها وهم الذين يشع نورهم على العالمين وتضيء توقيعاتهم المباركة تصاريح الطباعة التى لا يمكن ان تتم في اي مكان الا بها.. فهي جواز المرور والحصن الحصين والامان الذي يمنحك الراحة والاطمئنان قبل ان تقلب اوراق اي طبعة من طبعات المصحف الشريف..
ورغم ان وزارة الاوقاف لديها ادارة خاصة لشئون القران وكذا المجلس الاعلى للشئون الاسلامية ولهما دور مهم وكبير في العناية بشئون القران واهله الا ان مسألة الطباعة والتصريح بها فهي شأن ازهري خالص..
الحقيقة ان موضوع الضبطية القضائية اثار الكثير من الشجون حول طباعة المصحف في مصر ومايجري حاليا والامال الكبيرة التى ينتظرها الكثيرون ليس فقط من جانب المصريين بل العالم اجمع..
المهمة كبيرة جدا والاعين والقلوب معلقة بلجنة شئون القران ومراجعة المصحف التي يرأسها فضيلة الدكتور عبدالكريم صالح واعضائها الكرام وبالاعضاء التسعة من المسئولين في مجمع البحوث الذين اصبحوا يتمتعون بصفة الضبطية القضائية وهم:
د.حسن السيد خليل الأمين المساعد للثقافة الإسلامية والشيخ محمد عبدالحميد الشرقاوي مدير إدارة المصحف الشريف بالمجمع ومحمد بيومي أحمد من إدارة المصحف ود.ممدوح ماهر عبد الخالق مدير إدارة الكتب العربية والشيخ عدنان محمد زكي بإدارة الكتب العربية والدكتور محمود محمد حسن بإدارة الكتب العربية والدكتور أحمد عزت رضوان بقسم إخراج وتصدير الكتب والدكتور محمد هواری سید بقسم إخراج وتصديق الكتب والدكتور سعيد محمود النجار مدير إدارة الترجمة .
اعرف ان المهمة امام اللجنة ليست سهلة خاصة اذا اضفنا الى مسألة الطباعة الورقية ومشكلاتها التى لاتنقضي – النسخ الاليكترونية من المصحف وهي واحدة من اكبر الهموم في عصر الفضاءات المفتوحة والتى يختلط فيها الحابل بالنابل وتموج بانواء عاصفة على هذا الصعيد.. ربما يسهل او ييسر من المهمة وجود نسخة الكترونية معتمدة نهائيا من الازهر يتم الرجوع اليها والضبط عليها..
في حدود علمي انه لاتوجد حتى الان نسخة اليكترنية كاملة معتمدة لا في مصر ولا في غيرها ولعل هذا هو الامل الكبير الذي نتمناه ونرجوه لتكون هي المرجعية الاولى والاخيرة لمن يريد تحميل القران الكريم بطريقة مضمونة وامنة بعيدة عن اي محاولة للتحريف او التزوير في اي اية او حرف..
هنا لابد ان نشير الى كارثة كبرى يتحدث الكثيرون عنها في الفترة الاخيرة وهي وجود تلاعب في بعض النسخ الالكترونية وبطرق خبيثة ويتم اضافة كلمة او حذف اخرى او وضع حرف مكان اخر فينقلب المعنى تماما على غير المقصود.. وهي طريقة عمد اليها بعض المستشرقين من اليهود خاصة عند ترجماتهم لمعاني القران الكريم الان يتم التنفيذ مع النسخة الالكترونية وباصوات مشاهير القراء .. خطورة الامر ان تتفشى الظاهرة التى لا يدركها الا الحافظ المتقن .. وبالتالي من خلالها يسهل النفاذ الى التشكيك في الايات والاشارة الى وجود تحريف من نوع ما والقفز على قاعدة انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون..
نأمل ان تنتهي لجنة المصحف قريبا من النسخة الالكترونية التى بدأ العمل فيها منذ فترة..وان تكلل جهود التعاون مع الجهات الرسمية والشعبية المهتمة برعاية كتاب الله ونشره مثل الهيئة الوطنية للاعلام واذاعة القران الكريم ودور النشر الكبرى..
..ويبقى الامل والحلم الكبير وقد اشرت اليه وعبرت عنه من قبل مرارا ان تكون هناك دار طباعة كبرى خاصة للمصحف الشريف في الازهر تصدر “مصحف الازهر” وتلبي طلبات واحتياجات المسلمين في العالم..دار توفر لها الامكانيات العلمية والتكنولوجية وتفسح المجال للابداع في الطباعة على كل شكل وتقدمه بما يليق بعظمة وهيبة القران..والمجالات كثيرة جدا.. القران مفسرا ومترجما ومرتلا ومجودا باصوات جديدة ومتجددة وبالقراءات المعتمدة..
نعم مصر الازهر تستطيع ..وما ذلك على الله بعزيز ..ولعل دار القران التى افتتحها الرئيس السيسي في رمضان الماضي تحمل الينا بشرى جديدة قريبا على طريق القران واهل القران الكريم ..
والله المستعان
megahedkh@hotmail.com