المشروع الصهيوني هو نتاج التنسيق و التعاون بين الاستعمار والأغنياء اليهود و الحركة الصهيونية . فالاستعمار هو الذي عمل أولا على إقامة المشروع الصهيوني في الوطن العربي , وبعد تأسيس الحركة الصهيونية ارتمت كلية في أحضانه لخدمة مصالحه وإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين , قلب الوطن العربي .
ان المشروع الصهيوني مشروع استعماري للدول الاستعمارية , ومشروع استعمار استيطاني يهودي للصهيونية العالمية , إرهابي وعنصري وإجلائي . وتقوم طبيعته على نظرية المجال الحيوي للصهيونية العالمية من النيل إلى الفرات كمقدمة للهيمنة على العالم .
إن الصراع معه صراع وطني وقومي وديني وإنساني , لردعه ووقف تمدده وتخليص شعوب المنطقة و العالم من أطماعه وأخطاره وحروبه .
بدأ كجزء من المشروع الاستعماري للهيمنة على الوطن العربي ويتوسع في أطماعه للهيمنة على الشرق الأوسط حتى الدول الإسلامية في آسيا الوسطى .
فالصراع معه هو امتداد لصراع الأمة العربية مع الاستعمار الأوروبي والامبريالية الأميركية , حيث تحول المشروع من الفكرة التوراتية والقرار الصهيوني إلى مشروع تبنته الدول الاستعمارية وتدعمه اليهودية العالمية . ما زال الاحتلال الإسرائيلي يعيش حالة الصدمة الناجمة عن هجوم حركة حماس العسكري على مستوطنات غلاف غزة، بحيث يمكن القول أن طوفان الأقصى في أكتوبر 2023 هي النسخة الجديدة من مفاجأة حرب الغفران قبل خمسين عاما في أكتوبر 1973، مما يجعلها عملية مدروسة ومنسقة، بل وضربة استباقية.
عديدة هي التقييمات الإسرائيلية لما حصل من انتكاسة أمنية وعسكرية غير مسبوقة في تاريخ الاحتلال، سبقتها تحضيرات طويلة من حماس لم تقرأها المخابرات الإسرائيلية بشكل صحيح، وسط فرضية خاطئة سادت لديها، تمحورت حول أن الحركة لن تورّط نفسها في جولة عسكرية أخرى، وتفضّل إجراء ترتيبات لتحسين الوضع الاقتصادي في القطاع، فيما تبذل جهدها لإشعال النار في الضفة الغربية، وبالتالي تم تقليص انتشار الجيش الإسرائيلي على حدود قطاع غزة.
استيقظ الإسرائيليون صباح السابع من أكتوبر على أول هجوم برّي من وحدات القسام باتجاه مستوطنات غلاف غزة، ضمن مخطط تفصيلي عملت عليه منذ سنوات، أسفر حتى كتابة هذه السطور عن مقتل قرابة 1400 جندي ومستوطن، وإصابة قرابة ثلاثة آلاف، وأسر ما يزيد عن 130 آخرين.
تقوم طبيعته على نظرية المجال الحيوي للصهيونية من النيل إلى الفرات , وإقامة “إسرائيل العظمى ” الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه سفاح قانا شمعون بيريز . ويعمل على ديمومة استمرار المواجهة مع طموحات الشعوب العربية و الإسلامية في الوحدة و التحرر وتقوم إستراتيجية “إسرائيل” على استخدام القوة و التهديد باستخدامها وإشعال الحروب العدوانية وارتكاب المجازر الجماعية لتخليد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني , وللضغط و الابتزاز وكسر الإرادات و القضاء على لوحدة العربية , والنظام العربي وحركات المقاومة , والسيطرة على المنطقة وتغيير هويتها العربية الإسلامية لأمركتها وصهينتها .
إن من المستحيل التعايش مع طبيعة المشروع الصهيوني ككيان استعمار استيطاني يهودي وعنصري وإرهابي , والمؤمن بالخرافات والأساطير والأطماع و الأكاذيب التوراتية و التلمودية والإيديولوجية الصهيونية , والذي يرفع الاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية و العنصرية إلى مستوى القداسة الدينية و القوانين و الممارسات الإسرائيلية .
اعترافات بالانتكاسة
تُجمع المحافل الإسرائيلية على اعتبار ما حصل من هجوم القسام أكتوبر 2023 انتكاسة متكررة لما حدث عام 1973، بسبب وجود تقدير ضعيف بوقوع عملية كبيرة من شأنها أن تشعل حرباً حقيقية في عطلة الأعياد اليهودية، من قبيل تسلّل متزامن للمقاومين تجاه المواقع العسكرية والاستيطانية، واقتحام الساحل بزوارق بحرية، واستخدام المسيّرات الهجومية، مع وابل كثيف من الصواريخ، وعلى جميع المديات.
على الرغم من مرور أسبوع كامل على هذا الهجوم النوعي وغير المسبوق، فإن حكومة الاحتلال أمامها لحظات حاسمة ومعضلة صعبة، فضلا عن كون الإسرائيليين ما زالوا في عمومهم يعيشون في قلب الانتكاسة، لأنهم أمام فشل استخباراتي كبير، وتحت وطأة المفاجئة بالعملية، ما دفع بأصوات إسرائيلية عديدة لمطالبة المستوى العسكري بالانتقام لما حصل، مع خشية من أن يؤدي ذلك الانتقام لمستوى يقترب من الإبادة الجماعية.
بدأت النقاشات والسجالات الداخلية فور استفاقة الاحتلال من صدمة العملية تلقي باتهاماتها المتبادلة حول المسئولية عن الإخفاق الذي حصل، وكيف سيردّ على ما حققته حماس من إنجاز عسكري غير مسبوق، ولذلك فقد تواصلت اعترافات الاحتلال بحجم الهزيمة المدوّية التي لحقت به، وكيف تمّ الدوس على ما يدّعيه “تفوّقه” العسكري والأمني تحت أحذية مقاتلي القسام الذين جابوا شوارع مستوطنات الجنوب، مما سيجعل من هذه الصدمة ترافق الإسرائيليين لفترة طويلة، وستكون عملية الترميم باهظة الثمن، وسيتعين عليهم دفع الثمن، ليس فقط بالمال، بل بأشياء أخرى.
تسبّب هجوم القسام بصدمة في الجمهور الإسرائيلي، ورغم أن الجميع علم أنها تدبّر لشيء ما سيحدث، وفكّروا في نموذج مشابه لحرب 1973، والفشل الذريع فيه، وتحدثوا عن الغفلة والأخطاء ومواطن الخلل، لكن لم يفكّر أحد منهم في سيناريو ما حدث في الأيام الأخيرة بمستوطنات غلاف غزة، حين تجول مسلحو القسام بحرّية فيها، ونفذوا عمليات خطف، وإطلاق نار في الشوارع، وأطلقوا طائرات شراعية، وآلاف الصواريخ دفعة واحدة على كل أنحاء الكيان، ليكتب التاريخ فشل الجيش الإسرائيلي في هذا اليوم.
بعد مرور أسبوع كامل على الاقتحام، ما زالت هناك أسئلة لا حصر لها في ضوء نجاح المقاومين في اختراق المستوطنات عبر السياج الفاصل مع قطاع غزة، والتجوّل لفترة طويلة في شوارع مدن الجنوب، ثم العودة للقطاع فوق مركبات الجيش، فهذه ليست مجرّد صورة، بل صورة لنصر مدوّ، وضربة أخلاقية لا مثيل لها، بل كارثة للسردية التي رواها الإسرائيليون لأنفسهم لسنوات، وضربة للسياسة الفاشلة التي انتهجتها حكومتهم، وأصبح ذلك الصباح كابوسا سيكون من الصعب الهروب منه. رغم كل هذه الاعترافات الإسرائيلية المدوّية، فإنه من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات ذلك الحدث الجلل على الإسرائيليين، رغم أن الضربة الثقيلة التي وجهها المقاتلون لهم هي نفسية ومعنوية، فقد انهار الردع، والصور المروّعة التي تلقّوها تغمر شبكات التواصل، من حيث جثث القتلى والأسرى، والمعارك في شوارع المدن، والدبابات المحترقة للجيش، وهذه الصور ليست أقلّ من كارثة سيصعب معالجة آثارها.
لقد أكدت شهادات الإسرائيليين الناجين من الهجوم أن المقاتلين انقضّوا عليهم، وفاجأوهم، ووصلوا بسرعة من نقاط عديدة: من الجو والبرّ والبحر، مما أثبت أن لديهم العزم على تحقيق أهدافهم رغم قوة الاحتلال وإمكانياته العسكرية.
عديدة هي أوجه الإخفاقات الأمنية التي كشفها “طوفان الأقصى”، لكن هناك إخفاقات أخرى سبقته، وتتمثل بأن ما حصل في مستوطنات غلاف غزة شكّل مصدر خديعة للاحتلال بأن حماس منشغلة بمشاكل غزة الاقتصادية، بينما هي في الواقع تستعد للهجوم على مرأى ومسمع من الجميع، بعد أن أجرى مقاتلوها التدريبات المتقدمة، وفي بعض الأحيان مرئيّة للجميع، حتى أنها قامت خلال التحضير للهجوم ببناء نموذج لمستوطنة في غزة، ونشرت تصريحات ودعوات لا تعدّ ولا تحصى حول هذا الاقتحام، لكن الاحتلال ارتأى تفسيرها بأنها حرب نفسية فقط،
وهكذا أعطت الحركة الشعور بأنها غير مستعدة للقتال، واستخدمت أساليب استخباراتية غير مسبوقة لتضليل الاحتلال في الأشهر الأخيرة، عندما أعطت الانطباع علناً بأنها لا تريد الدخول في قتال أو صراع، بينما استعدت لهذه العملية الضخمة، حتى أن أحد قادة الجيش اعترف بالقول “لقد كنا مخطِئين”، واعترف آخر بأن “المنظومة الأمنية سقطت في أيدي حماس، وجعلونا نعتقد أنهم يريدون المال”.
امتنعت حماس وكجزء من حملة الخداع عن الانضمام للقتال مع الجهاد الإسلامي، وتعرضت لانتقاد بعض أنصارها الذين رأوها تفضّل الحكومة على المقاومة، في الوقت الذي ركّزت فيه بشكل كبير على منع تسريبات خطط الهجوم، مع أن الاحتلال تفاخر لسنوات بقدرته على اختراق المنظمات الفلسطينية، والحصول على معلومات مهمة، ولكن ليس هذه المرة، حتى إن العديد من قادة الحركة لم يعلموا بالخطط، أما آلاف المقاتلين الذين تدربوا على الهجوم فلم يعرفوا الغرض منه إلا في اللحظات الأخيرة.
لم يتوقف الخبراء والمسئولون الإسرائيليون عن الإقرار بحجم الكارثة التي حلّت بهم، وهم يكررون عبارة أن ما حصل هو “فشل سياسي، واستخباراتي، وعملياتي”، ويواجهون صعوبة تصديق حقيقة الصفعة التي تلقّوها على وجوههم، دون تفسير كيفية اختراق المسلحين السياج بجرافة، وسيارات “تويوتا”، ولم يجدوا من يوقفهم!
كل هذه المعطيات أسفرت عن ضرر معنوي لجميع الإسرائيليين، حتى إن كثيرين منهم مزّقوا شعر رؤوسهم أمام نشرات الأخبار وهم يصرخون: أين الجيش عن حمايتنا، ولماذا فشلت كل الوحدات الاستخبارية البشرية والتقنية بهذا الشكل الخطير في قراءة الخريطة العملياتية، وكيف عجزت الأسلحة المتطورة، والطائرات بدون طيار، والمروحيات، والدبابات في التصدّي للمقاومين، ولماذا لم يتم استنفارها على الفور، وإرسالها لجميع المستوطنات التي سيطر عليها المقاومون؟
لم يتردد الإسرائيليون في اعتبار ما حصل عار كبير تمثل بانتصار مجموعة مقاتلين على “قوة” متغطرسة نامت على أهبة الاستعداد، وليس ممكناً محو هذا العار عن دولة عانت من سقوط آلاف القتلى والجرحى، وعشرات الأسرى الذين اختطفهم القسام في شاحنات ودراجات نارية، مما يستدعي تشكيل لجنة تحقيق رسمية فور انتهاء الحرب، لتقديم جميع المسؤولين عن هذا الفشل الذريع للمحاكمة، وهو فشل سيظل في ذاكرة جميع المسؤولين عنه للأبد، لأن الواقع “صفعهم” على وجوههم، وفي التعبير الإسرائيلي.
إن الاعتراف الإسرائيلي بأن الدولة واجهت إذلالاً أكبر من حرب يوم الغفران، لأنها واجهت آنذاك دولتين قويتين لديهما جيشان نظاميان كبيران، وآلاف الدبابات، والقوات الجوية والاستخبارات والدعم القوي، لكنها اليوم أمام حركة بلا قوة جوية، ولا دروع، ولا بنية تحتية، بل محاصرة ومعزولة، وفي مواجهة أكثر آلات الاستخبارات تطوراً في العالم، ورغم كل ذلك انتصرت، وفي عالم الرياضة يجب على الحركة أن “تعتزل اللعب”، لأنها وصلت قمة مجدها، ولأنها كانت تبحث عن صورة نصر، فإذا بها وجدت ألبومًا كاملاً، وأنزلت إسرائيل على ركبتيها.
حتى أن أحد كبار الضباط المكلف بمتابعة حماس، وصفها بالمنظمة الأكثر جدية، مقاتلوها شجعان، وليسوا مغفلين، يعرفون ما يفعلون، ويجب عدم الاستهانة بهم، لديهم الصبر، ولا يستسلمون، ويستغلون الفرص، ويشكلوا خطورة كبيرة، والنتيجة أن فرقة غزة تعرضت أمامها لهزيمة قاسية، وباتت الدولة أمام واحدة من أصعب أحداثها في تاريخها الحديث”.
لعل التعبير الأكثر صراحة عن تأثير طوفان الأقصى على الإسرائيليين أن “من خشي من الذهاب لعملية برية في غزة، فقد أتت غزة إليه، ومن قال عن نفسه “قويّ ضد حماس”، وجد نفسه ضعيفاً أمامها”.
01277691834