الدول القوية تلبي كل هذه المتطلبات وتبرم معنويا عقدا اجتماعيا مع المواطنين تكتسب بموجبه الشرعية في مقابل توفير السلع السياسية والعامة.
أما الدول الضعيفة أو الفاشلة فتتسم بانهيار القانون والنظام العام حيث تفقد مؤسسات الدولة احتكارها لشرعية استخدام العنف وتكون غير قادرة على حماية مواطنيها أو تستخدم أدوات العنف الشرعي لقمع المواطنين وإرهابهم. تتسم الدول الضعيفة والفاشلة أيضا بقدرة ضعيفة أو متلاشية لتلبية حاجات المواطنين ورغباتهم والعجز عن توفير الخدمات العامة الأساسية وضمان رفاه المواطنين والإخفاق في دعم النشاط الاقتصادي، كما أنها وعلى المستوى الدولي تفقد المصداقية وينظر إليها كمصدر تهديد للأمن أو لاستقرار العالميين. أما الدولة المنهارة فهي صيغة متطرفة من صيغ الدول الضعيفة والفاشلة وتتميّز بوجود فراغ في السلطة حيث تصبح الدولة مجرد بقايا وجود جغرافي ويحصل المواطنون على السلع السياسية والعامة من خلال وسائط خاصة ويصير الأمن موازيا للقوة.
العديد من الأسباب يمكن مناقشتها حين تفسير ضعف وهشاشة الدولة ومن ثم فشلها؛ التوترات الإثنية، والصراع على الموارد الطبيعية، والفشل السياسي وفشل الحوكمة، والخلل والتصدعات في نموذج الدولة ـ الأمة نفسه. تفشل الدول أيضا حين تحضر قيادة مدمرة لتماسك المؤسسات وقدرتها على الاضطلاع بالوظائف الأساسية. فعلى الرغم من أن التوترات والصراعات تفسر انهيار الدولة وفشلها، إلا أن أخطاء القيادة قد تدمر دولا قابلة للبقاء والاستمرار. والحال أن سلسلة القرارات التي يتخذها الحكام والنخب الحاكمة هي التي تفرغ بالتدريج مؤسسات وقدرات الدولة من مضمونها وتفصل الدولة عن المجتمع وتولد حركات معارضة عنيفة وتشعل الحروب الأهلية.
وفي بلاد العرب، يتنامى ضعف الدولة الوطنية وتتآكل شرعيتها المجتمعية. الدولة الوطنية بات وجودها مهددا في بعض البلدان، وكاد يفقد المعنى والمضمون في بلدان أخرى ويتوارى مشروعها التحديثي في بلدان ثالثة. في العديد من الحالات العربية أخفقت الدولة الوطنية إما في إنجاز مهمة دمج قوى وكيانات المجتمع في إطار حكم القانون ومواطنة الحقوق المتساوية وبشيء من التوزيع العادل للثروة أو في تحقيق الأهداف التنموية وتقديم الخدمات الرئيسية التي وعدت بها في قطاعات حيوية كالتعليم وفرص العمل والصحة والضمانات الاجتماعية أو في المهمتين معا. الكثير من ظواهر وتحديات السياسة العربية اليوم يرتبط مباشرة وعضويا بإخفاق الدولة الوطنية، من غياب الأمن وتأجج التوترات الأثنية والصراعات المذهبية والمحاصصات الطائفية والحروب الأهلية إلى تردي المرافق العامة وغياب فرص التنمية المستدامة.
للحفاظ على هيمنتها وتعزيزها، لجأت الولايات المتحدة إلى جميع الوسائل، من التغطية على “التطورات السلمية”، والتحريض على” الثورات الملونة”، حتى التخريب المباشر لحكومات الدول الأخرى.
وفي شهر يوليو من هذا العام، اندلعت مظاهرات مناهضة للحكومة في أجزاء من كوبا. وتظهر الأدلة التي أصدرتها الحكومة الكوبية أنه منذ منتصف يونيو، قامت بعض القوى المناهضة لكوبا في الولايات المتحدة، بتمويل من الحكومة الأمريكية، بنشر الكذب عمدا عبر الشبكات الاجتماعية بأن النظام الطبي الكوبي، الذي هاجمه كوفيد-19، قد انهار، واستخدمت هذه الأكاذيب ذريعة للتحريض على التدخل العسكري في كوبا لتخريب الحكومة الكوبية. وعقب ذلك صدرت عقوبات أمريكية ضد بعض المسؤولين العسكريين الكوبيين وكذا بعض الكيانات الكوبية على أساس ما يسمى “القمع الحكومي” للمتظاهرين.
وفي هذا العام، كشفت وسائل إعلام محلية في كوبا أنه في العقدين الماضيين، خصصت وكالات مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والصندوق الوطني للديمقراطية، ما يقرب من 250 مليون دولار أمريكي لسلسلة من البرامج التخريبية التي تستهدف كوبا.
وفي اجتماع رفيع المستوى بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيس الأمم المتحدة، قال وزير الخارجية الكوبي برونو رودريجيز إن السلوك غير المسؤول للولايات المتحدة هو أكبر تهديد للسلام والأمن على الصعيد العالمي.
وقال الكاتب الأمريكي ويليام بلوم في كتابه ((الديمقراطية أشد الصادرات الأمريكية فتكا))، إنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة للإطاحة بأكثر من 50 حكومة أجنبية، معظمها منتخبة ديمقراطيا، وتدخلت بشكل صارخ في انتخابات ديمقراطية لـ30 دولة على الأقل، وحاولت اغتيال أكثر من 50 من القادة الأجانب.
وخلال الحرب الباردة، شنت الولايات المتحدة أنشطة التسلل والتحريض على التمرد وبث الاضطرابات والدمار ضد الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية.
وبعد نهاية الحرب الباردة، روجت الولايات المتحدة بوقاحة أكثر للتدخل وصدرت في كثير من الأحيان “الثورات الملونة”. وفي نهاية عام 2003، أجبرت رئيس جورجيا آنذاك إدوارد شيفرنادزه على تقديم استقالته بسبب ما يسمى بـ”التزوير” في فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية. ويُعرف الحادث باسم “ثورة الورود”. وفي أكتوبر 2004، قامت الولايات المتحدة بتلفيق فضيحة “التزوير” في الانتخابات الأوكرانية، وحرضت الشباب في البلاد على التظاهر في الشوارع، ودعمت وصول فيكتور يوشينكو إلى السلطة. وهذا ما يسمى “الثورة البرتقالية”. وفي مارس 2005، حرضت الولايات المتحدة المعارضة في قيرغيزستان على الاحتجاج على نتائج الانتخابات البرلمانية، ما أدى في النهاية إلى أعمال شغب، قبل أن يُجبر رئيس قيرغيزستان عسكر أكاييف على الفرار وإعلان استقالته فيما يسمى بـ”ثورة التوليب”. وفي العقد الماضي، تدخلت الولايات المتحدة مرارا وتلاعبت بـ”الثورات الملونة” في بعض البلدان في وسط وشرق أوروبا وآسيا الوسطى وغرب آسيا وشمال إفريقيا.
وخلف سلسلة “الثورات الملونة” التي ترعاها الولايات المتحدة، ظهرت مؤسسة غير رسمية وغير هادفة للربح؛ وهي مؤسسة (الصندوق الوطني للديمقراطية) والمعروفة بأنها “الراعي الأكبر للثورات الملونة العالمية”. وتأسست المنظمة عام 1983، ولديها علاقات وثيقة مع وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووكالة الاستخبارات المركزية وما شابه ذلك. تقدم هذه المؤسسة سنويا أكثر من 1600 منحة لدعم مشروعات المنظمات غير الحكومية في أكثر من 90 دولة. وتعد المؤسسة أيضا مصدر تمويل يدعم بعض القوات الانفصالية ضد الصين، حيث تدعم العشرات من المخططات المتعلقة بالصين سنويا. وقدمت حتى الآن نحو 100 مليون دولار لأكثر من 100 مجموعة مناهضة للصين، بما في ذلك المجموعات التي حددتها الصين بوضوح على أنها منظمات إرهابية مثل ما يسمى بـ”مؤتمر شباب التبت” و”مؤتمر الويغور العالمي”. كما جاءت الكثير من الأموال لأنشطة ما يسمى “استقلال هونغ كونغ” من هذه المؤسسة. في غضون ذلك، كانت الولايات المتحدة تلحق شروطا سياسية بمساعدتها المقدمة في مجال اللقاحات. وذكر موقع صحيفة ((إل موندو)) الإسبانية في افتتاحية إن واشنطن قدمت لقاحات للمكسيك مقابل تشديد السيطرة على المهاجرين غير الشرعيين على حدود جواتيمالا. وعلقت مجلة ((فورين بوليسي)) الأمريكية التي تصدر كل شهرين، عبر موقعها على الإنترنت، قائلة إن إدارة بايدن لا تزال تسعى نحو تحقيق المصالح الأمريكية على حساب مصالح الدول الأخرى حول العالم.
وقد أنشأت الولايات المتحدة سرا مختبرات بيولوجية في العديد من الأماكن حول العالم للقيام بأنشطة عسكرية بيولوجية. ولم يتضح بعد لغز الصلة بين معمل فورت ديتريك وانتشار الجائحة حتى الآن.
وقال هيوم فيلد، مستشار العلوم والسياسات للأعمال المعنية بالصين ومنطقة جنوب شرق آسيا بتحالف الصحة الإيكولوجية في نيويورك، إن تسييس تتبع الأصول يولد “الشك” و”عدم الثقة”، ويقوض بشكل أساسي الجهود العالمية الموحدة اللازمة للتغلب على هذا الفيروس وهذا المرض.