بعد تحذيرات بوتين لأمريكا بعدم نشر قوات في أوكرانيا
الصراعات الحالية..شبيهة بمثيلاتها قبل الحرب العالمية الثانية ..!!
أي “هجوم ساحق” .. معناه انتحار متبادل ..!!
حروب العقود الأخيرة .. استبعدت خيار “الدمار الشامل” ولجأت للقتال بالوكالة!!
انتشار المعارك على مسارح متعددة.. ليس في صالح واشنطن والحلفاء
إعادة ضم تايوان .. يضع بكين وواشنطن في حرب بلا نهاية..!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
منذ أيام، هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة بحرب عالمية يمكن أن “تضع الإنسانية على حافة الهاوية” إذا نشرت قوات في أوكرانيا.
وناشد الرئيس الروسي، الولايات المتحدة وقف القتال في أوكرانيا والدفع من أجل السلام، وقال للمذيع التلفزيوني الأمريكي تاكر كارلسون: “علينا أن نبحث عن طريقة للخروج من هذا الوضع”.
كانت هذه أول مقابلة له مع شخصية إعلامية غربية منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022، أشار بوتين للمرة الأولى إلى أن واشنطن وموسكو منخرطتان في محادثات سلام عبر القنوات الخلفية بشأن الحرب.
وقال بوتين لكارلسون: “يتم الحفاظ على بعض الاتصالات”، لكنه رفض الخوض في مزيد من التفاصيل.
لكن الرئيس الروسي أضاف: “إذا كان لدى أحد الرغبة في إرسال قوات نظامية، فالمؤكد أن ذلك سيضع الإنسانية على شفا صراع عالمي خطير للغاية”.
كان أحدث صاروخ باليستي روسي عابر للقارات ومسلح نوويًا، سارمات RS-28 Sarmat، دخل الخدمة عام 2021. وفي ذلك الوقت، قالت وسائل الإعلام الروسية أن الصاروخ يمكن أن يمحو “أجزاء من الأرض بحجم فرنسا”. وهذا ليس التهديد النووي الوحيد. في نوفمبر 2022، زودت القيادة الإستراتيجية الأمريكية الكونجرس بتقرير سري يكشف أن الصين لديها عدد من منصات إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أكثر مما تمتلكه الولايات المتحدة.
وأشار تقرير لموقع بوبيولار ميكانيكس إلى أن التوترات الأمريكية الشديدة مع روسيا والصين، وكذلك الحرب في أوكرانيا، دفعت مجلس العلوم والأمن التابع لنشرة علماء الذرة إلى تقريب عقارب “ساعة يوم القيامة” بضع دقائق إلى منتصف الليل، مما يوضح مدى اقترابنا من حرب نووية. وفي يناير2023، حذر المجلس من أن العالم أصبح الآن “أقرب إلى أكبر كارثة عالمية على الإطلاق”.
فما هي احتمالات نشوب حرب نووية عالمية، وما هي القيود والدوافع التي تحيط بمثل هذه الحرب، وتضعها بين المستحيل والممكن؟؟
الصراعات الحالية
والواضح أن الصراعات الإقليمية اليوم شبيهة بما سبق الحرب العالمية الثانية. بدأت حقبة ما بعد الحرب الباردة، في أوائل التسعينيات، بتطلعات عالية للسلام العالمي. وإذا بها، بعد ثلاثة عقود، تنتهي بتصاعد مخاطر نشوب حرب عالمية. واليوم تشهد أوروبا صراعها العسكري الأكثر تدميراً منذ أجيال. والعدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة يغذي جذور العنف في الشرق الأوسط. ولحسن الحظ فإن منطقة شرق آسيا ليست في حالة حرب. ولكنها ليست سلمية تماماً، حيث تعبث بها الأيدي الغربية بقيادة أمريكا وتبني الصين قوتها العسكرية بشكل غير مسبوق.
.ومع احتدام الحروب في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، فكل ما يتطلبه الأمر هو وقوع صدام بمنطقة غرب المحيط الهادئ لكتابة سيناريو مروع آخر، وهو سيناريو تجتاح فيه الصراعات الإقليمية الشديدة والمترابطة النظام الدولي وتخلق أزمة غير مسبوقة للأمن العالمي منذ عام 1945.
ويرى هال براندز، في تحليل على موقع فورين أفيرز، أن الحرب العالمية الثانية كانت تجميعًا لثلاث أزمات إقليمية وهي اجتياح اليابان للصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ واندفاع إيطاليا لإقامة إمبراطورية في أفريقيا والبحر المتوسط؛ وسعي ألمانيا للهيمنة في أوروبا وخارجها. كانت هذه الأزمات مترابطة، وكل منها ينطوي على اندفاع للهيمنة في منطقة مهمة عالميًا. كما ساهم كل منها فيما وصفه الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1937 بأنه “انتشار وباء الفوضى العالمية”. ولكنه، لم يكن صراعًا ضخمًا متكاملاً منذ البداية.
يتضح مما سبق وجود أوجه تشابه مذهلة بين الحقبة السابقة والحاضر. وكما كانت الحال في ثلاثينيات القرن العشرين، يواجه النظام الدولي اليوم ثلاثة تحديات إقليمية حادة. تعمل الصين على حشد قوتها العسكرية بسرعة لطرد الولايات المتحدة من غرب المحيط الهادئ. كما أن الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا هي المحور الجوهري لجهود موسكو الطويلة لاستعادة التفوق في أوروبا الشرقية والفضاء السوفييتي السابق. وفي الشرق الأوسط، تخوض إيران والوكلاء ــحماس، وحزب الله، والحوثيون، وغيرهم ــصراعاً دموياً ضد هيمنة الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي.
وتتقارب روسيا والصين من خلال شراكتهما الاستراتيجية “بلا حدود”، والتي تتميز بمبيعات الأسلحة، وتعميق التعاون الدفاعي التكنولوجي، وإظهار التضامن الجيوسياسي من خلال التدريبات العسكرية في النقاط الساخنة العالمية. ومثلما سمح اتفاق مولوتوف-ريبنتروب عام 1939 لألمانيا والاتحاد السوفييتي بغزو أوروبا الشرقية دون المخاطرة بالصراع مع بعضهما البعض، أدت الشراكة الصينية الروسية لتهدئة حدودهما التي كانت الأكثر عسكرة في العالم وجعلت كلًا من الدولتين تركز على منافساتها مع واشنطن وأصدقائها. كما عززت حرب أوكرانيا العلاقات الأوراسيوية الأخرى؛ بين روسيا وإيران، وروسيا وكوريا الشمالية، وعملت أيضًا على زيادة التدخل الأوروبي وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة.
ومنذ 7أكتوبر، أعلن بوتن أن الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط تشكل جزءاً من صراع واحد أكبر “سيقرر مصير روسيا، والعالم أجمع”. وفي صدى آخر للماضي، تستنزف التوترات الرئيسية في أوراسيا موارد الولايات المتحدة التي تواجه تحديات متعددة في وقت واحد.
مثل هذا الصراع سيكون كارثيا. ويمكن أن يؤدي قيام الصين بضم تايوان لاندلاع حرب مع الولايات المتحدة ليضع أقوى جيشين في العالم ــوترسانتيهما النوويتين ــضد بعضهما البعض. وذلك سيدمر التجارة العالمية بشكل يجعل الاضطرابات الناجمة عن الحربين في أوكرانيا وغزة تبدو تافهة. وقد يزيد من استقطاب السياسة العالمية حيث تسعى واشنطن لحشد العالم الغربي ضد الصين، مما يدفع بكين لترابط أكثر إحكامًا مع روسيا والقوى الأخرى.
ويقول براندز: “لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لحرب عالمية في 1941، لكنها انتصرت من خلال تعبئة القوة العسكرية والصناعية على مستوى العالم. واستحضر بايدن ذلك، قائلا إن الولايات المتحدة يجب أن تكون مرة أخرى “ترسانة الديمقراطية”. واستثمرت إدارته في توسيع إنتاج ذخائر المدفعية والصواريخ بعيدة المدى وأسلحة أخرى. لكن الحقيقة القاسية هي أن القاعدة الصناعية الدفاعية التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية ثم الحرب الباردة لم تعد موجودة، وذلك بسبب النقص المستمر في الاستثمار والانحدار الأوسع للتصنيع بالولايات المتحدة. والعديد من الحلفاء لديهم قواعد صناعية دفاعية أضعف.”
بالتالي، ستواجه الولايات المتحدة صعوبة كبيرة في التعبئة لحرب متعددة المسارح، أو حتى التعبئة لصراع طويل الأمد بمنطقة واحدة مع الحفاظ على حلفائها في مناطق أخرى. وكما يقول تقرير للبنتاجون: أصبحت الصين الآن “القوة الصناعية العالمية في مجالات بناء السفن ووفرة المعادن الحيوية والإلكترونيات الدقيقة”، وهو ما قد يمنحها ميزة تعبئة حاسمة في المنافسة. وإذا اجتاحت الحرب مسارح متعددة في أوراسيا، فقد لا تفوز واشنطن وحلفاؤها.
“حروب أبدية”.
في عام 2021، قبل قرار إدارة بايدن المصيري بالمضي قدمًا في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، قال الرئيس الأمريكي: “حان الوقت لإنهاء الحرب الأبدية”. كان بايدن، وهو لاعب رئيسي بمؤسسة واشنطن التي أطلقت جيلاً من التدخلات العسكرية المفتوحة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، يستدعي لغة النقاد اليائسين لإغلاق كتاب مغامرات الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر.
ويقول تحليل لإيشان ثارور وسامي ويستفال، على موقع الواشنطن بوست، مهما كانت مزايا ومصداقية هذا الادعاء، فقد انغمس بايدن مرة أخرى في ساحات القتال المترامية الأطراف بعد 11 سبتمبر. وشنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ضربات على أهداف تابعة لجماعات مسلحة تابعة لإيران في العراق وسوريا واليمن.
ويشكك المحللون في أن الضربات الأمريكية ستحقق أي أهداف استراتيجية كبيرة. بل يذهب البعض إلى أن مثل هذه التدخلات قد تكون من عوامل اشتعال حرب عالمية جديدة.
وكتب سبنسر أكرمان، المؤرخ المخضرم لحروب ما بعد 11 سبتمبر في الشرق الأوسط: “لا يزال لدى بايدن بعض الوقت لكبح جماح إسرائيل وإيجاد طريقة للتفاوض مع إيران قبل أن يفلت الزمام.”
حرب ممتدة مع الصين
على مدى العقد الماضي، انتقلت احتمالية وقوع تحرك عسكري الصيني بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من عالم الافتراض إلى غرف الحرب لمخططي الدفاع الأميركيين. لقد نجح الزعيم الصيني شي جين بينج في تسريع عملية التعزيز العسكري لبلاده، والتي دخلت الآن عقدها الثالث. وتزعم واشنطن ان بكين “أظهرت طموحاتها البحرية التوسعية وتتعدى على مياه حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين والشركاء الأمنيين، كاليابان والفلبين وتايوان”. وأكد بينج، على ضرورة إعادة توحيد تايوان مع الصين. ومع انشغال الولايات المتحدة بحروب أوروبا والشرق الأوسط، تخشى واشنطن من أن ترى بكين في ذلك فرصة لتحقيق بعض هذه الطموحات بشن عملية عسكرية قبل أن يتمكن الغرب من الرد.
وبما أن كلاً من الصين والولايات المتحدة تمتلك ترسانات نووية، فالعديد من الاستراتيجيين يشعرون بالقلق إزاء نتيجة ثالثة أكثر كارثية. وهم يرون أن حربًا مباشرة بين القوتين العظميين ستؤدي إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه.
وفي مقالة أكاديمية ، بعدد يناير/فبراير من مجلة فورين أفيرز، يستطرد أندرو ف. كريبينيفيتش الابن: مع ذلك، هناك أيضًا احتمال مختلف ومعقول أيضًا، يتمثل في حرب تقليدية طويلة الأمد بين الصين والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. ورغم أن مثل هذا الصراع سيكون أقل تدميرا من الحرب النووية، فقد يكبد كلا الجانبين تكاليف باهظة. كما يمكن أن يمتد لمساحة جغرافية واسعة جدًا ويتضمن أنواعًا من الحروب التي لا يتمتع المتحاربون بخبرة كبيرة فيها. بالنسبة لواشنطن وحلفائها، يمكن أن تشكل حرب طويلة مع الصين الاختبار العسكري الحاسم في عصرنا.
والمواجهة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة ستكون الأولى بين القوى العظمى منذ الحرب العالمية الثانية، والأولى على الإطلاق بين قوتين نوويتين عظميين. ونظراً لتركيز القوة الاقتصادية والبراعة التكنولوجية في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان ــالتي تعتبر إما حليفة وثيقة للولايات المتحدة أو شريكة لها ــفمثل هذه الحرب ستكون مخاطرها عالية للغاية. بمجرد بدء القتال، سيكون من الصعب جدًا على أي من الجانبين التراجع. ولكن ليس من الواضح إطلاقًا ما إذا كان الصراع سيفضي إلى تصعيد نووي.
وكما كانت الحال مع الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة أواخر القرن العشرين، فإن كلاً من بكين وواشنطن تمتلك القدرة على تدمير الآخر كمجتمع فاعل في غضون ساعات. ولكنهما لا تستطيعان ذلك إلا بمخاطرة عالية وتعرضهما للدمار بواسطة هجوم نووي مضاد، أو ضربة ثانية.
هناك أرضية قوية للاعتقاد بأن الحرب الأميركية الصينية لن تتحول إلى حرب نووية. على مدى أكثر من سبعة عقود من الصراعات منذ الحرب العالمية الثانية، ومنها الصراعات التي شملت قوة نووية واحدة على الأقل، كان غياب الأسلحة النووية ملحوظًا بشكل رئيسي، فخلال الحرب الباردة، انخرطت القوتان العظميان النوويتان في حروب بالوكالة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وهي حروب ظلت تقليدية رغم التكاليف البشرية والعسكرية الباهظة التي تكبدها كلا الجانبين.
وحتى في الحروب التي كان فيها طرف واحد فقط يمتلك الأسلحة النووية، فقد امتنع هذا الطرف عن استغلال تفوقه. ويصدق الشيء نفسه حتى الآن على روسيا في حربها مع أوكرانيا، رغم أن هذا الصراع يقترب الآن من نهاية العام الثاني من القتال العنيف والذي كلف روسيا بالفعل ثمناً باهظاً من الدماء والمال.
هناك ثلاث استراتيجيات عامة قد يتبعها تحالف تقوده الولايات المتحدة في حرب محدودة ولكن ممتدة مع الصين: الإبادة، والاستنزاف، والإرهاق. ويمكن اللجوء لهذه الاستراتيجيات بشكل فردي أو مجتمعة. تشمل استراتيجية الإبادة استخدام حدث واحد أو سلسلة سريعة من الإجراءات لتدمير إرادة العدو أو قدرته على القتال، كما حدث في حملة الحرب الخاطفة التي شنتها ألمانيا ضد فرنسا عام 1940. وعلى عكس ذلك، تسعى استراتيجية الاستنزاف لتقليل قدرة العدو على القتال، بإنهاك قواته على مدى فترة طويلة حتى يصبح غير قادر على القيام بمقاومة فعالة، وهي إستراتيجية الحلفاء ضد قوى المحور في الحرب العالمية الثانية. وأخيرًا، تسعى استراتيجية الإرهاق لاستنزاف قوات العدو بشكل غير مباشر، مثل حرمانه من الوصول للموارد الحيوية من خلال الحصار، أو تدهور البنية التحتية الرئيسية للنقل، أو تدمير المنشآت الصناعية الرئيسية. والمثال على ذلك الحرب الإجرامية الصهيونية ضد غزة.
في حرب بين الصين والولايات المتحدة، أو بين الأخيرة وروسيا، تحمل استراتيجية الإبادة مخاطر لا يمكن تحملها. ولأن كلا الجانبين يمتلك أسلحة نووية، فإن استراتيجية الإبادة المبنية على هجوم عسكري ساحق لتدمير قدرة العدو على المقاومة يمكن أن تتحول بسهولة إلى ميثاق انتحار متبادل.
وإنهاء الصراع سيشكل تحديًا في حد ذاته. وباحتمال أن يكون تحقيق نصر عسكري حاسم بعيد المنال لأي من الجانبين، فمثل هذه الحرب قد تستمر عدة سنوات أو أكثر، ولا تنتهي إلا بالتفاوض أمام خطر الإبادة، وهو سلام غير مريح لما كان سيصبح حربًا باهظة التكلفة وتبدو بلا نهاية.