تمتلك الحكومة كافة مقومات ترجمة هذه الأهداف على أرض الواقع في ظل تفعيل كافة أجهزة الدولة لتحقيق النجاح. وتنطلق الوثيقة من عمل مركز تابع للحكومة تتوفر لديه كافة البيانات والمعلومات، وكذلك إحاطة إدارة المركز وباحثيه بالإمكانيات الحقيقية للحكومة، ومدى تحقيق هذه الأهداف خلال الفترة الزمنية المحددة بالسنوات الست القادمة.
يضاف إلى ما سبق وضع هذه الوثيقة موضوع المحاسبة للحكومة من قبل الجهات الرقابية والمجتمع المدني، مما يجعل الحكومة في حالة تحد لتحقيق تلك الأهداف المعلنة من قبلها أمام الشعب، بل أمام الجهات الخارجية التي ترتبط مع الحكومة المصرية بالتزامات مالية.
كما حاولت الوثيقة التركيز على الجوانب النوعية في كثير من المحاور، مثل دور الاستثمار والتصدير في تطوير الناتج المحلي الإجمالي، ودور التنمية الخضراء والهيدروجين الأخضر، وتطوير الجامعات، والصناعة، بالإضافة إلى العناية بالجانب التقني والذكاء الاصطناعي.
أن الحديث عن توجهات استراتيجية لا يأتي من فراغ، بل من خلال معرفة حقيقية بالواقع، لذلك كان من المهم الإشارة، ولو على وجه السرعة، إلى التحديات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري -التي ألجأت البلاد غير مرة للحصول على دعم وقروض خارجية- ومعاناة البلاد التمويلية المستمرة على مدى السنوات 10 الماضية.
ولم تتضمن الوثيقة الإشارة إلى طريقة تحقيق هذه الأهداف، وفي ظل أية سيناريوهات؟ وهل تفترض الوثيقة بقاء الوضع الحالي محليا وإقليميا على ما هو عليه، أم تغاضت عن التطورات السلبية التي تنتظر المنطقة في ظل حرب إسرائيل على غزة، واحتمال توسع دائرة الحرب، التي يمكن أن تطال مصر نفسها، وكذلك وضع النمو الاقتصادي العالمي الهش.
وتضمنت الوثيقة إجراءات تبيّن أن واضعيها لم يأخذوا في الحسبان وجود مؤسسات مماثلة يمكنها القيام بتلك الوظائف. فمثلًا تقترح الوثيقة “تأسيس وكالة قومية للترويج للاستثمار في مصر”، في حين توجد الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، والترويج للاستثمار في مصر من مهام هذه الهيئة القائمة.
كما تجاهلت الوثيقة قضية التمويل التي تعاني منها مصر، واعتبرت أن الديون الخارجية هي المصدر الرئيسي للتمويل، لذلك ركزت على مسألة استدامة الدين العام، واستهداف نسبته لتكون في حدود دون نسبة 75% من الناتج المحلي. وغاب تمامًا الحديث عن خفض قيمة الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي، في حين أن الواقع يعكس وجود أزمة كبيرة لدى الحكومة بشأن تدبير المديونية العامة بسبب غياب نظرة شاملة لإدارة هذا الدين. يُعد الاستهلاك العائلي مؤشرًا هامًا للتنمية الاقتصادية ومستوى المعيشة في أي بلد، كما يلعب الاستهلاك العائلي دورًا حاسمًا في تحقيق النمو الاقتصادي، ويُعتبر عنصرًا أساسيًا في الاقتصادات الوطنية لعدة أسباب:
أولاً: لآنه يشكل جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يُسهم في تعزيز الإنتاج والخدمات داخل الاقتصاد،
ثانياً: عندما يزيد الاستهلاك العائلي، يزداد الطلب على السلع والخدمات، مما يحفز الشركات لزيادة إنتاجها وتوسيع نشاطها، وهو ما يشجع بدوره على الاستثمارات في القطاع الخاص.
ثالثاً: زيادة الإنتاج والنشاط الاقتصادي نتيجة لزيادة الاستهلاك تساهم في إنشاء فرص عمل جديدة، مما يقلل من معدلات البطالة في المجتمع،
رابعاً: يُعتبر الاستهلاك العائلي وسيلة لتحسين مستوى المعيشة، حيث يسمح للأفراد بتلبية احتياجاتهم الأساسية والاستمتاع بمزيد من السلع والخدمات،
خامساً: ارتفاع مستويات الاستهلاك يُظهر الازدهار الاقتصادي ويعزز الثقة بين المستهلكين والشركات، مما يشجع على المزيد من الاستثمارات والإنفاق،
وأخيرا: يعمل الاستهلاك العائلي كعنصر محفز للنمو الاقتصادي، ويساعد في تحقيق توازن بين مكونات الطلب الاقتصادي الثلاثة: الاستهلاك والاستثمار والصادرات، وارتفع الاستهلاك العائلي في مصر خلال عام ٢٠٢٢/٢٠٢٣ حيث بلغ ٦٧١٨.٤ مليار جنيه بارتفاع بنسبة ٣٪ مقارنة بعام ٢٠٢١/٢٠٢٢، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية. خلال السنوات الأخيرة، ظلت هذه النسبة (55%) على حالها لم تتغير في مصر كثيرا، مما يعني أن جهود الحكومات في تقليلها لم تثمر حتى الآن عن نتائج إيجابية، وهي ذات النسبة التي كررها وزير المالية العام الماضي وتحديدا في سبتمبر
تحسن العجز التجاري
تعتبر قضية تحسن العجز التجاري أمرًا حيويًا في سياق الاقتصاد المحلي. يُشير العجز التجاري إلى الفارق بين صادرات البلد ووارداته، ويؤدي تحسين هذا العجز في حدوث تأثيرات إيجابية كبيرة، من خلال تحسين القدرة التصديرية وتشجيع الصناعات المحلية، يمكن أن يؤدي التحسن في العجز إلى تعزيز النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، يفتح التوازن التجاري الفرص لزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحسين صورة الاقتصاد الوطني على الساحة الدولية. تعتبر استراتيجيات مستدامة لتعزيز التجارة الخارجية وتحسين التوازن في المعاملات التجارية أمورًا حيوية للنجاح الاقتصادي على المدى البعيد. وانخفض العجز التجاري خلال عام 2023 ليبلغ إجمالي العجز 182 مليار دولار بنسبة تحسن تصل إلى 65% مقارنة بعام 2022
يشكل الاقتصاد غير الرسمي جزءا مهما في الاقتصاد المصري؛ ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي، حسب تقديرات حكومية بما يعادل نحو 40% (نحو 2.6 تريليون جنيه) من ناتج الاقتصاد الرسمي البالغ 6.4 تريليونات لعام 2020/2021. أن اتباع “سياسة الجزرة” لتصحيح هذا الوضع الخاطئ مهم في جذب هؤلاء المتخوفين من التسجيل بشكل رسمي من خلال توفير مزايا وحوافز اقتصادية، وربطها بالتسجيل مثل تدريب العمالة لديهم مجانا، وفتح قنوات تمويل لمشروعاتهم، وتقديم مساعدات فنية، وتسويق المنتجات التي تتطابق مع المعايير في المعارض المحلية، وبالتالي سوف يزيد ذلك من قيمة مشروعاتهم وأعمالهم ويعزز من مكاسبهم المادية، ومن ثم تتولد لديهم الرغبة في التسجيل بشكل رسمي. اتسمت الفترة السابقة لعام 2014 بكثرة التحديات التي أنهكت مؤسسات الدولة وتسببت في حدوث شلل تام لكافة مفاصل الاقتصاد المحلي، على خلفية ارتفاع فاتورة دعم الطاقة، وأزمة شح العملات الأجنبية نتيجة استنزاف الاحتياطي النقدي الذي سجل 14.9 مليار دولار في يونيو 2013، فضلًا عن زيادة معدلات التضخم وارتفاع معدل البطالة إلى 13.2% خلال عام 2013، واستمرار عجز ميزان المدفوعات نتيجة تراجع حصيلة الصادرات المصرية التي فقدت جزءًا من قدراتها التنافسية، مقابل ارتفاع قيمة الواردات، بالإضافة إلى تدني مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 4.2 مليارات دولار خلال العام المالي 2013/2014. وقد ساهمت كل العوامل سالفة الذكر في تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى 2.9% فقط.
وبناء على ذلك، استندت رؤية الدولة المصرية في عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل القائم على التخطيط الفعال لمسار التنمية في البلاد، من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد المصري عبر تحوله من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد قائم على التكنولوجيا والابتكار والمعرفة، بجانب بناء هيكل صناعي ذي قیمة مضافة مع صناعة متنوعة ومتوازنة. وعليه فقد استهدف برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل بالأساس تطوير وتحسين السياسات النقدية والمالية، بالإضافة إلى تبنّي سياسات تحفيزية تساهم في جذب المزيد من الاستثمارات، مرتكزة على قوانين وتشريعات متوافقة مع تطلعات الدولة المصرية الرامية لزيادة معدلات النمو الاقتصادي، كما لم تغفل الدولة العمل للارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة، مؤكدة على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعي ومشاركة كافة المواطنين في الحياة السياسية والاجتماعية.
ولهذا، ضخت الدولة المزيد من الاستثمارات الهادفة لتعزيز الحماية الاجتماعية بمنظورها الشامل، وتحسين البنية التحتية، ورفع كفاءة المؤسسات وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.