من الكتب المؤسسة، وخاصة في ميدان دراسة فن القصة القصيرة عند العملاق نجيب محفوظ، للناقد الكبير والعالم الجليل، القاص المبدع د.حسن البنداري، وهو في أصله رسالته للماجستير التي نوقشت في العام ١٩٧٩م، في قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، بلجنة مكونة من الأساتذة والنقاد الكبار عبدالحكيم حسان ومحمود الربيعي مشرفيْنِ ومناقشيٰنِ، واشترك معهما في المناقشة الناقد الكبير حمدي السكوت. وكان عنوانها: “الأسس الفنية لتطوير القصة القصيرة عند نجيب محفوظ”. وفي تقديري أن هذا المسمى كان شائعا في ذلك الوقت وفي هذا النوع من الدراسات، لأننا لا نوافق على ما يسمى ب “الأسس”؛ فالإبداع يتأبى على أن يحصر في قوالب أو يخضع لأسس، لأنا نعتقد أن الإبداع منفتح على كل ميدان من ميادين المعرفة الإنسانية، من ثم نرجح مصطلح “مقومات” أو “سمات”.
على أن السمة البارزة في الكتاب (الرسالة) تجلت في ذكاء البنداري وعمق فهمه، ورشاقة عرضه، وسلاسة أسلوبه، وسعة اطلاعه وإلمامه بمقتضيات دراسة الفن القصصي ومقومات بنائه وتقنياته، حتى أنني اعتقدت في بداية قراءتي لها أنها رسالة دكتوراه، على الرغم من أنه لم تظهر ولم تترجم دراسات وكتب مختصة في تقنيات القص وخاصة، القصة الجديدة، ذات الحساسية الجديدة، استنادا إلى مناهج النقد الأدبي المتعددة والمتنوعة ، كما رأينا في قص الحداثة وما بعد الحداثة الآن.
لعل أبرز ما يميز هذ الكتاب (الرسالة) أيضا، تلك الدراسة النصية التي انصب عليها اهتمام الدارس وتتبعه لتطور كتابة القصة القصيرة وتقنياتها لدى نجيب محفوظ، في الفترة من عام ١٩٣٤ إلى نهاية عام ١٩٧٢م، وضبطه تواريخ نشر كثير من هذه القصص، وتصحيح أخطاء من وضعوا تواريخ غير دقيقة لنشرها، عبر البحث في أضابير المكتبات ودور النشر، والدوريات والمجلات والصحف، الصادرة خلال هذا الفترة، والتي كان ينشر فيها نجيب محفوظ قصصه منذ بدايات كتابته وحتى نهاية فترة الدراسة، وذلك عبر ثلاثة أبواب هي: مرحلة البداية، والمرحلة الوسطى، والمرحلة الحديثة، من خلال تسعة فصول درس فيها الحدث والشخصية والزمان والمكان، ولغة العرض: أسلوب العرض والصورة التعبيرية والحوار ، وتوظيف الحلم ومنهج تيار الوعي، مقارنة بالسرد الوصفي، وغير ذلك من عناصر البناء الفني للقصة القصيرة عند قطب القص العربي، الروائى العالمي الراحل نجيب محفوظ.