تعد الدراسات الأكاديمية، والكتب والمقالات، التي أنجزت في بعض الأقطار العربية الشقيقة، عن القصة القصيرة والرواية عند الكاتب الكبير الراحل إدوارد الخراط، من الكثرة والسبق بمكان، قياسا بتلك التي أنجزت عن أدب نجيب محفوظ الذي انصب تركيز الدارسين والنقاد في مصر على تناوله حتى الوقت الراهن، وتلك ظاهرة لافتة تسترعي الانتباه، رغم الكثرة النوعية لدراسات الباحثين والكتاب المصريين عن أدب الخراط أيضا.
ويمكننا أن نرجع سبب هذا الفرق إلى أمور عدة، منها ما يتعلق بأدب الخراط القصصي، الذي برزت فيه سمات الحداثة وما بعد الحداثة، أو ما أطلق عليه الحساسية الجديدة، ومنها ما يتعلق بتطور مناهج النقد الأدبي العربي في أقطار المغرب العربي، المغرب، تونس، الجزائر، وانفتاحه الكبير على معطيات النقد الغربي، وخاصة النقد الفرنسي، بمختلف مدارسه، ثم تطبيق أدواته ومعطياته في دراسة الرواية والقصة القصيرة عربيا، وعند الخراط، كمبدع مصري، بصفة خاصة، وبإمكان الدارس أن يذكر بعضا من الرسائل الجامعية والكتب والمقالات العربية، لباحثين غير مصريين كثر، في هذا الصدد. لعل أبرزها:
- فيصل دراج: إدوار الخراط المتناهية واللامتناهي ورواية المطلق.
- فخري صالح: رامة والتنين..تشريح العشق.
- الصادق القاسمي: فن القص في رواية “رامة والتنين”
- ياسين كتاني: الحداثة وما بعدها في أدب إدوار الخراط.
- خالد حسين حسين: شعرية المكان في الرواية الجديدة (الخطاب الروائي لإدوار الخراط نموذجا).
- حورية الظل: الفضاء في الرواية العربية الجديدة (مخلوقات الأشواق الطائرة لإدوار الخراط نموذجا).
- أحمد خريس: ثنائيات إدوار الخراط النصية (دراسة في السردية وتحولات المعنى).
- عبدالمالك أشهبون: الحساسية الجديدة في الرواية العربية(روايات إدوار الخراط نموذجا)
- بوشعيب شداق: الخطاب الروائي في “رامة والتنين” و”الزمن الآخر” لإدوار الخراط.
- محمد الخبو: بعض ملامح الأنا الراوية والمروية في الخطاب الروائي المعاصر – إدوار الخراط نموذجا.
- أحمد المديني: حفريات في سرد البدء- رواية “حريق الأخيلة” لإدوار الخراط.
- يوسف شكير: شعرية السرد الروائي عند إدوار الخراط (ترابها زعفران، يا بنات إسكندرية، حريق الأخيلة..نموذجا).
وغير ذلك من الدراسات والابحاث والمقالات النقدية التي ما تفتأ تترى عن أدب الخراط.
ويمكن للدارس أن يرجع ذلك أيضا إلى طبيعة الفروق الفنية بين أدبي محفوظ والخراط القصصين، على الرغم من تقارب البدايات بين كل منهما؛ إن النص الخراطي نص منفتح على كل احتمالات الكتابة والتأويل، هو نص متعدد، متشعب، متداخل مع فنون القول والتشكيل والفنون البصرية، نص مركب من نصوص عدة، ومتداخل ومتراكب مع نصوص الكاتب الأخرى، نص يستوعب تحولات الوجود والعالم، بصورها كافة. ويمكن القول، من دون مبالغة، إنه نص المتاهة التي يعيشها إنسان العصر، نص التشظي شخصية وزمانا ومكانا، ولغة، نص الحيرة الوجودية والاغتراب، نص يحتاج إلى متلق من نوع خاص: متلق ذكي، مشارك، لديه القدرة على الربط بين الأفكار والاستنتاج والتأويل الدائم، وبالجملة: إنه ينطوي على جمالية خاصة للتلقي، القارئ له مطالب بإكمال ما لم يذكره النص، إنه نص يعد جماعا لأغلب مضامين وسمات نصوص الكاتب الأخرى وحواراته وأحاديثه وكل أفكاره، سواء في النصوص الإبداعية، أو أعماله وكتبه الفكرية، ويضاف إلى ذلك ما يكتبه الآخرون عنه…هو نص شذري- بتعبير صديقنا الأستاذ المفكر الكبير الناقد د.أيمن تعيلب.
إن الفرق بين النص المحفوظي والخراطي، في تقديرنا، هو فرق بين الرواية التقليدية والرواية الحداثية وما بعد الحداثية بسيولتها اللامتناهية، وانفتاحها الدائم على مختلف ميادين المعرفة الإنسانية، بل على العالم أجمع، بتحولاته ماضيا وحاضرا ومستقبلا، تلك التي تكسر أفق التوقع لدى القارئ على الدوام.