منحتني المقادير، حين كنت مديرًا لتحرير مجلة دبي الثقافية، نعمة زيارة كوريا الجنوبية ثلاث مرات في أعوام 2006، و2007، و2008،
كل مرة مكثت فيها نحو عشرة أيام كاملة أتأمل وأتعلم وأندهش، وقد سجلت مشاهداتي وانطباعاتي كلها آنذاك في مجلة دبي الثقافية.
سأتوقف هنا عند سبع عجائب مذهلة تدفع المرء إلى الإيمان بقدرات الشعوب على البناء والتحضر إذا امتلكت قيادات قوية وحازمة تؤمن بوطنها وتحلم بأن تحقق السعادة لمواطنيها.
العجيبة الأولى تتمثل في هذه القدرة الخارقة على التخلص من الفقر والجهل في غضون عقود قليلة جدا، فكوريا الجنوبية كانت ضمن أفقر ثلاث دول في آسيا عام 1961، حيث كان متوسط دخل الفرد لا يتجاوز 100 دولار في العام،
أما في سنة 2005 فقد أصبحت ضمن أغنى 10 دول في العالم، وقد ارتفع متوسط دخل الفرد إلى 22 ألف دولار في العام.
العجيبة الثانية تلخصت في القضاء على الأمية، ففي سنة 1961 كانت نسبة الأمية الأبجدية هناك نحو 86%، بينما انخفضت تمامًا أو تكاد في سنة 2006، إذ بلغت هذه النسبة نحو نصف في المئة فقط!
أما العجيبة الثالثة فتراءت لي في قدرتهم الخارقة على تنظيم الحشود البشرية، فلك أن تعلم أن عدد سكان كوريا الجنوبية يصل إلى 50 مليون نسمة في وقت زيارتي لها،
بينما مساحتها محدودة للغاية، إذ تبلغ 100 ألف و210 كم مربع فقط، أي عُشر مساحة مصر تقريبًا، ومع ذلك، فلا وجود لأي فوضى أو صخب أو عشوائيات!
وأما العجيبة الرابعة، فتتجلى في نهر الهان الذي يخترق العاصمة، حيث لا يوجد أي مبنى قائم على شاطئيه يحول دون رؤيته، فهو متاح للجميع.
استثمار ذكي لكل الأراضي الكورية، هذه هي العجيبة الخامسة، فقد لاحظت مثلا أنهم شيدوا تحت الأرض في العاصمة سيئول شبه مدينة جديدة تضم:
مترو الأنفاق والأسواق التجارية ودور السينما، إلى آخره، باستثناء عمارات أو بنايات للسكن، الأمر الذي خفف كثيرا جدا من لعنة التكدس فوق سطح الأرض.
تتمثل العجيبة السادسة في التطور المذهل للتكنولوجيا، فقد نظموا لنا زيارة لأحد فروع مصنع هيونداي للسيارات في العاصمة، وقد رأيت بعينيّ كيف أن هذا الفرع ينتج 80 سيارة في الساعة الواحدة، وأكرر في الساعة الواحدة.
ولك أن تتخيل حجم التصدير للعالم كله، وقس على ذلك بقية فروع التكنولوجيا (هواتف/ كومبيوترات/ كاميرات إلى آخره).
تبقى لك في جعبتي العجيبة السابعة والأخيرة، وتتجلى في الاهتمام المدهش بالأشجار والورود،
فأينما وليت وجهت في الشارع الكبير أو الطرق الصغيرة فثمة تصميمات مدهشة من الورود، ومجموعات حيوية من الأشجار، الأمر الذي يجعل المرء يشعر أنه يعيش في جنان متنوعة تمنحه الانسجام والتفاؤل.
أذكر أنني اكتشفت أن هناك بندًا في الدستور الكوري منطوقه:
(على الدولة أن تحقق لجميع المواطنين حق التمتع بالسعادة)، وهي تفعل ذلك حقا،
فهل يا ترى اطّلع أي مسؤول لدينا على هذا البند في أثناء زيارته لكوريا الجنوبية؟.