يقينى أن هواء ربيع الأول غير هواء أى شهر آخر من شهور السنة، لو كنت عالما فى أمور البيئة لأرسلت عينة من هواء ربيع الأول لكل معامل التحاليل المتخصصة فى البيئة فى العالم كله؛ لا لكى أثبت لنفسى ولا لهم أن هواء ربيع الأول غير كل هواء، فأنا متأكد من ذلك تمامًا، ولكن فقط لتكون دعوة للاستمتاع بهذا النقاء الذى لا يضاهيه نقاء. كيف لا وكلما هل علينا ربيع الأول حمل إلينا معه السيرة العطرة لمولد أحب خلق الله محمد بن عبد االله سيد ولد آدم قاطبة؟
ماذا بينك وبين الله يا ربيع الأول ليصطفيك من بين شهوره العظيمة لتنال تلك المكانة المتفردة بأن تحتضن أيامك ولياليك ذكرى مولد الرحمة المهداة من الله سبحانه وتعالى للبشرية كلها «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وكيف حال هؤلاء الأطباء الذين تركد بضاعتهم وتنفض أسواقهم خلال ربيع الأول حيث لا يحتاج العليل ليطيب إلا للصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم.
اللهم صل وسلم وبارك على النعمة المسداة والرحمة المهداة والسراج المنير وسيد المرسلين وإمام المتقين المبعوث رحمة للعالمين.
منذ أن تهل نسائم ربيع الأول تهدأ النفوس وتفرح القلوب وتقر الأعين، الجوارح تتناجى وتتنادى فيما بينهم، المخ يناجى القلب قائلًا: مقبلة عليك أيام ولد فى مثلها سيد البشر فدع حزنك الذى يلازمك طوال الشهور وافرح بشهر ذكرى ميلاد الحبيب، والقلب يناجى العين ألا يا عين فكفكفى دموعك التى لم تنفك تلازم مآقيك، واسكنى قليلا فلا دموع تبقى فى العين التى تتمثل رسول البشرية أمامها، أما العين فتناجى اللسان: حل مشكلتك يا صديقى موجود وبين يديك لكنك تتغافل وتجفل، تريد الدواء، فكن رطبًا بذكر الله وبذكر كلام رسول الله. جرب أن تبدأ تلك الروشتة من لحظة أن يهل على البشرية هلال ربيع الأول، لا تتحدث أيها اللسان إلا عن هذه الذكرى العطرة، وصدقنى بعدها ستستحى أن تتحدث ببذيء الكلام، تمثلك لذكرى الرسول الكريم ستجعلك يومًا ما مثله، فليس المؤمن الحقيقى كما قال صلى الله عليه وسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء.
ولأنه صلى الله عليه وسلم المبصر الوحيد بين العميان والنموذج المحلول للنظرية، فقد كشفت لنا السيرة العطرة كل تفاصيل حبيبنا وشفيعنا محمد، منذ أن يستيقظ من النوم وحتى يخلد إليه مرة أخرى، منذ أن قال للسيدة خديجة رضى الله عنها (لقد نزل عليّ الناموس الأعظم) وحتى قوله للناس فى حجة الوداع (لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا). لا يوجد بشر على وجه الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها تعرف الناس كل تفاصيل حياته مثل سيدنا محمد. كيف لا وقد ورد فى الأثر أن الله عز وجل يقسم بعزته وجلاله قائلًا: (وعزتى وجلالى لو جاءونى من كل طريق واستفتحوا من كل باب ما فتحت لهم إلا خلفك يا محمد).
ولأن الصحابة الكرام فهموا ذلك وأدركوه جيدًا فلم يجد أى منهم حرجًا أن يسأل زوجات الرسول عن أدق التفاصيل، كيف يأكل ويشرب، كيف يرتدى ثيابه وكيف ينام. لم يقل أحد منهم لنفسه لا يصح أن تتطفل على تفاصيل حياة الرسول، فهم فهموا معانى الآيات الكريمة، «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة»، واستوعبوا قوله عز وجل: «إن تطيعوه تهتدوا» و«قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله»، وغيرها من الآيات التى توضح أن محبة الله للعبد ودخوله جنته ليس لهما طريق سوى طريق خير الأنام.
فاللهم أدم علينا بركة الرسول واجعل عقولنا وقلوبنا تستوعب السيرة العطرة لخير البشر لتقتدى بها علنا نسعد بصحبته فى الجنة، آمين آمين.
Hisham.moubarak.63@gmail.com