خمسة وأربعون عاماً مضت على رحيل قيثارة القرآن، وصاحب الأداء المُتفّرد في التجويد والترتيل، الشيخ الجليل مصطفى إسماعيل، وصاحب النفس الأطول في القراءة القرآنية في تاريخ الديار المصرية، ورائد المقامات القرآنية، التي أكسبته مزية الذيوع والسطوع، في كل بقاع المعمورة، بنبراته الشجية العذبة التى تتأرجح صعوداً وسكوناً، والتي لا يملك المستمع حيالها إلا أن يقول الله الله…
كان ذا ملكة آسرة نادرة في الأخذ بمجامع قلوب وآذان مريديه، كأنهم في رحلة إيمانية محضة، من النشوى والنجوى والخشوع والخضوع…
ومن فرط تعلق محبيه به، اعتبروه نسيج وحده، والقارىء الذي لا يُبَارى، والذي لا يجاوزه في التألق قارىء آخر، في براعة التعبير والتأثير..
من إحدى القرى النائية المغمورة بمحافظة الغربية، خرجت عبقرية الصبي مصطفى إسماعيل، الذي تحول شيئاً فشيئاً إلى قُطب الرّحى ومُصبّاح الدُجَى، وقارىء الديوان الملكي، وقارىء الملوك، وقاريء الباشوات والبكوات، ورفيق السادات إبان رحلته إلى القدس الشريف…
سبقت شهرته ميت غزال ومركز السنطة، ولن أبالغ إن قلت إن بعض العوام لا يقدمون محافظة الغربية؛ على شهرة ابنها مصطفى إسماعيل، فقد كان حضوره متوهجاً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، كأول قارىء يُسجل في الإذاعة دون أن يُمتّحن،؛؛
أقرّه الملك فاروق قارئاً للديوان الملكي بمرسوم صريح عام ١٩٤٤م، ونال تكريمات متواليات في الخارج قبل الداخل، كوسام الأرز من لبنان عام ١٩٥٨م، وكرمه جمال عبدالناصر والسادات،…
زار خمساً وعشرين دولة عربية وإسلامية، وترك إرثاً متلألأً من إبداعات الترتيل والتجويد، وفن المقامات وعلم القراءات، ورقة التحبير في تبليغ مراد الله،….
رحم الله الشيخ الجليل مصطفى إسماعيل
٢٦ ديسمبر ١٩٧٨م …