حرب الإبادة والتهجير القسري .. هدفها تحقيق المشروع الصهيوني
الاستيلاء على أراضي الفلسطسينيين .. لإقامة دولة خالصة لليهود
طرد وتهجير سكان غزة .. للسطو على كميات هائلة من الغاز قرب شواطئ القطاع
من قال إن القضاء على منظمة .. يعني تدمير المباني وحرق الزرع والضرع وقتل عشرات الآلاف من المدنيين؟؟
حماس نجحت في تدمير ثقة الإسرائيليين بقادتهم .. ولا عودة لما قبل السابع من أكتوبر!!
تقرير يكتبه:
عبد المنعم السلموني
إذا كان الدمار هو الهدف، فقد حققت الحملة العسكرية الإسرائيلية نجاحاً باهراً في قطاع غزة. بعد مرور أكثر من شهرين على هجوم حماس التاريخي في 7 أكتوبر، قتلت العمليات البربرية الإسرائيلية أكثر من 20 ألف فلسطيني، معظمهم أطفال. وتحول جزء كبير من القطاع إلى أنقاض، حيث تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 20% من المباني قد دمرت. ويعاني أكثر من نصف السكان من الجوع الشديد، وارتفعت نسبة البطالة إلى 85%، وانتشرت الأمراض.
ورغم تصريحات الوزراء المتطرفين، فإن أهداف إسرائيل أوسع وأكثر من إلحاق الألم بالفلسطينيين. يقول دانيال بايمان في تحليل بموقع الفورين افيرز: تختلف حرب الاحتلال بغزة عن غيرها من حيث عدم وجود هدف محدد. فلا يوجد غزاة يسعى الاحتلال لطردهم، ولا أرض يمكن اغتصابها، ولا دكتاتور للإطاحة به. وبعد مرور شهرين، بدأت تظهر الأهداف “المعلنة”. تسعى إسرائيل لتدمير حماس، واعتقال أو قتل قادتها، وتحطيم قدرتها العسكرية، وإنهاء سلطتها. وتسعى لإطلاق سراح الرهائن الأحياء، وجثث القتلى. كما تريد منع وقوع هجوم آخر، وخاصة من حزب الله بلبنان. وتريد الحفاظ على الدعم الدولي، والمكاسب الدبلوماسية التي حققتها مع الدول العربية. وتسعى لاستعادة الثقة في المؤسسات الأمنية التي فقدها الجمهور. لكن هناك أهافًا أخرى لا يتطرق لها الكثيرون.
وجهت إسرائيل ضربات قوية إلى حماس، ولكنها قصّرت في مجالات عديدة، مما ألحق خسائر فادحة بالمدنيين وتسبب في تراجع الدعم الدولي. ويسعى قادة إسرائيل للحصول على كل شيء. لكن، عليهم اتخاذ خيارات صعبة لتحقيق الأهداف ذات الأولوية.
ويقول بايمان: “لا يمكن لأي زائر لإسرائيل عدم ملاحظة الشعور بالألم والغضب وانعدام الثقة الذي يسود الجميع. مصطلح “زلزال” تردد مراراً وتكراراً عندما كنت أسأل عن السابع من أكتوبر. وأعلن مسؤول أمني إسرائيلي أن “شيئاً أساسياً قد انكسر” في البلاد. ويعتقد الإسرائيليون أنهم لا يستطيعون العودة إلى عالم ما قبل 7أكتوبر، في ظل وجود حماس بغزة. وفي نظرهم، أظهرت شدة الهجمات أن حماس لا يمكن ردعها أو احتواؤها.
في الوقت نفسه، لم يعد الإسرائيليون يثقون بمؤسساتهم الأمنية. ويوضح مسؤول أمني إسرائيلي: “قبل 7أكتوبر، كانت الاستخبارات تردد: “نحن نعرف حماس”، وقال الجيش: “نحن قادرون على التعامل مع حماس”. “كلا الأمرين كانا مخطئين. ومن الصعب الآن على القادة الإسرائيليين طمأنة الجمهور بأن الجيش وأجهزة المخابرات ستحافظ على سلامتهم مستقبلًا”.
وكما هو الحال مع تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس، فالقضاء على قيادتها صعب. والواضح أن القادة الصغار يتعرضون للقتل، ولكن يحل محلهم قادة أكفاء آخرون. وقدر مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن الأمر يتطلب ستة إلى تسعة أشهر أخرى من العمليات العسكرية المكثفة.
إن حماس تجسد إيديولوجية سيكون القضاء عليها صعبًا. وفكرة المقاومة هي أن السبيل لهزيمة إسرائيل (والولايات المتحدة) يمر عبر القوة العسكرية، وهي عقيدة يتبناها أيضاً حزب الله وإيران. إذا تمكنت إسرائيل من تدمير حماس وحلت محلها منظمة جديدة قوية، فلن تكون إسرائيل قد فعلت سوى استبدال عدو بآخر، كما حدث مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وقد منح يوم 7أكتوبر لحماس شعبية أكبر. فحماس تلحق الضرر العميق بإسرائيل، ويحترمها الفلسطينيون، الذين أذلتهم عقود من الاحتلال. وتسبب احتجاز الرهائن في إرغام إسرائيل على إطلاق سراح بعض الفلسطينيين المحتجزين، وهو ما عجزت مفاوضات “المعتدلين” عن تحقيقه. وأظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أواخر نوفمبر وأوائل ديسمبر أن 82% من الفلسطينيين بالضفة الغربية يؤيدون حماس.
اعتمدت إسرائيل على الردع، لإقناع أعدائها بأن أي هجوم يجعلهم في وضع أسوأ. كان أغلب الإسرائيليين يقولون قبل 7أكتوبر إن ردع حماس قد نجح، ورغم ذلك شنت حماس الهجوم، وقد يلهم نجاحها أعداء آخرين للقيام بذلك أيضاً.
وحتى بينما كانت تقاتل إسرائيل في غزة، انخرطت في اشتباكات مع حزب الله على حدودها الشمالية، حيث أطلق حزب الله الصواريخ وهاجم المواقع الحدودية، وقصف الجيش الإسرائيلي مواقع حزب الله. ويحتفظ حزب الله بوحدات كوماندوز خاصة (قوات الرضوان). ويمتلك ترسانة صاروخية كبيرة يمكنها الوصول لجميع أنحاء إسرائيل وهي كثيرة بما يكفي للتغلب على نظام الدفاع الصاروخي.
كانت إسرائيل منقسمة قبل 7 أكتوبر، حيث سعت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لإضعاف السلطة القضائية، وتوسيع المستوطنات، وحماية رئيس الوزراء من مزاعم الفساد. والآن، أصبح الإسرائيليون متحدين خلف “هدف تدمير حماس”، لكن كثيرين يحملون نتنياهو مسؤولية الفشل في منع الهجوم الذي شنته الحركة ويريدون استقالته.
قد يبدو فقدان الإسرائيليين الثقة في قادتهم مجرد سياسة عادية، لا علاقة لها بالحرب ضد حماس، ولكن هذه النتيجة تمثل هدفًا رئيسيًا للمقاومة. وربما كانت حماس تسعى لتدمير ثقة الإسرائيليين في مؤسساتهم الحكومية، والمؤكد أن هذه النتيجة كانت مكافأة ترحب بها الحركة. وفي غياب هذه الثقة، فإن النازحين الإسرائيليين لن يعودوا لمنازلهم قرب غزة أو لبنان. وينظر المتشككون للعمليات المستمرة ضد حماس كوسيلة يستخدمها نتنياهو للاحتفاظ بالسلطة، وليس كضرورة فيما يسمى “الحرب ضد الإرهاب”.
لكن ليلي سورات، في مقال بموقع فورين افيرز أيضًا، ترى أنه على النقيض من غزة، كانت الضفة الغربية ساحة صراع أكثر وضوحًا. ومع توسع المستوطنات والتوغلات المتكررة للجنود والمستوطنين بالقرى الفلسطينية، اجتذبت الضفة الغربية -إلى جانب الأماكن المقدسة بالقدس -اهتمام وسائل الإعلام الدولية. وبالنسبة لحماس والجماعات الأخرى، كان هذا هو المكان الأكثر ملاءمة لانطلاق المقاومة المسلحة الوطنية الفلسطينية. وقد أدركت إسرائيل هذه الحقيقة: ففي عشية 7أكتوبر، كانت القوات الإسرائيلية مشغولة بمراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية، بافتراض أن غزة لا تشكل تهديداً يذكر باستثناء إطلاق الصواريخ بين حين وآخر.
لكن عملية 7 أكتوبر حطمت هذا الرأي. وبعد سنوات من بقاء غزة في الخلفية، أصبح القطاع هو مركز المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية.
وتجدد مركزية غزة يثير تساؤلات مهمة حول القيادة العليا لحماس. في السابق، كانت تدار حماس من قبل قادتها خارج الأراضي الفلسطينية، في عمان ودمشق والدوحة. لكن هذا الفهم عفَّى عليه الزمن منذ 2017، فعندما تولى يحيى السنوار قيادة حماس في غزة، شهدت الحركة تحولًا تنظيميًا تجاه غزة نفسها. وإلى جانب جعل المنطقة أكثر استقلالية عن القادة الخارجيين، أشرف السنوار على تجديد استراتيجي للحركة كقوة مقاتلة في القطاع.
كان للسنوار دور حاسم في تأسيس الجناح العسكري لحماس في الثمانينيات. كان لدى السنوار رؤية استباقية للكفاح الفلسطيني المسلح: بالنسبة له، القوة الهجومية وتأكيد القوة هو وحده القادر على تمهيد الطريق لمفاوضات أكثر عدالة مع إسرائيل.
وسرعان ما أثبت السنوار أن بإمكانه تحقيق النتائج. في عامي 2018 و2019، تمكن من تحقيق تخفيف نسبي للحصار الإسرائيلي عبر تنظيم احتجاجات مسيرة العودة على حواجز غزة مع إسرائيل. هذه الاحتجاجات الأسبوعية اجتذبت عشرات الآلاف من سكان غزة إلى الحدود للاحتجاج على الحصار، واستغلتها حماس، حيث أطلقت الصواريخ والبالونات الحارقة باتجاه إسرائيل. وتحت استراتيجية الضغط هذه، سمحت إسرائيل بالفتح المحدود للعديد من المعابر الحدودية، فضلاً عن زيادة الأموال القطرية التي يتم تسليمها لغزة لدفع رواتب الموظفين.
ومهما كانت التكلفة الكبيرة التي تحملها سكان غزة أنفسهم، فقد حققت الحرب بالفعل أهدافها المتمثلة في جعل غزة جزءاً أساسياً من نضال التحرير الفلسطيني، ووضع هذا النضال في مركز الاهتمام الدولي.
ويشير تقرير لبيتر كونيج ومايك آدامز بموقع جلوبال ريسيرش إلى أن المفهوم الصهيوني لشعب الله المختار ظل يهدف لتوسيع أراضيه -فلسطين -إلى “إسرائيل الكبرى”. وذلك سيجعل إسرائيل مالكة لكميات هائلة من البترول والغاز في العالم. ويحتاج الغرب هذه الموارد لتعزيز التنمية الاقتصادية، وليتمكن من فرض المزيد من العقوبات على روسيا والتأكد من أن النظام العالمي الجديد يخضع لسيطرة الغرب.
كانت شركة الغاز البريطانية (BG) اكتشفت عام 1999 وجود أكثر من تريليون قدم مكعب من الغاز [حوالي 300 مليار متر مكعب] أمام شاطئ غزة. وبإجبار سكان القطاع على النزوح، فلن يُسمح لهم بالعودة وستصادر إسرائيل حقول الغاز.
وتشير الدلائل إلى أن الكميات أكبر بكثير من تريليون قدم مكعب. لكن الحديث عن مخزونات أكبر بكثير الآن لن يكون حكيماً من الناحية الاستراتيجية. وبإضافة غاز غزة للموارد الهيدروكربونية لإسرائيل الكبرى يجعل دولة الاحتلال لاعباً أكبر في الساحة العالمية لموردي الطاقة.
والنقطة، التي لا ينبغي إهمالها، هي قناة بن جوريون المخطط لها منذ أوائل السبعينيات. وستمتد من البحر الأبيض المتوسط إما عبر غزة الحالية أو خارجها مباشرة، إلى البحر الأحمر. وتنافس قناة السويس، وتكون تحت السيطرة الغربية بالكامل. وسيكون ذلك حاسماً لنقل غاز غزة والسلع الغربية الأخرى دون عائق، لأسواق آسيا وجنوب العالم.
لكن فرص تحقيق هذه الخطة الجهنمية لإسرائيل الكبرى، مع الحروب والصراعات اللاحقة، تكاد تكون معدومة، لأن دول المنطقة ستعمل بكل الوسائل والآليات على إيقاف هذا الطغيان المتزايد.
لقد قالوا مرارا وتكرارا أن هدف العملية الإسرائيلية في غزة هو “هزيمة حماس”. ولكن هل هذا صحيح؟ إن أي عاقل لا يحاول القضاء على منظمة مسلحة بتدمير مساحات شاسعة من البلاد وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء. ليست هذه استراتيجية فعالة لهزيمة العدو. ولهذا لا نعتقد أن الهجوم الإسرائيلي على غزة له علاقة بحماس. إنه مجرد ستار من الدخان لتحويل الانتباه عن الأهداف الحقيقية للحملة.
فما هي تلك “الأهداف الحقيقية”؟
يقول مايك ويتني، في تحليل بموقع جلوبال ريسيرش، إن الأهداف الحقيقية تتعلق بقضية لم تتم مناقشتها مطلقًا في وسائل الإعلام، هي التركيبة السكانية.
وكما نعلم جميعا، فخطة إسرائيل طويلة المدى تتمثل في دمج غزة والضفة الغربية في إسرائيل الكبرى. يريدون السيطرة على كل الأراضي من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، فمن قال إن القضاء على منظمة، يعني تدمير المباني وحرق الزرع والضرع وقتل عشرات الآلاف من المدنيين؟؟
المشكلة أنهم إذا ضموا الأراضي المحتلة دون التخلص من الشعب، فإن عدد الفلسطينيين سوف يساوي أو يفوق عدد اليهود، مما سيؤدي لزوال الدولة اليهودية.
ويعاني اليهود الإسرائيليون من خوف وجودي يتعلق بتفوق السكان الفلسطينيين عليهم. تكمن الديموغرافيا في جوهر النزاع الإقليمي بين اليهود والعرب.
وينظر الصهاينة، للنمو السكاني العربي باعتباره “قنبلة ديموجرافية موقوتة” تهدد مستقبل الدولة اليهودية. وهذا هو كل ما يدور حوله الشجار في غزة؛ التخلص من الناس والاستيلاء على الأرض.
“سنحاول نقل السكان المفلسين عبر الحدود بتوفير فرص العمل لهم في البلدان المجاورة، مع حرمانهم من أي عمل في بلدنا… يجب أن تتم عمليات المصادرة وإبعاد الفقراء بتكتم وحذر.”
المثير للصدمة أن هرتزل كتب هذه الكلمات في عام 1895، أي قبل 50 عامًا من إعلان إسرائيل قيام دولتها. والعديد من القادة الصهاينة شاركوه نفس النظرة، مثل رئيس وزراء إسرائيل الأول ديفيد بن جوريون الذي قال عام 1938: «أنا أؤيد الترحيل الإجباري. ولا أرى فيه أي شيء غير أخلاقي.”
خلاصة القول: إن الأهداف الاستراتيجية للعملية الإسرائيلية في غزة تختلف تماماً عن الهدف المعلن المتمثل في هزيمة حماس.
يتم الآن تطهير الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن من سكانها الأصليين حتى يمكن دمجها في إسرائيل الكبرى مع الحفاظ على أغلبية يهودية كبيرة. وليس شك في أنه لو كان عرب غزة من أصل يهودي، لكانوا قد نجوا من الإبادة الجماعية التي يواجهونها اليوم.