في تاريخ الأمة الإسلامية بزغ نجم ملايين الأبطال والأعلام والفوارس ، الذين عبقت بذكرهم المجالس ، ومقلت بأعينهم الأوانس ، وفاحت بعطرهم مخطوطات العرب وكُناشات البربر ودواوين فارس ،،
وفي أروقة الخالدين في غابر التاريخ وأضابيره ، عشرات العظماء الذين ترنمت بهم الألسن ، كانت نسبتهم للنسوة اسماً وكنية ، أكانت أماً أو هي الجدة ، وايم الله إن أعظم من نسب إلى النسوة من البشر قط ، لهذين النبيين يونس بن متّى وعيسى بن مريم عليهما السلام ، وتالله إنّ ثمة أفذاذ كثر من جيل الصحابة الأشم ، نسبوا لأمهاتهم وجداتهم ، ولكن أكثر الناس لا يعرفون ، فهذا عبدالله بن أم مكتوم الأعمى ، الذي حكى عنه القرآن الكريم في مطلع سورة عبس ، والذي غلبت عليه كنيته لأمه ( مكتوم عاتكة بنت عبدالله ) ، وهو الذي استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في خمس عشرة غزوة ، وكان رضي الله عنه يتناوب الآذان والإقامة مع بلال بن رباح رضي الله عنه ، ولما كان إصراره على الجهاد شديداً رغم عميه ، أذعن لرأيه عمر رضي الله عنه ، فحمل لواء المسلمين يوم القادسية ، فظفر بالشهادة الكريمة في سبيل الله ، وانتسب كذلك ثلاثة من خيرة الصحابة لأمهم عفراء بنت عبيد الأنصارية ( معاذ ومعوذ اللذان قتلا أبا جهل فرعون الأمة ، وأخوهم عوف رضي الله عنهم ) ، وثلاثة آخرون لم ينسبوا لأبيهم وهب ، بل نسبوا لأمهم ( البيضاء دعد بنت حجدم الفهرية ) وهم صفوان وسهل وسهيل أبناء البيضاء رضي الله عنهم ، كذلك غلب على الصحابي الجليل شُرحبيل بن حسنة رضي الله عنه ، وفاتح الأردن الأغر، كنية أمه حسنة العدوية ، وهذا عبدالله بن ثعلبة الأسدي الذي غلبت عليه كنية أمه ابن اللتبية ، ذلكم الرجل الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بجمع صدقات بني سليم ، فلما جمعها قال هذا لكم وهذا لى أهدى لى ، فقام النبى صلى الله عليه وسلم بتأديبه وتقويمه ، وتعليمه وتعديله ( ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدى لي ، أفلا جلس في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا)
وفي غمار حديثي عن الذين نسبوا للأم أو الجدة ، يحضرني عبدالله بن مالك الأزدي المعروف بعبدالله بن بحينه رضي الله عنه ، وكذلك ابن الحنظلية رضي الله عنه ( سهل بن الربيع بن عمرو ) ، وهذا بشير بن معبد رضي الله عنه المنسوب لجدته ( بشير بن الخصاصية ) ، وابن الدغنة ( ربيعة بن رفيع ) الذى أجار أبا بكر رضي الله عنه ، وإن اختلف في إسلامه ، ومن عظماء من نسبوا لأمهاتهم حقاً محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وقد عرف فى التاريخ باسم أمه ( محمد بن الحنفية فأمه خوله بنت جعفر ) ، وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لولد من علي بن أبي طالب أن يسمى باسمه ويكنى بكنيته أبا القاسم ، وقيل لمحمد بن الحنفية لمّ يغرر بك أبوك فى الحروب ، ولم يغرر بالحسن والحسين ؟ فقال أنهما عيناه وأنا يمينه ، فهو يدفع عن عينيه بيمينه ، وفي عصور التابعين وتابعيهم سطع الكثير ممن نسبوا للأم أو الجدة ، أذكر منهم هاهنا العلامة ابن تيميه ، فهو أحمد بن عبدالحليم الذي عرف بابن تيميه ) ، وفي تاريخ مصر الحديث ومع استحالة المقارنة مع المسرود أعلاه ، شاع اسم أباظة شيوعاً مدوياً ، وصار الاسم بتتابع السنوات مقرون بأكبر وأشهر عائلة بمصر ، لكن الذي لا يعرفه الكثيرون أن اسم أباظة لسيدة نزحت من إقليم أبخازيا بمنطقة القوقاز ، وانتسب إليها صفوة المجتمع المصري في أكثر مناحي الشهرة ، فهي العائلة الكبيرة والتي تربو من خمسين ألف نسمة في محافظة الشرقية ، بلبيس ومنيا القمح وقرية أباظة وعزبة عبدالحليم أباظة وعزبة محمد بك أباظة ودسوقى أباظة ، تلك الأسرة الأباظية المنسوبة لامرأة ، والتي دأبت منذ برهة زمنية بعيدة على تأسيس جمعية تكافل فقراء الأباظية ، وهي العائلة التي حظيت بنصيب الأسد بين عائلات مصر في اقتناص ألقاب الباشوية والبكوية ، وأشهر الوزراء دسوقي أباظة وعزيز أباظة وفكري أباظة وماهر أباظة ووجيه أباظة ومحمود أباظة وثروت أباظة ،،،