التفكير قصير المدى يسيطر على صناع السياسة بواشنطن وتل أبيب
تصورات عديدة.. احتمالات نجاحها ضئيلة.. ولا أحد لديه خطة واضحة
دعوات صهيونية لإنشاء “منطقة عازلة” .. ولكن!!
نتنياهو غير مؤهل للانتصار .. ولا لتحقيق سلام أكثر استدامة..!!
حتى لو قضوا على حماس .. فلن تتوقف المقاومة ..!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
ردا على سؤال لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حول من سيحكم قطاع غزة في أعقاب الحرب الإسرائيلية المدمرة ضد حماس، قال إن عودة السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا هي “الأمر الأكثر منطقية”.
وما لم يذكره الوزير الأمريكي هو أن السلطة الفلسطينية، قالت بالفعل إنها ليس لديها مصلحة في تولي السلطة إذا كانت بحاجة لمساعدة إسرائيل.
وتقول وكالة أسوشيتدبرس في تقرير لها إن تعليقات بلينكن تعكس ما يعتبره بعض المحللين الافتراضات المشكوك فيها والتفكير قصير المدى الذي يسيطر على صناع السياسة الأمريكيين والإسرائيليين منذ أن أعلنت إسرائيل الحرب ردًا على هجوم حماس في 7 أكتوبر.
وبدعم أميركي قوي، حددت إسرائيل هدفين واضحين: إعادة كل الرهائن وتدمير حماس، التي تحكم غزة منذ عام 2007.
وحتى لو تم تحقيق هذه الأهداف التي يصعب تحقيقها، فلا يبدو أن إسرائيل أو الولايات المتحدة قد فكرتا كثيراً فيما قد يأتي بعد ذلك في غزة. وقد طرح المسؤولون العديد من الأفكار وكل منها تبدو احتمالات نجاحها ضئيلة، مع الاعتراف بأنه لا أحد لديه خطة واضحة للمنطقة بعد انتهاء الحرب.
قال الوزير الإسرائيلي رون ديرمر، المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للصحفيين: “الجميع متفقون على أن حماس لا يمكن أن يكون لها وجود”. وأضاف: “هناك الكثير من الأفكار المطروحة، لكن من السابق لأوانه مناقشتها الآن“.
وقال بلينكن خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي إنه لا يمكن عودة حكم حماس لغزة. كما استبعد احتلالا إسرائيليا دائما للأراضي، وهو ما تقول إسرائيل أيضا إنها لا تريده.
وأضاف: “في مرحلة ما، الأمر الأكثر منطقية هو أن تتولى السلطة الفلسطينية الفعالة والمنشطة الحكم والمسؤولية الأمنية في غزة”. وأوضح أن هذا قد يستغرق بعض الوقت ويتطلب دعما من دول أخرى في المنطقة. ثم كرر الهدف المعلن للرئيس جو بايدن وهو إحياء محاولات التوصل لحل الدولتين.
وتقول اسوشيتدبرس إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لا يحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، حيث يحكم المناطق التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ طردت حماس قواته من غزة.
خلال اجتماع دبلوماسي مغلق مع بلينكن بالأردن منتصف أكتوبر، أوضح عباس أنه لا يستطيع السيطرة على غزة التي مزقتها الحرب في أعقاب الغزو الإسرائيلي، خاصة مع عدم وجود حل دبلوماسي طويل الأمد، وفقًا لما ذكره مسؤولان فلسطينيان على صلة مباشرة بالمحادثات.
ونقلا المسؤولان عن عباس قوله لبلينكن: “لن أعود على رأس دبابة إسرائيلية”. وطالب بالسيطرة على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة “في سياق إقامة دولة فلسطينية”.
وحتى قبل الحرب، كان نتنياهو يعارض استقلال فلسطين. ومن الصعب أن نتصور أن أي حكومة إسرائيلية ستكون على استعداد للتنازل للفلسطينيين عن الأراضي خارج غزة، التي انسحبت منها إسرائيل عام 2005.
وطرح المسؤولون الإسرائيليون مؤخرًا مقترحاتهم الخاصة بشأن مستقبل غزة، ولم يتضمن أي منها استقلال فلسطين. ومن بينها دعوات لإنشاء “منطقة عازلة” شمال القطاع تهدف لإبقاء الفلسطينيين بعيدين عن الحدود الإسرائيلية. ولكن هذا السيناريو لن يعالج وضع المنطقة على المدى الطويل.
وتناولت دراسة أصدرتها وزارة المخابرات الإسرائيلية، عددا من السيناريوهات طويلة المدى، ولم يشمل أي منها إقامة دولة فلسطينية. ووصفت الدراسة عودة السلطة الفلسطينية بقيادة عباس إلى غزة بأنها الخيار الأسوأ، قائلة إن ذلك سيعطي “نصراً غير مسبوق للحركة الوطنية الفلسطينية، وهو نصر سيكلف حياة الآلاف من المدنيين والجنود الإسرائيليين“.
وبالمثل، قالت إن إمكانية زراعة قيادة بديلة في غزة تعتورها عيوب كبيرة، ومنها الافتقار للردع مع خطر تجدد العنف. وكان خيارها المفضل هو الطرد الجماعي للفلسطينيين من غزة إلى مصر وهو ما رفضه الفلسطينيون ومصر.
وقالت ديانا بوتو، المحللة الفلسطينية ومفاوض السلام السابق: “لم تفهم الولايات المتحدة الفلسطينيين قط”. ودعت بوتو لرؤية طويلة المدى توفر للفلسطينيين الحرية وتخلق علاقة سياسية واقتصادية حقيقية بين الضفة الغربية وغزة اللتين تقعان على طرفي نقيض من إسرائيل.
وأضافت: “لا أعتقد أنهم يفهمون أنه، بغض النظر عما يحدث لحماس، ستكون هناك نسخة أخرى من المقاومة التي ستظهر”. “الناس يريدون أن يكونوا أحرارًا وسيقاومون لكي يصبحوا أحرارًا.”
موت حل الدولتين
لكن المحلل أنتوني كوردسمان يشير، في تقرير نشره موقع مركز السياسات الاستراتيجية والدولية csis.org، إلى أن نتيجة الحرب أصبحت واضحة، زاعمًا إن إسرائيل قوية جداً بما يمكنها من إقصاء حماس وإنشاء هيكل أمني جديد في غزة تريده تل أبيب، بحيث يقتصر العمل الفلسطيني بإسرائيل والضفة الغربية على المظاهرات وأعمال العنف أو العمليات الإرهابية الصغيرة. أما بالنسبة لبقية العالم العربي، فلا يبدو أن إسرائيل تواجه أي تهديد عسكري مباشر من جيرانها العرب.
وكما يُظهِر هجوم حماس، فالتهديد الأكثر خطورة الذي يواجه إسرائيل حالياً هو تهديد داخلي وإلى حد ما من صنعها ذاتياً. وهو مدفوع بفشل إسرائيل في توفير دولة حقيقية للفلسطينيين أو الأمن والفرص الاقتصادية والسياسية المتساوية. وبدلاً من إقامة دولة، ينقسم الفلسطينيون إلى أربعة جيوب تسيطر عليها إسرائيل، التي تمارس ضغوطًا مختلفة على الفلسطينيين المقيمين فيها. وهذه الجيوب تشمل منطقة القدس الكبرى، بما فيها من توترات وصراعات للسيطرة على قلبها المركزي الأقدم، وأماكنها المقدسة، ثم تأتي بقية إسرائيل، مع لوائح مختلفة بشأن حقوق الفلسطينيين، والمواطنة، والتنقلات، والمراقبة والأمن المشددين.
الجيب الثالث هو الضفة الغربية، بالهيكل الأجوف لحكومة أبو مازن، وسيطرة أمنية إسرائيلية فعلية على قوات الأمن الفلسطينية، ورقابة مشددة على تحركات الفلسطينيين، وتزايد مطرد لأعداد “المستوطنين” الإسرائيليين بشكل حاد، بدعم من حكومة نتنياهو.
الجيب الرابع هو غزة، التي تشهد أسوأ الضغوط على الفلسطينيين. ويسكنها حوالي 2.1 مليون نسمة. ليس لديها صناعة أو صادرات رئيسية. وهي تعتمد على إسرائيل في الحصول على مياه الشرب والطاقة الكهربائية. وتشكل مساحات محاصيلها الصغيرة جزءًا من المنطقة الأمنية الإسرائيلية.
وتعاني غزة من بطالة تصل إلى 50%، وتعتمد على المساعدات الخارجية. وهي واحدة من أصغر المجموعات السكانية ولديها أكبر عدد من الأطفال والشباب مقارنة بأي منطقة في العالم. ويفصلها جدار عن بقية إسرائيل وليس لديها مطارات ذات معنى أو حرية الوصول للبحر المتوسط. وقد يعتمد الأمر على الوظائف في إسرائيل، لكن الأنظمة الأمنية الإسرائيلية حدت من هذه الفرص وفرضت رقابة مشددة على الخروج من غزة أو العودة إليها، بل وطردت العمال الفلسطينيين من الأراضي المحتلة.
القتال الدائر الآن يشي بأن حل الدولتين قد لا يكون ميتاً تماماً، ولكنه قريب جداً من الموت، فالجهود المبذولة لإحيائه من غير المرجح أن تكون أكثر من مجرد أعمال دبلوماسية الزومبي.
المرجح أن تكون النتيجة النهائية عبارة عن جهود خارجية عقيمة لمواصلة النهج الفاشل في التعامل مع السلام عبر التفاوض لإيجاد حل الدولتين. لكن كل الجهود المبذولة للتفاوض على حل الدولتين مُنِيَت بالفشل.
يرى كل من عامي ايالون وجلعاد شير وأورني بتروشكا، في مقال على موقع فورين أفيرز أن هزيمة حماس تصب في مصلحة “العالم الحر” وكذلك في مصلحة إسرائيل، فقد اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنشاء تحالف دولي لمحاربة حماس.
وبينما تعمل إسرائيل على إلحاق الهزيمة بحماس عسكرياً، يتعين عليها أيضاً أن تحدد استراتيجيتها الطويلة الأمد. ونتنياهو غير مؤهل لتوجيه أي جزء من هذه العملية؛ لا الحرب لهزيمة حماس ولا الجهود الرامية لتأمين سلام أكثر استدامة.
سعى بنيامين نتنياهو، الزعيم المتهور، إلى تعزيز موقف حماس في غزة. وتبنى الفكرة القائلة بأن حكم حماس كان مفيداً لإسرائيل: فالانقسام الفلسطيني يخدم المصالح الإسرائيلية بشكل أفضل في ظل انفصال غزة عن الضفة الغربية.
وأشار العديد من النقاد الإسرائيليين إلى التناقض بين خطاب ألقاه نتنياهو في جامعة بار إيلان بتل أبيب 2009، وأيد فيه حل الدولتين، وبين تصرفاته اللاحقة، التي عززت التصور بأن إسرائيل ليس لديها شريك فلسطيني مشروع للتفاوض معه.
ويعتقد نتنياهو أن قطع العلاقات السياسية بين الضفة الغربية وغزة يعيق أي عملية سلام يمكن أن تؤدي إلى نتيجة الدولتين. وكانت رغبته في تخريب هذه العملية ومنع ظهور دولة فلسطينية ذات سيادة وتقسيم الأراضي المقدسة.
العاب غبية
قبل تولي نتنياهو السلطة عام 2009، أظهر استطلاع أجراه معهد داهاف أن 78% من الإسرائيليين مستعدون لمعالجة هذا الوضع غير المستدام من خلال حل الدولتين. ولكن بدلاً من تبني مهمة معالجة خطة السلام القائمة على الدولتين، أجبر نتنياهو الإسرائيليين على أن يتحملوا لسنوات عديدة وابلاً متواصلاً من الصواريخ التي تطلقها حماس على مدنهم وقراهم.
لكن اعتبارًا من سبتمبر 2023، وفقًا لاستطلاع أجرته مبادرة جنيف، يؤيد 42% من الإسرائيليين حل الدولتين. ويمثل هذا بعض التآكل في ثقة الجمهور بالفكرة منذ تولي نتنياهو السلطة. ومع ذلك، وبالنظر إلى مدى عدوانية نتنياهو لقمع أي احتمال لحل الدولتين، فمن المهم أن عددًا أكبر بكثير من الإسرائيليين ما زالوا يقولون إنهم يفضلون حل الدولتين.
وقبل أن نتمكن من معالجة حل الدولتين، فلابد من إزاحة حماس عن السلطة في غزة. لكن الإطاحة بحماس قد تتطلب المزيد من القتال الصعب في المناطق الحضرية.
وحماس مجرد فكرة: فكرة ضرورة إبعاد اليهود نهائياً عن الشرق الأوسط من خلال العنف. وتروق هذه الفكرة للعديد من الفلسطينيين طالما لا يوجد خيار سلام حقيقي يمكنهم أن يعلقوا عليه آمالهم. إنها فكرة لن تُهزم بالبنادق أبدًا. ولابد أن تنشأ فكرة أكثر جاذبية لا تفترض أن اليهود والعرب محصورون في لعبة محصلتها صفر، ولكنها تقدم سيناريو مربحاً للطرفين.
لكن تدمير القوات المسلحة التابعة لحماس يخلق فراغاً سياسياً في غزة. ولن تكون لإسرائيل مصلحة في استئناف السيطرة على السكان الفلسطينيين هناك. ويجب عليها أن تساعد في تصميم عملية تتولى فيها قوة دولية استعادة النظام العام وإصلاح البنية التحتية. ومن الممكن أن يؤدي هذا التحول إلى إطلاق المفاوضات حول خطة الدولتين على غرار مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي تخضع للتعديلات.
واقترحت هذه المبادرة أن تتمكن إسرائيل من تأمين السلام مع العالم العربي بأكمله مقابل انسحابها من الضفة الغربية والأجزاء التي يهيمن عليها العرب في القدس.
ولا يستطيع نتنياهو توجيه أي جزء من هذه العملية، لا عملية السلام ولا الحرب أيضاً. لقد فقد تمامًا ليس فقط ثقة أعدائه، بل أيضًا العديد من أصدقائه. كما فقد ثقة أعضاء في أعلى مستويات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. الأكثر أهمية هو أنه لا يستطيع قيادة إسرائيل في لحظة فريدة تتطلب منها اغتنام الفرصة لتغيير اتجاه صراعها مع الفلسطينيين. ويجب عليه أن يستقيل على الفور إذا كان لإسرائيل أي فرصة للتعافي من الدمار الذي ألحقه بأمنها واقتصادها ومجتمعها.