إن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وحيث تكون مصالح البلاد والعباد المعتبرة فثمة شرع الله، وبلا دولة لا مجال لأمن ولا أمان ولا استقرار، فالوطن تاج على رؤوس الوطنيين الشرفاء، ومن لا خير فيه لوطنه لا خير فيه أصلا .
الدولة لكل أبنائها، وهي بهم جميعًا، وهم فيها متساوون في الحقوق والواجبات دون تمييز، وكلما كان أبناؤها على قلب رجل واحد كان أدعى لقوتها ورقيها وتقدمها، وعليهم جميعًا التضافر لحمايتها والحفاظ عليها والعمل على رقيها ونهضتها وتقدمها.
وإذا كان المؤرخون وعلماء الاجتماع قديمًا قد حددوا عناصر بناء الدولة بأنها الأرض والشعب والسلطة الحاكمة، فإن مقتضيات العصر الحديث قد اقتضت أن يضيفوا إلى ذلك الشرعية الدولية، حتى لا تدعي أي جماعة من الجماعات – انفصالية كانت أو متطرفة يمكن أن تسيطر على قطعة من الأرض – أنها دولة.
فالدولة دولة بكل مؤسساتها الدستورية والقانونية وليست كلأ مباحًا لأي جماعة أو فصيل، الدولة أولًا ومن خلالها تُقرُّ جميع الحقوق، فدولة القانون والمواطنة هي الأساس الذي يبنى عليه السلام المجتمعي والعالمي، وأي إضعاف للدولة أو المساس بسلامتها واستقرارها هو تهديد للسلم والأمن المجتمعي وربما الإقليمي والعالمي، في وقت صار فيه العالم أشبه بقرية واحدة ما يحدث في شماله يؤثر في جنوبه وما يحدث في شرقه يؤثر في غربه، وهكذا تأثير ما يحدث في أي بقعة منه، وما تأثيرات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتهما منا ببعيد.
وإن إفساح المجال لأي من الجماعات الإرهابية أو المتطرفة أو بعض الميليشيات أو الفصائل العميلة أو المأجورة لمحاولة تفتيت وتفكيك دولها لخطر عظيم يجب التنبه له والتعامل معه بمنتهى الجدية والحسم، مع تأكيدنا أن أوطاننا أمانة في أعناقنا يجب أن نحافظ عليها – أفرادًا ومؤسسات , وشعوبًا وحكومات – وبكل ما أوتينا من قوة وأدوات وفكر، فالدولة الوطنية بكل مؤسساتها الدستورية والقانونية هي أساس أمان المجتمعات وضمان استقرارها، كما أن العمل على تحقيق وترسيخ المواطنة التفاعلية والإيجابية الشاملة واجب الوقت، وأن بناء الدولة والحفاظ عليها واجب ديني ووطني، والتصدي لكل محاولات هدمها أو زعزعتها ضرورة دينية ووطنية لتحقيق أمن الناس وأمانهم واستقرار حياتهم.
وقد أكدنا في كتابنا الكليات الست أن الوطن أصل راسخ بين هذه الكليات التي يجب الحفاظ عليها وهي الدين والوطن والنفس والمال والعرض والعقل، لأن الحر الشريف يفتدي وطنه بنفسه، ويسهم بكل ما يملك من مال وعلم وفكر وجهد في سبيل أمنه واستقراره ورقيه وتقدمه.
والوطنية الحقيقية تقتضي أن نكون صفًّا واحدًا ولا سيما وقت الشدائد والأزمات، نتكافل ونتراحم ويأخذ بعضنا بيد بعض، دون جشع أو احتكار أو استغلال للأزمات، فنحن في سفينة واحدة هي سفينة الوطن التي ينبغي على كل واحد من أفرادها أن يعمل على نجاتها وحسن إبحارها، وتأخذ الدولة على يد من يعمد أو يعمل على إفسادها أو تخريبها أو تعطيل مسيرتها، نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا حسن الفهم لديننا ، وأن يحفظ مصرنا العزيزة وأهلها من كل سوء ومكروه ، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا .