ما يجري في غزة .. تكرار للغزو الصهيوني لبلاد الأرز عام 1982
الاحتلال فشل في القضاء على منظمة التحرير فهل تستطيع التخلص من حماس؟؟
المذابح والمجازر ضد المدنيين .. لن تزيد النار إلا اشتعالًا ..!!
بعدما يهدأ غبار المعارك .. ستبقى المرارة .. ولن يكون المستقبل أقل عنفًا..!!
إيتان وصف العرب بالصراير المخدرة.. وجالانت يشبههم بـ “حيوانات بشرية”!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
يسميه الناس الآن مخيم الشهداء. إنه مخيم اللاجئين الواقع بين التلال الخلابة وأشجار الأرز وبساتين الحمضيات في بالقرب من حدود الكيان الصهيوني، وكان موطنًا لجهاز تجنيد واسع النطاق أنشأته المنظمات الفلسطينية. لذا، عندما بدأ الغزو، كان المخيم على رأس قائمة قوات الاحتلال. حاصرت القوات المكان، وحبست المدنيين داخله. وطبقاً لشهود عيان، أطلقت دبابات الاحتلال النار على سلالم المباني –وهي أضعف نقطة في المبنى –لتدمير طرق الهروب وتم اختراق الملاجئ تحت الأرض. وأعقب ذلك قصف جوي مكثف. أصابت قنبلة مركزًا اجتماعيًا؛ ومن بين 96 مدنيا كانوا بالمركز، لم ينج سوى اثنين. صمدت المنظمات الفلسطينية بالمخيم ثلاثة أيام ونصف. وفي النهاية، استخدم الاحتلال الفسفور الأبيض لإخضاعهم. أسفرت المعركة عن مقتل 2600 من سكان المخيم البالغ عددهم 16000 نسمة.
ترى سارة إي باركنسون، في مقالة بموقع فورين أفيرز، أنه قد يكون هذا الهجوم مشهدًا من حرب إسرائيل الحالية في غزة، حيث استخدم الاحتلال الدبابات والغارات الجوية والفسفور الأبيض في هجماته على المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين. لكن المعركة حدثت قبل 41 عامًا. كان الهجوم على برج الشمالي -الاسم الرسمي لمخيم الشهداء -واحدة من أولى حروب المدن خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982. وكان هدف الغزو هو القضاء على منظمة التحرير، وفصائلها وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة. استهدف الاحتلال البنية التحتية العسكرية والمدنية الفلسطينية بجنوب لبنان، وكان يأمل في إنشاء منطقة عازلة بطول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وإنهاء الوجود السوري هناك، وتنصيب حكومة يمينية صديقة في بيروت.
أوجه التشابه بين غزو لبنان وعمليات غزة تتجاوز مجرد اختيار التكتيكات. وآنذاك، كما يحدث الآن، استخدم المتطرفون من قادة إسرائيل القوة المفرطة. وآنذاك، كما هي الحال الآن، كان معظم القتال يدور في مناطق حضرية مكتظة بالسكان.
وإذا جاز لنا أن نسترشد بلبنان، فالحرب في غزة ستنتهي بشكل سيئ لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. ورغم تفوق إسرائيل العسكري، لم تنجح قط في القضاء على منظمة التحرير. تمثلت إنجازات الاحتلال في قتل عشرات الآلاف من المدنيين؛ وتجزئة الجماعات الفلسطينية إلى خلايا أصغر أمضت سنوات في تنفيذ عمليات الكر والفر؛ وصعود حزب لبناني متشدد جديد، هو حزب الله؛ وخسارة أكثر من 1000 من مواطنيها في احتلال امتد حتى عام 2000. وهو ما يتكرر بالفعل مرة أخرى.
وتضيف باركنسون: حتى الآن، بعد قطع هجوم الجيش الإسرائيلي الاتصالات مع مستشفيات غزة، مات 12 ألف مدني فلسطيني بسبب القتال، وهو رقم سيستمر في الارتفاع.
ورغم كل ما يتردد، فمن غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من القضاء على حماس أو الجهاد الإسلامي. قد يؤدي ذلك لإضعافهما، كما حدث مع منظمة التحرير والعديد من الفصائل عام 1982. لكن الجماعات ستعيد تشكيل نفسها، وستظهر منظمات أخرى لملء أي فراغ -تماماً كما فعلت الجماعات الإسلامية أواخر الثمانينات. وما سيكتشفه الإسرائيليون وما كان ينبغي أن يفهموه: لا يوجد حل عسكري للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويهيمن المتشددون على حكومة نتنياهو، مثل حكومة مناحيم بيجن عام 1982، لذا تتخذ الحرب مساراً عدوانياً. وتقاتل قوات الاحتلال داخل أكبر مدينة في غزة، والهدف -استئصال حماس -يعني عدم وجود استراتيجية واضحة لكيفية ومتى يجب أن ينتهي القتال. في لبنان، كلفت استراتيجية عدوانية وغير دقيقة مماثلة عشرات الآلاف من أرواح المدنيين ودمرت البنية التحتية للبلاد. حتى أن شارون وإيتان الياهو قائد سلاح الجو الإسرائيلي سابقًا أمرا الجيش الإسرائيلي بفرض حصار على بيروت خلال صيف عام 1982، وقطع المياه والغذاء والكهرباء والنقل عن العاصمة لأكثر من شهر. وفي النهاية، أجبرت إسرائيل منظمة التحرير والمقاتلين على الانسحاب، ولكن بعد مقتل ما لا يقل عن 6775 من سكان بيروت.
وتفرض إسرائيل حصاراً أكثر شمولاً على غزة، يؤدي إلى نتائج كارثية مماثلة. لكن لا يبدو أن سلطات الاحتلال تأبه للتكاليف الإنسانية. أعلن وزير الدفاع ايوآف جالانت أن بلاده تحارب “حيوانات بشرية” وسوف تتصرف على هذا الأساس. ويعكس خطه مشاعر إيتان، الذي تفاخر في 1983 بأنه عندما “يستوطن الإسرائيليون الأرض، فلن يستطيع العرب سوى الركض مثل الصراصير المخدرة في زجاجة”.
ووكما قال ايتان الياهو: اقتناعا من الإسرائيليين بتفوقهم، لم يتوقعوا مقاومة فلسطينية أو لبنانية مكثفة ولم يتدربوا بشكل مناسب. ولذلك، عندما تحركت قوات الاحتلال على الطريق الساحلي الذي يربط المدن الكبرى بلبنان، كانت تتفوق عليها المقاومة الشرسة التي واجهتها من مخيمات اللاجئين الفقيرة المكتظة بالسكان والمجتمعات اللبنانية المحلية. حتى مع انهيار وحدات جيش التحرير الفلسطيني، تمكنت المنظمات -المجموعات المخصصة للدفاع عن مجتمعاتها المحلية -بشكل فردي من صد قوات الاحتلال لعدة أيام بتوريطها في حرب المدن وتفجير الدبابات وقتل العديد من الضباط الإسرائيليين.
لم يكن القتال على الأرض هو الطريقة الوحيدة التي سعت بها إسرائيل للقضاء على المقاومة. استخدم الجيش اعتقالات جماعية، شملت 9064 رجلاً فلسطينياً ولبنانياً في عام 1982 وحده. لكن هذا أيضاً جاء بنتائج عكسية، فبعد تعرضهم للاستجواب والضرب، قام المعتقلون -ولم يكن جميعهم من المسلحين -بتنظيم الانتفاضة والهروب. عاد العديد من المقاتلين لفصائلهم السابقة واستمروا في القتال. وأدى الحبس الجماعي وتدمير المخيمات لتشريد أعداد كبيرة من النساء والأطفال وكبار السن الفلسطينيين. اتصلت حركة احتجاجية تقودها فلسطينيات في عين الحلوة بمنظمات حقوق الإنسان الدولية، والمنظمات الإعلامية، والأمم المتحدة للفت الانتباه إلى محنتهن. تم تنظيم مظاهرات، وإغلاق الطرق، وإحراق رمزي للخيام غير الكافية التي قدمتها الأمم المتحدة، وهي أحداث سجلها الصحفيون ومنظمات حقوق الإنسان. وتلقت سمعة إسرائيل الدولية، ضربة أخرى.
اليوم، لم تتحسن سمعة إسرائيل كثيراً، عقب هجوم حماس، ركزت القصص الإخبارية على المذابح التي يرتكبها الاحتلال في غزة وعنف ميليشيات المستوطنين بالضفة الغربية أيضًا. ووفقاً لتقارير نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ورويترز، ومنظمات حقوق الإنسان، قتل المستوطنون بالضفة الغربية ثمانية فلسطينيين منذ 7أكتوبر، بينهم طفل. وقتلت قوات الاحتلال، التي تحمي المستوطنين، 167 آخرين، بينهم 45 طفلاً. واستخدم المستوطنون عمليات الحرق العمد والاعتداءات المسلحة والتهديدات بالقتل لطرد حوالي 1000 من قراهم.
ساعد التحالف بين قوات الاحتلال والميليشيات اللبنانية في ارتكاب المذبحة الأكثر شهرة في الجليل. وبعد اغتيال حليف إسرائيل، الرئيس اللبناني الأسبق بشير الجميل في 1982، احتل الجيش الإسرائيلي بيروت الغربية وحاصر مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين. منع الاحتلال الفلسطينيين من الدخول أو الخروج من المخيم أو الأحياء المحيطة. لكنه سمح للميليشيات اللبنانية المسيحية المتحالفة مع الاحتلال بدخول المنطقة. وعلى مدى يومين متتاليين، اجتاحت الميليشيات المنطقة المحيطة بمخيم صبرا وشاتيلا، فقتلت 2000 مدني فلسطيني وارتكبت مجموعة من الفظائع، منها التعذيب والعنف الجنسي. وتم قصف المنطقة.
أثارت المذبحة غضب الناس حول العالم. وتظاهر حوالي 350 ألف إسرائيلي للمطالبة باستقالة بيجن وشارون -فيما يشبه ما يجري حاليًا والمطالبة باستقالة نتنياهو -مما دفع الحكومة لإجراء تحقيق في المذبحة. ووجدت لجنة كاهان أن شارون كان مسؤولاً شخصياً عن أعمال العنف، وأعلنت أن تصرفات إيتان كانت “بمثابة انتهاك للواجب”. أُجبر شارون على الاستقالة وتقاعد إيتان عام 1983. وبعدها تنحى بيجن.
امتدت المفاوضات حول الحرب، التي توسط فيها جزئيًا المبعوث الأمريكي الخاص للشرق، الأوسط فيليب حبيب. واتفق الطرفان على وقف إطلاق النار. وبموجب الاتفاق، قامت منظمة التحرير وأعضاء الفصائل الفلسطينية – حوالي 14.398 شخصًا –بمغادرة لبنان. واتفقت القوات الإسرائيلية والسورية على الانسحاب من بيروت. وتم تشكيل بعثة لحفظ السلام من جنود من بريطانيا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا لتسهيل عملية الإخلاء وحماية المدنيين الفلسطينيين والمساعدة في الحفاظ على وقف إطلاق النار. انتقلت منظمة التحرير الفلسطينية وفتحت مقرها في تونس، وتوزعت الفصائل المسلحة الأخرى في بلدان عربية. ووقعت مذبحة صبرا وشاتيلا بعد أقل من شهر.
كانت المذبحة واحدة من المؤشرات العديدة على أن هزيمة منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن نهاية الحرب. ولم تكن تلك نهاية المنظمة أيضًا.
لكن يبدو أن إسرائيل لم تتعلم الدروس العسكرية والإنسانية من لبنان، فالظروف الكارثية الحالية في غزة سوف تزداد حدة، والعواقب الكارثية طويلة الأمد ستنعكس على كافة الأطراف. النهج الذي تتبعه إسرائيل منذ فترة طويلة في حرب المدن، وخططها للاحتلال (قال نتنياهو إن إسرائيل ستتولى “المسؤولية الأمنية الشاملة” عن غزة “لفترة غير محددة من الزمن”)، وتحالفاتها مع الميليشيات غير الحكومية، واستخدامها للسجن الجماعي، كل ذلك تكرار لما حدث في لبنان ولن يزيد النار إلا اشتعالًا. ولذلك فمن الصعب أن تكون النتيجة مختلفة.
ونظراً للتوترات الشديدة الحالية، يصعب القول كيف ومتى تنتهي هذه الحرب. ويبقى أن نرى ما ستفعله إدارة الرئيس الأمريكي بايدن.
ويقول ناثان ج. براون: لم أشعر بالصدمة فحسب، بل كنت غير متأكد بشأن ما سيحدث بعد السابع من أكتوبر. كنت على ثقة من أن هؤلاء اللاعبين سوف يتصرفون بنفس التجاهل للعواقب طويلة المدى التي قادتهم إلى الوضع الحالي.
ونتيجة لذلك، لم أتمكن من رؤية نتيجة واضحة سوى أنه “عندما يهدأ الغبار، فإن المدنيين الإسرائيليين والفلسطينين سيواجهان بعضهما البعض بمزيد من المرارة، ولكن مع عدم وجود الأدوات اللازمة لصياغة مستقبل أقل عنفاً”.
ويضيف في مقالة على موقع carnegie-mec.org، انه بعد مرور شهر، ثبتت صحة معظم الشكوك السابقة بدرجة أفزعتني. كتبت من قبل عن توقعات مبنية على فكرة أن الغبار قد لا يهدأ في غزة.
لذا، إذا لم يكن السؤال “أخبرني كيف سينتهي هذا” فسيكون “أخبرني كيف سيتطور هذا”، فالإجابات لا تزال غامضة. العديد من الشكوك معروفة: ما الذي ستحققه إسرائيل فعلياً؟ كم من الناس سيموتون؟ ما مدى خطورة العلامات المتزايدة للتوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟ ولكن لمعرفة المزيد عن المسارات المحتملة، فإن عدة أسئلة لا يمكن الإجابة عليها إلا من خلال الأحداث.
أولاً، هل تقوم قوات الاحتلال بتحويل غزة إلى مناطق أصغر حجماً وأكثر كثافة داخل غزة عن قصد أو بغير قصد؟
يجبر الاحتلال المدنيين في شمال غزة على الانتقال جنوبا. وهو يدمر الكثير من المساكن هناك أيضًا. وتشير تعليقات مسؤولي الاحتلال إلى أن هناك شيئاً منهجياً يجري الإعداد له، ولكن لو نحينا الخطط والنوايا جانباً، فالواضح أن شيئاً ما يحدث. ويجري نقل سكان المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية إلى الجنوب ويتم تجميعهم في جيوب أصغر مع ترتيبات مؤقتة للسكن وتوفير الاحتياجات الأساسية. ولا يوجد احتمال للعودة إلى الشمال.
ثم ما هو نوع حماس التي سوف تظهر؟
لجأ المحللون إلى التعليق بأن حماس هي “فكرة”، حيث أوضح وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن المهمة هي “هزيمة فكرة، فكرة منحرفة”، بينما يشكك آخرون في إمكانية القضاء على الفكرة.
هذا كلام مضلل. لدى حماس بعض المواقف والتصريحات الأيديولوجية، لكنها غامضة. إذا كانت هناك أية فكرة وراء حماس فهي حماس نفسها، أي أن المنظمة هي أمل الشعب الفلسطيني في التحرير، وبالتالي يجب الحفاظ عليها. في محادثاتي الشخصية مع أعضاء حماس، يقولون إنهم جزء من شيء أكبر منهم.
حماس هي أيضًا منظمة كبيرة ومعقدة لها فروع عديدة: عسكرية ودبلوماسية وسياسية وإدارية وتجنيد وتدريب واتصالات. وهؤلاء منخرطون الآن فيما يشار إليه أحياناً بحرب وجودية مع إسرائيل. لكن إذا كان الصراع مصيرياً، فمن غير المرجح أن يكون صراعاً وجودياً. ربما يفقد أولئك الناشطون دبلوماسياً مكانتهم؛ وسيموت العديد من مقاتلي حماس؛ وسيتم إقالة كبار المسؤولين في الحركة في غزة. لكن كيف سيتغير التنظيم نتيجة لهذه الحرب وماذا سيفعل بعد ذلك هي أسئلة مفتوحة إلى حد كبير.