مقامة النصاري للاحتلال هي أحد الاشكال التي عبرت بها الامة العربية عن شخصبتها الحضارية القومية
احتل الرومان بلاد الشام ومصر والمغرب، وقد تبنى الرومان الفلسفة اليونانية في الاحتلال الفكري مع السكان العرب الذي احتلوا أرضهم، ولما ظهرت النصرانية وقف الرومان ضدها بل وحاربوها، إلى أن ادخل بولس وبطرس فيما بعد على النصرانية المؤثرات الهلينستية اى النفوذ الرومانى، وشكل التكيف المطلوب إجراؤه في النصرانية لكي يقبلها الرومان، وعندما استقرت النصرانية عند الزعم القائل بان عيسى كلمة الله هو الله نفسه، لم يعد هناك خلاف في التفاهم بين أباطرة روما وبين النصرانية المكيفة، وقد عبر بوليس عن هذا التفاهم بقوله المشهور (لتخضع كل نفس للسلاطين فإنه لا سلطان إلا من الله ).
وقد قاوم النصارى العرب هذا التحريف ورفضوا اعتناق المذهب الملكانى الذى اعتنقت في ضوئه الإمبراطورية الرومانية النصرانية وعدوه ليس تحريفا فحسب إنما ( مذهب الاحتلال ) وأصبحت تدين بهذا الفكر كل شعوب الإمبراطورية الرومانية إلا نصارى العرب فقد رفضوه وتميزوا عن باقى شعوب الإمبراطورية الرومانية.
وكان هذا التميز والرافض لهذا المذهب واحدا من الأشكال التى عبرت بها الأمة العربية عن شخصيتها الحضارية القومية ورفضها الاحتلال الفكري وإن جاء من خلال الدين، وقد قاد حركة الرفض الأسقف اريوس اسقف الإسكندرية الذي قال إن المسيح بشر وانه كلمة الله لكنه ليس ذات الله، وتم الحكم عليه بالهرطقة اى الزندقة وإنكار العقيدة سنة 325 م فى مجمع نيفية وقد أدان هذا المجمع تعاليم أريوس وحرم أسقف نيقوميدية مع ثلاثة أساقفة أخرىن لتأييدهم لتعاليم أريوس. أما أريوس فأنه في البدء أرسل إلى نيقوميديا مكبلا بالقيود، ثم نفى بعد ذلك إلى الليريا، وإذا كانت حملات الغزو والاحتلال قد مارست هيمنة على جزء من الوطن العربي، فإن الاحتلال اليوناني وسياسة الاسكندر الأكبر وعملياته العسكرية أدت إلى تجزئة الوطن العربي وإلحاق بعض أجزائه بكيانات سياسية تمخضت عنها عملياته العسكرية محاولا إلغاء الوحدة الجغرافية (الوطن ) والتأثير فى القدرة البشرية وخصائصها النوعية وهى أبرز ثوابت الوجود العربى.
والحقيقة أن حكام العرب حققوا ما فشل فيه الرومان و الاسكندر الأكبر فهم نجحوا فى تغريب الوطن وإلغاء الوحدة الجغرافية (الوطنية ) ونجحوا فى التأثير على القدرة البشرية عند العرب، ويمكن القول بأن حكام العرب نجحوا فى طمس هوية العرب الأمر الذي فشل فى تحقيقه أعداء العرب و العروبة.