الحشد البحري في البحر الأحمر .. لن يضمن المرور الآمن للسفن!!
عملية “حارس الرخاء” فاشلة .. والحلفاء مترددون حول المشاركة فيها ..!!
شن الضربات ضد اليمن .. يعطل التجارة العالمية ويرفع التضخم وأسعار النقل!!
النظر لإيران باعتبارها قوة إقليمية مهيمنة .. أمر يثير السخرية
الهدف تعزيز الطموح الصهيوني.. والتطهير العرقي للفلسطينيين لإقامة إسرائيل الكبرى!!
أعمال الحوثيين تتحدى أمريكا .. وتهدد هيمنتها الإقليمية وقيادتها العالمية !!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
في تحرك يعد الأكثر جرأة، حتى الآن، قامت إيران بإرسال سفينة حربية إلى البحر الأحمر، حيث يرى المراقبون ان طهران تتحدي القوات الأمريكية في هذا الطريق البحري التجاري الرئيسي، مما شجع المسلحين الحوثيين الذين تسببت صواريخهم في تعطيل عمليات الشحن خلال الشهرين الماضيين.
وقالت شبكة بلومبرج، في تقرير لها، إن الوقت قد حان لجولة أخرى من التوتر الشديد بسبب السفن البحرية الإيرانية. ومن غير المرجح أن طهران ترغب في مواجهة مباشرة، ففرقاطتها القديمة لا تضاهي قوة المهمة البحرية بقيادة الولايات المتحدة وتقوم بدوريات أمام ساحل اليمن، لكن إيران تريد استعراض قوتها في المنطقة.
ويقول التقرير: “ترسل إيران سفنها لترفع علمها في أماكن مختلفة، وكل مرة يكون هناك رد فعل مبالغ فيه من الغرب. في عام 2021، أرسل الإيرانيون سفينتين للمحيط الأطلسي. كانت هناك مخاوف من أن يكون الإيرانيون قد توجهوا إلى فنزويلا (لتزويدها بزوارق سريعة!)، لكن السفينتين كانتا في الطريق للمشاركة بحدث تذكاري في روسيا. ثم قامت سفينتان بزيارة ميناء ريو دي جانيرو، وشعرنا مرة أخرى بذعر شديد إزاء “التهديد” الرهيب الذي يزعمون أن هاتين السفينتين تشكلانه على نصف الكرة الأرضية بالكامل. وإرسال فرقاطة إلى البحر الأحمر، أقل أهمية من إرسال السفن للمحيط الأطلسي، لكن يجب أن يحين وقت الذعر مرة أخرى.”
ويرى تقرير، كتبه دانيال لاريسون على موقع جلوبال ريسيرش، أن فرقاطة واحدة لا تشكل تهديدًا حقيقيًا للسفن الأمريكية العديدة المتأهبة للتدخل في حرب إسرائيل المروعة بغزة وحماية “حرية الملاحة”. الفرقاطة قديمة عمرها خمسون عامًا، ولا تمثل قدرًا كبيرًا من القوة، لذلك يصعب تصديق الادعاءات بأنه استعراض للقوة الإيرانية. وإرسال سفينة واحدة فقط يظهر أن إيران لا تنوي القيام بشيء، بل يؤكد دعمها للحوثيين. كل هذا يوضح أن الخوف من إيران باعتبارها قوة مهيمنة إقليمية هو أمر مثير للسخرية.
الخطر الحقيقي ليس سفينة إيرانية منفردة، وليس حتى هجمات الحوثيين بالطائرات بدون طيار والصواريخ. الخطر الفعلي هو الحشد البحري جنوب البحر الأحمر وقرع طبول الحرب الغربية ضد اليمن.
وذكرت صحيفة صنداي تايمز أن بريطانيا كانت تستعد لشن ضربات بالتنسيق مع أمريكا وربما حكومة أوروبية أخرى”وبموجب الخطط، سيتم إطلاق الصواريخ ضد أهداف محددة، إما في البحر أو في اليمن نفسه، حيث يتمركز المسلحون.
والمتوقع أن تصدر بريطانيا والولايات المتحدة بيانا في الأيام المقبلة يحذر الحوثيين بضرورة التوقف عن مهاجمة السفن التجارية وإلا سيواجهون القوة العسكرية الغربية.
والمؤكد أن الحوثيين سيتجاهلون هذه التحذيرات، وستشعر واشنطن وشركاؤها بالحاجة لدعم تهديداتهم عبر التصعيد. وعندما لا تحقق الجولات الأولى من الضربات سوى القليل أو لا تحقق شيئًأ، ستكون هناك حاجة للمزيد. وبدلاً من الاعتراف بالفشل، ستواصل إدارة بايدن والحكومات الأخرى حملة قصف تقتل العديد من اليمنيين دون وقف هجمات الحوثيين. وهذا يؤدي لمزيد من هجمات الحوثيين على مجموعة واسعة من الأهداف. وبدلاً من ضمان المرور الآمن للسفن التجارية، سيكون هناك تأثير عكسي.
الشيء الوحيد الذي قد يوقف هجمات الحوثيين هو الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف حملتها التدميرية، هذا هو الخيار الوحيد الذي لا تفكر فيه الحكومات الغربية بجدية.
ينبغي على واشنطن أن تضغط لوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار، لأن دعمها للعقاب الجماعي لشعب غزة يمثل جريمة بشعة. ولا شك أن هذا يحد من التوترات في بقية بالمنطقة. وإذا قررت إدارة بايدن التصعيد على جبهة أو أكثر، فستكون مسؤولة عن كارثة إقليمية.
ورغم وجود السفن الحربية الأمريكية في المنطقة، لم تتوقف هجمات الحوثيين على السفن التجارية المتجهة لإسرائيل. وفي إحدى الهجمات كان الهدف سفينة ميرسك هانجتشو، حيث هاجمتها قوارب صغيرة مليئة بمسلحين حوثيين وأطلقوا النار على بحارة السفينة. وهرعت مروحيات البحرية الأمريكية لمكان الحادث، حيث أغرقت ثلاثة من القوارب وقتلت أفراد طواقمها.
وفي وقت لاحق، تعرضت السفينة نفسها للهجوم مرة أخرى. وأصيبت بصاروخ أُطلق من الساحل اليمني. وعقب الهجوم، بثت هانجتشو نداء استغاثة. وقالت إحدى الروايات: “إن السفينة صالحة للإبحار ولم تقع إصابات”.
وكانت شركة ميرسك علقت رحلاتها بالبحر الأحمر في 15 ديسمبر. ثم وافقت على استئناف الإبحار لأن قادة البنتاجون أكدوا أن سفنها ستكون آمنة. وفي 19 ديسمبر، أطلق رئيس البنتاجون لويد أوستن قوة عمل بحرية متعددة الجنسيات، سُميت “عملية حارس الرخاء”، وكان المفترض أن تحمي السفن التجارية من هجمات الحوثيين. لكن ثبت أن تحالف أوستن فاشل. واعترفت ميرسك ضمنيًا بفشلها والمتوقع تمديد “الإيقاف” حتى يتم حل المشكلة، ويبدو أن الحل لن يكون قريبًا.
ويبدو أن استراتيجية بايدن في البحر الأحمر تحولت إلى ألغام ستنفجر في وجهه. لم تحاول إدارته بايدن التحدث مع الحوثيين ولم تضع أي قيود على سلوك إسرائيل. وما يمكن تفسيره من نهج بايدن هو أنه تخلي عن التظاهر كـ”وسيط محايد”، وقرر أن يكون مشاركًا نشطًا في الأعمال العدائية الإسرائيلية. باختصار، لا علاقة لعملية “حارس الرخاء” بـ “حرية الملاحة”. إنه نشر للقوات الأمريكية بهدف تعزيز الطموح الصهيوني للتطهير العرقي لفلسطين التاريخية وإنشاء دولة إسرائيل الكبرى.
سبق أن أعلن الحوثيون استعدادهم لإنهاء هجماتهم في البحر الأحمر إذا أوقفت إسرائيل العمليات العسكرية لفترة كافية لتوصيل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. وهذا طلب معقول، بل تدعمه الغالبية العظمى من دول وشعوب العالم.
لن تؤدي الحراسة البحرية الأمريكية إلا لتوفير بيئة أكثر ثراءً بالأهداف لصواريخ الحوثيين. وكما حدث مع ميرسك هانجتشو، فإن البوارج الأمريكية لا تردع الحوثيين ولن تضمن حرية الملاحة. الخطة ليست مجدية اقتصاديا وليست عملية عسكريًا.
لماذا إذن تنخرط واشنطن في مثل هذه الاستراتيجية المكلفة وهي تعلم أنها محكوم عليها بالفشل؟
يقولون إن واشنطن “لا تريد التصعيد”. لكن هذا الكلام فارغ ولا يمكن تصديقه. “تستدعي الضرورة العسكرية شن هجمات على البنية التحتية الصاروخية للحوثيين، مثل مواقع الإطلاق الثابتة والمتحركة، ومرافق الإنتاج والتخزين، ومراكز القيادة والبنية التحتية للرادار”. وبعبارة أخرى، يتوقع المسؤولون الأمريكيون تصعيداً يؤدي لمزيد من الدمار، وسفك الدماء، والتزام أعمق بالموارد العسكرية. وإذا لم يكن هذا بداية لحرب إقليمية أوسع، فماذا يكون؟
إذا لم ينجح قصف مواقع الحوثيين على الأرض، فهل تضطر واشنطن لإرسال قوات برية؟. هنا سيستخدم بايدن السفن الحربية كـ “بط جالس” حتى تضربها صواريخ الحوثي مما يولد هستيريا جماعية لدى الشعب الأمريكي، تمهيدًا لخوض حرب كارثية أخرى بالمنطقة.
ويتساءل الكاتب والمفكر الأمريكي، مايك ويتني، في مقال على موقع جلوبال ريسيرش: هل يدرك الشعب الأمريكي الضرر الذي يحدثه دعمنا الشامل لإسرائيل؟ من المرجح أن تتضخم هذه الاضطرابات بأضعاف كبيرة بمجرد شن واشنطن حربًا على اليمن وتوقف الشحن التجاري في البحر الأحمر.
ويخلص المقال، الذي نشره موقع unz.com ونقله موقع جلوبال ريسيرش، إلى أن استراتيجية مرافقة السفن التجارية عبر البحر الأحمر قد فشلت. ومن جميع النواحي، فإن عملية “حارس الرخاء” فاشلة. البنتاجون يستحضر استراتيجية أكثر عدوانية تنطوي على مخاطر أكبر وربما حرب أوسع نطاقًا….، وهي حرب ستدفع القادة العرب إلى أحضان روسيا والصين، وستعزز التحالفات المناهضة لأمريكا. وتؤدي لتفاقم الانقسامات الجيوسياسية، وتعمق عزلة أميركا، وترسخ كراهية شعوب العالم لها. وهي الحرب التي تنهي لحظة القطب الواحد. ويتساءل الكاتب: أليس الأسهل أن نطلب من إسرائيل أن توقف هياجها الدموي؟
ويشير مايكل ويتني المحلل الجيوسياسي، في مقال آخر له بموقع جلوبال ريسيرش، إلى أن ميليشيا الحوثي أظهرت كيف يمكن لجيش صغير أن يواجه الإمبراطورية الأمريكية وينتصر. لقد أظهروا كيف يمكن للعزيمة أن تولِّد قوة مضاعفة تسمح لجيش أضعف كثيرًا بأن “يضرب بما يفوق قوته الحقيقية”. لقد أثبتوا أيضًا أن عددًا قليلًا من الصواريخ على أهم ممرات الشحن في العالم، يمكن أن يسبب هزات للاقتصاد العالمي ويهز “النظام القائم على القواعد” من أسسه.
عندما تتعطل حركة السفن على هذا الممر المائي، ترتفع أقساط التأمين بشكل كبير، وترتفع أسعار بضائع التجزئة، وترتفع أسعار النفط إلى أعلى المستويات. ولهذا السبب تلتزم القوى الغربية بإبقاء هذا الممر مفتوحًا في جميع الأوقات مهما كانت التكلفة.
لماذا تنفجر استراتيجية بايدن في البحر الأحمر في وجهه؟
قال الحوثيين مرارا وتكرارا إن السفن غير المتجهة لإسرائيل لن تتعرض للهجوم. لكن هذا لم يمنع شركات الشحن الكبرى من تغيير مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح. هذا المسار يضيف أسابيع إلى وقت الإبحار ويجبر شركات النقل على رفع أسعارها وتعديل جداولها. الخلاصة: إن تصرفات الحوثيين ستؤدي لزيادة التضخم في الدول الغربية وانخفاض اقتصاداتها بشكل حاد وطويل الأمد.
لكن واشنطن ترى في أعمال الحوثيين تحديًا للتفوق الأمريكي وتهديدًا لهيمنتها الإقليمية وقيادتها العالمية. كذلك تراها تدخلاً في سياستها تجاه غزة، حيث منحت إسرائيل تفويضاً مطلقاً لقتل وتشويه أكبر عدد من الفلسطينيين، حسبما تراه مناسباً، لتحقيق الهدف الاستراتيجي، وهو إسرائيل الكبرى.
وقد يتساءل أي عاقل عن سبب قيام أوستن بتشكيل تحالف عسكري مؤقت آخر، بدلاً من الاتصال بقيادة الحوثيين في محاولة للتوصل إلى اتفاق وتجنب المواجهة. ولكن واشنطن لا تتفاوض مع أشخاص أو دول تعتبرهم أقل شأناً منها.
لذلك، تم تجاهل هذا الخيار. وواصلت أمريكا نهجها التقليدي، بالخطابة التحريضية التي تعقبها ضربة عسكرية. ويبدو أن هذا ما تتجه إليه الأمور.
ويقول الحوثيون، إما وقف إطلاق النار أو الحرب.
ويقول ويتني: “إذا قرر بايدن الحرب، فعليه أن يدرك أنها لن تكون سهلة. ستكون هناك هجمات على القواعد والسفن الحربية الأمريكية وحقول النفط والبنية التحتية. وترتفع أسعار النفط، ويتوقف الشحن التجاري، وتتعثر الأسهم العالمية. أما الصين وروسيا فستكتفيان بالفرجة بينما يستنزف العم سام مصداقيته وقوته داخل ثقب أسود في شبه الجزيرة العربية.”
في الوقت نفسه، عندما أطلقت الولايات المتحدةالقوة البحرية الجديدة، كان بايدن يأمل في تقديم رد دولي حازم على هجمات الحوثيين، ولكن بعد أسبوع من إطلاقها، لا يرغب العديد من الحلفاء في الارتباط بها، علنًا، أو على الإطلاق.
أصدر اثنان من الحلفاء الأوروبيين الذين تم إدراجهم كمساهمين في عملية حارس الرخاء ــإيطاليا وإسبانيا ــ بيانين يتضح منهما أن الدولتين تنأيان بنفسيهما عن القوة البحرية.
وكانت البنتاجون قد ذكرت إن القوة عبارة عن تحالف دفاعي يضم أكثر من 20 دولة. لكن ما يقرب من نصف تلك الدول لم تعترف حتى الآن بمساهماتها ولم تسمح للولايات المتحدة بذلك.
ويشير تقرير لموقع Euractiv.com ووكالة رويترز، إلى أن إحجام بعض حلفاء الولايات المتحدة عن ربط أنفسهم بالجهود جزئيًا يعكس التصدعات والشروخ التي أحدثها الصراع في غزة.
وقال ديفيد هيرنانديز، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كومبلوتنسي بمدريد، إن “الحكومات الأوروبية تشعر بقلق بالغ من انقلاب الناخبين ضدها”، موضحًا أن الرأي العام الأوروبي ينتقد إسرائيل بشكل متزايد ويخشى التورط في الصراع.
وبينما تقول واشنطن إن 20 دولة اشتركت في قوة المهام البحرية التابعة لها، فقد أعلنت عن أسماء 12 دولة فقط. والعديد ممن ورد ذكرهم في الإعلان الأمريكي سارعوا للقول إنهم لا يتدخلون بشكل مباشر.
وقالت وزارة الدفاع الإيطالية إنها سترسل سفينة إلى البحر الأحمر بناء على طلب من أصحاب السفن الإيطالية وليس كجزء من العملية الأمريكية. وقالت فرنسا إن سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية.
وذكرت إسبانيا إنها لن تنضم لعملية “حارس الرخاء” وتعارض استخدام مهمة أتالانتا الحالية لمكافحة القرصنة التابعة للاتحاد الأوروبي لحماية الشحن في البحر الأحمر. لكن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قال إنه مستعد للنظر في إنشاء مهمة مختلفة لمعالجة المشكلة.
وأعلنت السعودية والإمارات في وقت سابق عدم اهتمامهما بالمشروع.
ويساعد الغضب الشعبي في تفسير تردد هذه الدول. أظهر استطلاع لمؤسسة يوجوف مؤخراً أن أغلبية كبيرة من الأوروبيين ـوخاصة في أسبانيا وإيطاليا ـيعتقدون بأن إسرائيل لابد أن تتوقف عن العمل العسكري في غزة.
هناك أيضًا خطر أن تصبح الدول المشاركة عرضة لانتقام الحوثيين. ويقول مصدر مطلع إن هذا الخطر ــوليس الخلافات بشأن غزة ــ هو الذي يدفع بعض الدول للابتعاد عن هذه الجهود.
وإلى جانب الحوثيين في اليمن، تهاجم الميليشيات المدعومة من إيران القوات الأمريكية في سوريا والعراق.
وحتى الآن، نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية انتقامية محدودة ضد الميليشيات في العراق وسوريا، لكنها امتنعت عن القيام بذلك في اليمن.
وقال مايكل مولروي، نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط في عهد ترامب، إن هدف البنتاجون من التحالف البحري الجديد جعل أي هجمات للحوثيين في المستقبل قضية دولية لفصل ذلك عن حرب إسرائيل وحماس.