عندما كنت طالبًا في السنة الثالثة بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، قرأت جملة للشاعر الفرنسي لويس أراجون تقول: (المرأة مستقبل العالم).
أذهلتني تلك الجملة آنذاك، ومضيت أفكر في تفسيرها من قرن إلى آخر، إذ كيف يرتهن مستقبل العالم بالنساء فقط؟
أليس الرجل هو الذي يحكم العالم سياسيًا، ومن يملك السُلطة يحدد طبيعة المستقبل؟.
تذكرت جملة أراجون هذه الأيام بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يحل غدًا 8 مارس، وأعدت التفكير فيها مرة أخرى كما فعلت قبل ذلك غير مرة،
فاكتشفت صدق الشاعر وعبقريته، فالمرأة، في الأغلب، هي التي تختار الرجل الذي ستقترن به، الأمر الذي يجعلها تسعى لأن تنتقي أفضل رجل متاح من المتقدمين لطلب يدها.
في الماضي كانت القوة الجسدية للرجل حاسمة في اختيارات المرأة، فهي بحاجة إلى زوج قوي بدنيًا قادر على حمايتها وابنها المنتظر من أي طامع أو متهتك أو حقود أو متربص،
فالرجل هو الذي يهب المرأة الأمان، والأمان، كما تعلم، يعد أثمن هدية تبحث عنها كل امرأة.
أما الآن، فالمرأة تختار الذكي المجتهد الناجح الطموح الطيب كي يسعدها من جهة، وحتى تضمن أن أولادها سيرثون من أبيهم كل هذه الخصال، أو بعضها على الأقل من جهة ثانية.
وهكذا يستقبل العالم أجيالا أكثر قدرة على التعامل بذكاء مع التحديات المتزايدة التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين.
اللافت أن الأنثى في عالم الطيور والحيوانات هي التي تنتقي أيضًا زوج المستقبل، فحين يأتي موسم التزاوج تتقاتل الذكور، ربما حتى الموت، من أجل الحصول على حق التزاوج.
وهكذا تقف الأنثى قريبًا من ساحة المعركة تتابع بطرف خفي الصراع الدموي الدائر بين الذكور الراغبين في حنانها،
وحين ينتصر أقواهم، تهب نفسها له راضية مرضية، فقد ضمنت أن ذريتها سيحملون أقوى الجينات القادرة على الحياة في الغابة بكل ما تحتوي هذه الغابة من شراسة وقسوة وغدر.
أما أجمل ما وهبته المرأة للبشرية، فهو قدرتها على إثارة الخيال الفني لدى الرجل الموهوب، ولولا الخيال ما تحمل الناس عذابات الحياة،
ولولا الخيال ما استطاع الإنسان أن يثب فوق العقبات التي تعترض طريقه من أجل النهوض والتطور.
ومن رقة المرأة وحنانها استلهم المبدعون أروع النصوص الشعرية والقصصية،
ومن سحرها وغموضها وتناقضاتها كتب شكسبير وموليير وهنريك إبسن ودوستويفسكي وماركيز ونجيب محفوظ أهم الأعمال المسرحية والروائية.
ومن لطافتها وطيبتها ابتكر بيتهوفن وباخ وموتسارت وفاجنر وسيد درويش وعبدالوهاب أعذب الأنغام الموسيقية.
ومن جمالها ونعومتها وهمساتها رسم ونحت دافنشي ورمبرانت ومايكل انجلو وديجا ومحمود مختار ومحمود سعيد وبيكار وصبري راغب أروع اللوحات والتماثيل.
أما أجمل ما قيل عن الحبيبة، فمنسوب لشوقي إذ قال:
$لا أمس من عُمرِ الزمانِ ولا غدُ… جُمِعَ الزمانُ فكان يومَ رضاكِ).
في اليوم العالمي للمرأة أهمس لمقامها العالي قائلاً :
كل عام وأنت طيبة وسعيدة يا سيدتي الجميلة.