في إطار العمل على تعزيز الحق في المعرفة ، من خلال أنشطة مؤسسة حرية الفكر والتعبير المختلفة ، سواء ما يتعلق منها برصد الانتهاكات ، أو تقديم الدعم القانوني ، أو إعداد الدراسات والأوراق البحثية المتعلقة đذا الصدد ، تتقدم المؤسسة هذه الدراسة حول حرية تداول المعلومات في مصر ، وبعض الأنظمة القانونية المقارنة ، مساهمة منها في الجدل الذي يدور
منذ سنوات وحتى الآن بشأن هذه المسألة ، خاصة مع طرح مشروع لقانون حرية تداول المعلومات في مصر ضمن حزمة القوانين والقرارات التي دخلت حيز النقاش بعد ثورة 25 يناير .
تناقش الدراسة الأساس الدستوري لحرية تداول المعلومات في مصر ، وتلقي الضوء على أوجه القصور التي تعتري الحماية الدستورية التي يجب أن تُكفل لهذه الحرية ، كما توضح أهم المعايير الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان المتعلقة هذه
الصدد ، وكذلك المبادئ التي استقرت عليها أحكام بعض المحاكم الإقليمية . ثم تنتقل الدراسة إلى التشريعات المصرية التي تعرضت لحرية تداول المعلومات سواء بتقييدها ، أو بحمايتها ، وأهم التطبيقات القضائية.
وتأتي أهمية الحق في الوصول للمعلومات وتداولها من اعتباره أحد أهم آليات تعزيز ودعم ممارسة الحقوق الأخرى على اختلاف أنواعها، فهو عامل أساسي لتهيئة سياق وبيئة عامة تحترم وتحمي وتؤدي الحقوق، سواء كان ذلك على مستوى الفرد الطامح لأن يكون مواطنا كاملا دون عنف أو تمييز أو ēميش، أو على مستوى مجتمع طامح لتنمية إنسانية حقيقية
ومناخ يحترم الحريات ويقوم على أسس ديمقراطية تحترم معايير الشفافية والحكم الرشيد . و أو جزت سارة جاجوانث في كتابة
(الحق في المعرفة ..الحق في الحياة) عن تأثير وعلاقة الحق في المعرفة على باقي الحقوق الأخر ى بأنه -:
إما جزء ومكون أساسي متضمن في ممارسة حقوق أخرى كحرية التعبير والحق في محاكمات عادلة ..الخ
أو يعزز ويحمي حقوق أخرى كالحقوق الاجتماعية والاقتصادية
أو يدعم الدفاع عن الحق في ممارسة الحقوق الأخرى
بعد عشر سنوات من المحاولات، لم يكتب خلالها عن صدور قانون لتداول المعلومات، تبقى هناك عدة قوانين تقيِّد حرية تداول المعلومات. ويجب أن يتم مناقشة هذه القوانين ومراجعة نصوصها المتعارضة مع حرية تداول المعلومات، كجزء من عملية إصدار قانون تداول المعلومات.
تستعرض الورقة عدة قوانين مصرية مقيِّدة لتداول المعلومات، في محاولة لفهم السياق السياسي الذي انطلقت منه هذه القوانين. وتحظر هذه القوانين تداول المعلومات بوضع نصوص مقيِّدة وإجراءات بيروقراطية دون ضمانات، ما يؤدي إلى أن يكون الأصل هو حجب المعلومات، والاستثناء أن تفصح عنها مؤسسات الدولة. وثمة أمثلة كثيرة، مثل: التوسع في حظر النشر ومنع تداول المطبوعات وممارسة الرقابة على الإنترنت. ليس ذلك فقط، بل إن هذه القوانين تفرض عقوبات سالبة للحرية سواء على المواطن، أو موظفي القطاع الحكومي على الأخص.
“الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، والإفصاح عنها، وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة، وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومى. وينظِّم القانونُ قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها، وطريقة الحصول على المعلومات، والتظلم من رفض إعطائها، وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة”.
مادة (47) من الدستور المصري لعام 2012.
منذ بداية جائحة كورونا والحديث عن أهمية المعلومات وتداولها، بات أكثر وضوحًا، خاصة مع ارتباطه بشكل أساسي بالحق في الصحة والحق في الحياة بشكل أوسع. كما أن للحصول على المعلومات ونشرها وتداولها أهمية فيما يخص قدرة الأفراد على ممارسة التعبير عن رأيهم، ومراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها. وتضمن الشفافية في نشر المعلومات المشاركة الفعالة للمواطنين في القرارات والمشروعات، التي قد تؤثر بشكل مباشر على حياتهم.[1]
وتجدر الإشارة إلى أنه في الوقت السابق على ثورة الخامس والعشرين من يناير لم يكن الحق في تداول المعلومات منصوصًا عليه داخل الدستور المصري بشكل مباشر، وإنما بشكل غير مباشر من خلال نص المادة 47 من دستور 1971 التي نصت على الحق في حرية التعبير.
وفي دستور مصر المعدَّل عام 2014، تم تغيير نص المادة 47 من دستور 2012 إلى المادة (68) التي نصت على: “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقًا للقانون”.
إذن جاءت نصوص مواد دستور 2012 والذي جرى تعديله عام 2014 كإضافة إيجابية على صعيد الحق في التداول والحصول على المعلومات، إلا أنها لم تُترجَم إلى ممارسات على أرض الواقع. إذ إنه بعد مرور ما يزيد على عقد على ثورة الخامس والعشرين من يناير، لم يكتب خلالها لقانون حرية تداول المعلومات الخروج إلى النور، في ظل غياب الشفافية وثقافة السرية التي تشوب عمل الدولة بكافة قطاعاتها، وتقييد الوصول إلى المعلومات.
وحاول مركز المعلومات لدعم اتخاذ القرار إصدار مسودة لقانون تداول المعلومات في عام 2011، ثم قدم عددٌ من منظمات المجتمع المدني ــ من ضمنها مؤسسة حرية الفكر والتعبير ــ مسودة قانون تداول المعلومات في عام 2012، مرورًا بإصدار عدد من الوزارات والهيئات بالدولة مسودات مختلفة كوزارتي الاتصالات والعدل والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وسيطر على المسودات الرسمية التكتم وعدم إشراك أيٍّ من أطياف المجتمع المختلفة، أو الخبراء، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في المجال.
على الجهة الأخرى، يوجد ما يزيد على أحد عشر قانونًا على الأقل، ترسخ موادهم تقييد وتجريم تداول المعلومات. ويمتد ذلك إلى تقييد عمل الصحفيين، الذي هو في أساسه يقوم على نشر وتداول المعلومات، وكذلك منع موظفي الدولة من تداول المعلومات بداعي الحفاظ على السرية.
أولًا: خريطة للقوانين المقيِّدة لتداول المعلومات:
“لمست الحكومة على إثر قيام الحركة الأخيرة ــ المقصود حركة الضباط الأحرار ــ الحاجة إلى هيئة تهيمن على الإرشاد والتوجيه والدعوة وغايتها التوجيه القومي ومكافحة العيوب الاجتماعية وإذاعة الأفكار والمعلومات الصحيحة في الداخل والخارج”.
المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 270 لسنة 1952 بشأن إنشاء وزارة الإرشاد القومي. اتخذنا من قانون إنشاء وزارة الإرشاد القومي نقطة انطلاق للورقة، بسبب ما تنص عليه المذكرة الإيضاحية الخاصة بقانون إنشائها، من أن الهدف من إنشائها كان الهيمنة على المعلومات، ونشر المرغوب في نشره والعكس صحيح. وقد تبع ذلك القانون، قانون آخر لإنشاء دار الوثائق القومية رقم 356 لسنة 1954 التابع بدوره لوزارة الإرشاد القومي ــ آنذاك ــ وغيرها من القوانين التي اتبعت النمط ذاته في التعامل مع المعلومات وتداولها، التي سنتوسع في ذكرها خلال أجزاء هذه الورقة. وبالإضافة إلى ذلك، انقسمت وزارة الإرشاد القومي فيما بعد إلى وزارتي الثقافة والإعلام اللتين تلعبان دورًا محوريًّا في مسألة تداول المعلومات.
وعلى الرغم من اعتبار قانون إنشاء وزارة الإرشاد القومي نقطة الانطلاق ــ التي استطعنا الوصول إليها ــ فيما يتعلق بالقوانين المقيِّدة لتداول المعلومات داخل البنية التشريعية المصرية، فإن قانون 20 لسنة 1936 في شأن تداول المطبوعات، يعتبر النواة التشريعية التي بنيت عليها قوانين تقيِّد تداول المعلومات.
إذ إنه من خلال تتبع القوانين التي تنطوي على تقييد حق المواطنين في الاطلاع على/ تداول المعلومات، ومحاولة الوصول إلى السياقات السياسية/ الاجتماعية المرتبطة بصدورها، يتضح عودة جذور تقييد تداول المعلومات داخل البنية التشريعية المصرية إلى فترة الاحتلال البريطاني من خلال قانون تداول المطبوعات رقم 20 لسنة 1936، إلا أن الفترة المحورية/ الفاصلة فيما يتعلق بنمط تداول المعلومات، وترسيخ ثقافة السرية بشكل واسع هي فترة الخمسينيات ــ حكم جمال عبد الناصر ــ التي صدرت فيها أغلب القوانين التي تحويها الدراسة.
وتعد نقطة التحول منذ أواخر التسعينيات وحتى وقتنا الحالي هي القوانين الهادفة إلى الضبط والرقابة المحكمة على الإنترنت. ويمكن ملاحظة صدور القوانين سالفة الذكر في سياق سياسي واجتماعي محدد استجابة لحاجة ملحة في تلك الفترات، كحالة الحرب أو الاضطراب السياسي. ولكن لم يتم تعديل تلك القوانين للتماشي مع متطلبات العصر والتوجه العالمي السائد بخصوص التوسع في نشر وتداول المعلومات، وهو ما سنشير إليه خلال هذه الورقة.
إذن لتحقق حرية تداول المعلومات في مصر تواجهنا العديد من العوائق، بداية من عدم وجود قانون يُلزم جهات الدولة بالسماح بنشر المعلومات بشكل استباقي، مرورًا برفع الوعي بخصوص أهمية تداول المعلومات والخطوات المطلوبة للحصول على المعلومات، وصولًا إلى تعديل مواد عدد من القوانين داخل البنية التشريعية المصرية، والتي تتعارض بشكل واضح مع أبسط مبادئ تداول المعلومات.
ومن خلال قراءة عدد من القوانين التي صدرت ومعمول بها حتى وقتنا الحالي يتقاطع بشكل أو بآخر مع تداول المعلومات ومن تبعات تلك القوانين وجود نوعين من الرقابة على تداول ونشر المعلومات، رقابة إجرائية، وأخرى موضوعية.